الثلاثاء 2017/06/06

آخر تحديث: 11:41 (بيروت)

التيار المتشدد يستنفر ضد الأطرش..و"تحرير الشام" تحيله للتحقيق

الثلاثاء 2017/06/06
التيار المتشدد يستنفر ضد الأطرش..و"تحرير الشام" تحيله للتحقيق
المسألة الرئيسية تتعلق ببحث "تحرير الشام" اليوم عن هوية متمايزة لها، تقنع معها بالقطع مع تنظيم "القاعدة" (انترنت)
increase حجم الخط decrease
أصدرت "هيئة تحرير الشام"، الإثنين، قراراً بإحالة القيادي فيها حسام الأطرش إلى التحقيق، على خلفية تغريدات أطلقها مؤخراً أثارت ردود أفعال واسعة، ودعا فيها الأطرش الفصائل إلى الانضمام للحكومة المؤقتة.

وحاولت "تحرير الشام" تجاهل تصريحات الأطرش في البداية، لكنها عادت وأصدرت بياناً مقتضباً جداً، لم يتجاوز الإشارة إلى أن ما ورد في التصريحات لا يمثل "الهيئة"، قبل أن تجد نفسها مضطرة للتوضيح بشكل أوسع، ومن خلال أعلى مرجعية شرعية فيها، وذلك بسبب تصاعد ردود الفعل داخل "الهيئة" وخارجها.

وكان نائب المسؤول الأمني لـ"هيئة تحرير الشام" حسام الأطرش، قد أدلى بتغريدات مفاجئة، حثّ فيها الفصائل على السماح للحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة، بإدارة المناطق التي تسيطر عليها الفصائل، وإيقاف العمل العسكري ضد النظام في الوقت الحالي، بانتظار تغيّر الظروف.

الأطرش وفي إطار تقديم رؤيته لمنع ما وصفه "تكرار مجزرة غروزني" في محافظة إدلب، قال في تغريدات له في "تويتر": "‏أعتقد أن الحل هو أن تحكم الحكومة المؤقتة المناطق المحررة، وأن تعلن عن وزارة دفاع، وتحلّ الفصائل العسكرية نفسها وتدخل في هذه الوزارة". وأضاف: "الحكومة المؤقتة لها شرعية دولية، وتصلح أن تكون غطاءً للمناطق المحررة، ويستحيل تصنيفها بعدما تم الاعتراف بها، ‏وهي الطريق التكتيكي الوحيد لإنقاذ الساحة من شبح التصنيف والحرب، وانهاء الحالة الفصائلية المقيتة، ومخاطبة الدول بشكل رسمي".

وحول استراتيجية المواجهة العسكرية مع قوات النظام وحلفائه، قال الأطرش: "‏رتب صفك واستجمع قواك واعمل تحت غطاء شرعي، وإلا في الواقع الراهن، لا أظن أننا سنحرز تقدماً، ‏بل إن فتح معركة مع النظام في وقت الهدنة الحالية، وفي ظل التضعضع الفصائلي، بل وفقدان الفصائل للحاضنة الشعبية، ستكون النتيجة كما كانت ‏نتيجة معركة حماة الأخيرة، وهي خسارة المزيد من الأراضي المحررة، بل واستجلاب المزيد من الدمار للمناطق المحررة".

تصريحات كانت صادمة بالنسبة للجميع، ومن مختلف الأطراف، المؤيدة لـ"هيئة تحرير الشام" والمعارضة لها في الوقت نفسه. فصحيح أن حسام الأطرش هو أحد قادة "حركة نور الدين زنكي"، التي كانت محسوبة على "الجيش الحر" قبل اندماجها مع "جبهة تحرير الشام" وفصائل اسلامية أخرى، لتشكل معاً "هيئة  تحرير الشام" مطلع العام 2017، إلا أن موقعه الحالي كقيادي في "الهيئة" التي تتبنى التوجه السلفي الجهادي، بشكل واضح، يجعل من تصريحاته مثيرة للجدل وعلى نطاق واسع.

فبينما تعامل معها مناوئو "الهيئة" في أوساط المعارضة الأخرى، من القوى الإسلامية والجيش الحر بحذر وتشكيك، وجد فيها العديد من أنصار "تحرير الشام"، بل ومن أعضاء فيها، خروجاً عن الخط العام لـ"الهيئة"، مطالبين بالتعامل معها بحزم، وعدم التهاون مع صاحبها، الذي عاد وأكد على تمسكه برأيه، منتقداً الهجوم الذي تعرّض له.

السلفي الجهادي الأردني أبو محمد المقدسي، وأنصاره، كانوا رأس حربة الهجوم على الأطرش، منتقدين بشدة أيضاً قيادة "هيئة تحرير الشام" بسبب ما وصفوه بـ"الموقف المتهاون" مع هذه التصريحات. موقف كان متوقعاً من المقدسي، الذي عارض منذ البداية ضم "حركة الزنكي" إلى "هيئة تحرير الشام"، ودأب طيلة الأشهر الأربعة الماضية على التهجم على قيادتها وانتقادها المستمر، بسبب سيطرة ما يسميه بـ"تيار المميّعة" على الفصيل الجديد، وهو الأمر الذي أدى إلى مناوشات إعلامية مع العديد من مسؤولي "تحرير الشام".

وبعد أربعة أيام على إدلاء حسام الأطرش بهذه التصريحات، ومع تصاعد الأصوات المنددة بها من داخل "الهيئة" نفسها، أصدرت قيادة "تحرير الشام" تعليقاً مقتضباً جداً عبر "وكالة إباء" التابعة لها، أكدت فيه على "أنها وإذ تحترم حرية التعبير والاجتهاد في إطار الضوابط الشرعية، إلا أن تصريحات القيادي فيها لا تمثل الهيئة".

لكن هذا التعليق المقتضب كان له مفعول عكسي كبير، خاصة داخل "الهيئة"، إذ أصدر عدد من قطاعات "الهيئة" العسكرية، والعشرات من قادة الصفوف المتأخرة فيها، بيانات تستنكر هذا الموقف "المتراخي" تجاه هذه التصريحات، وتطالب بمحاسب صاحبها، وإصدار موقف رسمي صريح ينسجم وموقف التيار السلفي الجهادي من الحكومة المؤقتة، بل ومن المجتمع الدولي بشكل عام.

وأبرز الجهات التي عبرت عن هذا الموقف التصعيدي من داخل "هيئة تحرير الشام" كانت قيادة "قوات النخبة" وقيادة "جيش النصرة" فيها، وكذلك مسؤولي فرع "الهيئة" في الغوطة الشرقية، بالإضافة إلى العشرات من العناصر، أغلبهم من غير السوريين (المهاجرين)، والذين كان لافتاً أن بياناتهم كان يتم الإعلان عنها من خلال قناة أبو محمد المقدسي في "تليغرام". الأمر الذي زاد من حدة التوتر الإعلامي بين المقدسي وبين المسؤولين المناوئين له داخل "الهيئة".

ومع تزايد عدد الشخصيات والقواطع التي صدرت باسمها بيانات مماثلة من داخل الهيئة، ومع تلقف هذه البيانات من قبل المقدسي والتيار الرافض لفك ارتباط "جبهة النصرة" أصلاً بتنظيم "القاعدة"، وخاصة قادة الجبهة السابقين الذين استقالوا منها بعد هذا القرار، وفي مقدمتهم الأردنيين سامي العريدي وبلال خريسات، والمتهمين على نطاق واسع بالسعي لتشكيل فصيل جديد تابع لـ"القاعدة" في سوريا، وجدت قيادة "تحرير الشام" نفسها، على ما يبدو، مضطرة لإصدار توضيح أشمل لموقفها.

التوضيح كان مصدره هذه المرة رئيس الهيئة الشرعية في "تحرير الشام" الشيخ عبد الرحيم عطون "أبو عبدالله الشامي"، الذي جدد في بيان مطول التأكيد على أن تصريحات القيادي في الهيئة حسام الأطرش، هي موقف شخصي، وأن القيادة تعارض ما جاء فيها، مؤكداً على الالتزام بثوابت "الهيئة" الرئيسية، ومستنكراً في الوقت ذاته حالة اللغط التي أثيرت حولها، مطالباً بأن يحل هذا الخلاف داخلياً.

العطون الذي سبق وأن دخل في جدال إعلامي مع المقدسي في بداية تشكيل "الهيئة"، أكد "أن معالجة أي خطأ داخل الكيان يعود لقيادة الهيئة ويعتبر شأناً داخلياً بحتاً، لا يجب أن يثار على الإعلام، أو أن يتم استغلال البعض للأخطاء بغية الطعن في مشروع الهيئة". وأضاف: "الحكومة المؤقتة هي اسم فقط أكثر من كونها حقيقة واقعية، وهي عبارة عن تجمع مجموعة من الأشخاص خارج البلاد، وهو تجمع غير مؤثر في الداخل، وكونه غير حقيقي فلا داعي للإكثار من الكلام حوله".

ورداً على بيان العطون، انتقد المقدسي، ما اعتبره محاولات ترقيع من قبل قيادة "هيئة تحرير الشام" لتصريحات حسام الأطرش، معتبراً أن هناك في "الهيئة" من يتبنى فكرته التي تجب "ضرورة معالجتها بالأفعال لا بمجرد الأقوال". كما استغرب المقدسي المطالبة بعدم اخراج مشاكل الفصيل إلى العلن، ورأى في ذلك منعاً للنقد والأمر بالمعروف.

وفي تصريح مطول له، أكد المقدسي على أن "الحكومة المؤقتة ليست مجرد فكرة، لا يتوجب على المجاهدين الحذر منها، بل هي حقيقة قائمة ولها اتباع على الأرض وإن كانوا قلة".
لكن الرد الأقوى كان قد صدر من الشرعي العام السابق لـ"جبهة النصرة"، الأردني سامي العريدي، الذي ذكّر بموقف الكثير من قادة الجبهة من الحكومة المؤقتة، باعتبارها حكومة ردة، وقال إنه "يستغرب سكوتهم اليوم عن تصريحات الأطرش هذه".

وكشف العريدي في سياق انتقاده لموقف "الهيئة" الحالي، موقف كل من أبو محمد الجولاني وعبد الرحيم عطون، اللذين كانا قد عبرا عنه في جلسة قديمة لقادة "جبهة تحرير الشام"، بعد انفصال "جبهة النصرة" عن تنظيم "القاعدة"، وقبل تشكيل "هيئة تحرير الشام". وكانت تلك الجلسة مخصصة للتداول في قضية الإندماجات. وتساءل العريدي، كما قال، عن الموقف من الفصائل التي تتبنى خيار الديموقراطية، فرد عليه كل من الجولاني والعطون بأنهم "سيقتلون من يدعو لذلك".

ومقابل الانشغال الواسع بهذه القضية داخل التيار الجهادي، فقد كان لافتاً عدم التركيز عليها من قبل الأطياف المعارضة الأخرى، إلا باستثناءات قليلة، ممن ركز أصحابها بشكل رئيس على أن ما صدر عن حسام الأطرش، لا يعدو كونه "بالون اختبار" أطلقته "الهيئة" لجس النبض.

وفي هذا السياق غرد القيادي في "جيش الإسلام" في الشمال، علي عبد الوهاب، في "تويتر" قائلاً: "إن تغريدات حسام الأطرش حول الحكومة المؤقتة، لم تكن إلا بإيعاز قياداته لمعرفة موقف أتباعهم من الانخراط في العملية السياسية".

موقف وافقه عليه القيادي السابق في "جبهة النصرة" صالح الحموي، الذي ردّ بدوره في حسابه الشهير في "تويتر" المعروف باسم "اس الصراع" على موقف المعترضين من عناصر وقادة "الهيئة" على تصريحات حسام الأطرش، قائلاً: "إن الجولاني وأبو جابر الشيخ (القائد العام لهيئة تحرير الشام) وثلث مجلس الشورى (في الهيئة) يقولون بقول الأطرش".

وما بين الطرفين، يرى طرف ثالث أن المواقف من هذه القضية وردود الفعل عليها، حمّلتها أكثر مما تحتمل، وأن ما جرى هو تعبيرات لا بد أن تُظهر علناً النقاش الدائر داخل "هيئة تحرير الشام" حول خيارات التعامل مع المستقبل.

وبهذا الصدد، استغرب الكاتب الإسلامي السوري رامي دالاتي، في تصريح له، الهجوم على الأطرش، وقال إنه يستغرب "حملة التبديع والتخوين التي تعرض لها الأطرش، بعد ما طرحه من رؤية تنم عن واقعية سياسية للتعامل مع الحدث، واستشراف مبكر للحل".

بينما يرى آخرون أن المسألة الرئيسية التي يظهرها هذا الجدل، إنما تتعلق أساساً ببحث "هيئة تحرير الشام" اليوم عن هوية متمايزة لها، تقنع معها بالقطع مع تنظيم "القاعدة"، وهي الصلة التي ما تزال تلاحقها، وتعمل "الهيئة" جاهدة على مقاومتها. إلى درجة أن "الهيئة" لا تخفي امتعاضها في كل مرة يتم ذكر اسم "جبهة النصرة" أو "جبهة تحرير الشام"، مقروناً باسم "هيئة تحرير الشام"، سعياً لتحقيق قبول دولي أو إقليمي على أقل تقدير لها، كقوة رئيسية على الأرض، على أن تكون هذه الهوية في الوقت نفسه مقبولة من قواعدها والفكر الذي تتبناه، وهو أمر لا يبدو أنه يَسيرٌ، كما يرى الكثيرون.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها