الثلاثاء 2017/05/02

آخر تحديث: 18:52 (بيروت)

"حماس".. حكاية الطريق من الميثاق إلى الوثيقة

الثلاثاء 2017/05/02
"حماس".. حكاية الطريق من الميثاق إلى الوثيقة
وصلت "حماس" إلى سلطة، ولو مجتزأة، بعد حوالى عشرين عاماً من انطلاقتها (انترنت)
increase حجم الخط decrease

قد يكون نقل مكان إعلان الوثيقة السياسية لـ"حماس" من فندق إلى آخر، حدثاً بحدّ ذاته، يكشف الظروف التي تحيط بالحركة، والتي لعبت دوراً في إخراج الوثيقة بهذه الصورة. التغريدة الحانقة لعضو المكتب السياسي للحركة عزت الرشق لا تخلو من الإشارة لهذا المعنى، حين ردد بيت شعر للشاعر تميم البرغوثي مطلعه "الموت فينا وفيكم الفزع".

أسباب كثيرة أملت على "حماس" إصدار وثيقة سياسية بعد حوالى 30 عاماً على إصدار ميثاقها. أولها الحاجة إلى تجاوز الميثاق نفسه، والذي أبصر النور في زمن كانت فيه "حماس" حركة صغيرة العدد، قليلة الخبرة السياسية، وعلاقاتها خارج فلسطين تقتصر على تواصل مع بعض الحركات الإسلامية في المنطقة.


ومع اتساع حضورها الشعبي كانت تتزايد علاقاتها الدولية، وتتضاعف مسؤولياتها تجاه جمهورها وشعبها، والكلام الخطابي الذي كان يصلح لبيئة متجانسة فكرياً، لم يعد صالحاً في المجال العام، ويثير الأسئلة أكثر مما يجيب عن تساؤلات الواقع، ويحرّك الشكوك الدولية التي كان على الحركة أن تحاول دفع بعضها على الأقل، خصوصاً الكلام الكثير حول ما ورد عن اليهود في الميثاق.


الأسئلة كبرت خصوصاً مع حضور "حماس" كقوة متنامية مع إبعاد إسرائيل لحوالى 400 من كوادرها أواخر عام 1992، وظهور "كتائب القسام" كجناح عسكري فاعل قبل ذلك بعام. كثر مجيء الوفود الدولية إلى مرج الزهور، حيث المبعدون. ومعظم الأسئلة كانت تتركز حول الميثاق.


النضوج السياسي الأعمق لـ"حماس" حدث في تلك المنطقة شبه المعزولة، وتلك مفارقة، وكانت الأفكار تتطوّر في خيمة جامعة ابن تيمية، وتلك مفارقة أخرى، حيث كان المنحى نحو الاعتدال في خيمة، وليس في مكان مترف. الأمم المتحدة التي كانت مذمّة قبل عام، نظراً لتاريخ طويل من الانحياز السلبي، أصبح قرارها الرقم 799 يُرسم بأجساد هؤلاء الذين يدعو لعودتهم.


على أرض مرج الزهور كانت اللقاءات الأولى بين قيادتي "حماس" في الداخل والخارج، والنقاش دوماً حول التسوية القادمة، والميثاق، ومدى قدرته على استيعاب المتغيرات، وكيفية إدراة العلاقات الدولية مع الحفاظ على ثوابت الحركة.


حاولت الحركة تجاوز الميثاق بمواقف تشير إلى رشد سياسي، مثل تصريح مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين عام 1989 بأنه يريد دولة ديموقراطية، وسيحترم رغبة الشعب الفلسطيني ولو فاز الحزب الشيوعي، وغير ذلك من التصريحات المهمة. لكن تلك المواقف لا تمحو ميثاقاً يشكل إطاراً فكرياً لفصيل أساسي في الساحة الفلسطينية، فعمدت الحركة إلى إصدار نشرتين تعريفيتين عامي 1993 و2002 يتضح من خلالهما التطوّر الحاصل في العقل السياسي لـ"حماس". لكن هاتين النشرتين لم تشكلا بديلاً عن الميثاق الذي ظلّ حمّال أسئلــة.


كانت الحركة تتردد في التعامل المباشر مع الميثاق، إما تعديلاً أو إلغاءً، لأسباب عديدة، منها أن الحديث عن الميثاق كانت ترافقه دائماً أحداث إما متعلقة بتسوية أو بهدنة أو بحرب، وذلك يفتح تأويلات هائلة، مترافقة باتهامات للحركة بأنها تخلّت عن مبادئها الأولى، وبأنها تتبع طريق "منظمة التحرير" التي عدّلت الميثاق القومي (1968) ثم الميثاق الوطني (1996) ليتوافق مع متطلبات التسوية.


والأمر الثاني أن الحركة لا تقف على أرض جغرافية واحدة. وأي تعديل يلزمه نقاش مطوّل بين الأقاليم الثلاثة: الخارج، وغزة، والضفة، إضافة إلى تنظيم السجون. ولكل منطقة بيئتها، وعاداتها وتفكيرها، المكتسبة من تأثير تلك البيئات الجغرافية والسياسية، وهذا أمر لا يمكن نكرانه، أو تجاوزه، لأنه من طبيعة البشر.


وصلت "حماس" إلى سلطة، ولو مجتزأة، بعد حوالى عشرين عاماً من انطلاقتها. رفضت شروط الرباعية الدولية بالاعتراف بإسرائيل، ونبذ الإرهاب، والتخلي عن المقاومة. اشتدّ الحصار. وأي سلطة عليها مسؤوليات، ومنها تلبية الحاجات اليومية لمواطنيها. حاولت "حماس" أن تستدرك لاءها للرباعية بـ"لكن". هذه الـ"لكن" فتحت الباب أمام تصاريح بدت متناقضة أحياناً، ومتجاوزة للميثاق أحياناً أخرى.


تناقضت التصريحات ما بين داعٍ لعدم التوقف عن مسيرة التحرير، ولو لاستراحة، ومنادٍ بالانحناء للعاصفة، ومحاولة فتح ثغرة في جدار الحصار من خلال الاعتراف بدولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، أو استعادة طرح قديم للشيخ أحمد ياسين بهدنة طويلة لمدة 15 عاماً. وهنا عاد ليُطرح مجدداً تعديل الميثاق الذي بنصوصه المثقلة بالعبارات القطعية يحرم "حماس" فرصة المناورة السياسية.


جاء الربيع العربي عام 2011، حمل تنظيمَ الإخوان إلى الرئاسة في مصر. استطاعت القوى المضادة إسقاطه. كان البديل قاسياً على الجارة غزة. نظام مبارك كان يكتفي بتسجيل أعداد الأنفاق، ويحصي وزيره عمر سليمان كمية السلع المحدودة التي تدخل غزة فلا تموت جوعاً ولا تشبع، وكانت السياسة إحدى أدواته.


جاء بعد مبارك بعامين نظام لا يرى السياسة إلاّ من فوهة المدفع، فكيف إذا كان التنظيم المنتخب على رأس السلطة في "الجارة المتمرّدة" يُعرّف عن نفسه بأنه جناح من أجنحة الإخوان المسلمين، وذلك في ميثاق كُتب منذ زمن. وفي هذا الوقت كانت دول عربية، على رأسها مصر والسعودية، تضع الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب، وتعتقل رموزاً حمساوية معروفة. وهنا اتجهت الأنظار مجدداً إلى الميثاق، وتوافقت الآراء أكثر داخل قيادة حماس على ضرورة تعديله. 


بدأت "حماس" مناقشة أفكار وثيقة سياسية تكون بديلاً من الميثاق، من دون أن تتنكر له بشكل علني، في الوقت الذي كانت تخوض فيه انتخاباتها على أسس جديدة تقوم على منع التجديد لأكثر من مرتين في العديد من المواقع الرئيسية في الحركة. المخاطر بدأت تزداد مع اعتراف الوزير الإسرائيلي أيوب قرا بأنه ناقش فكرة خطة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بإقامة دولة فلسطينية في سيناء وقطاع غزة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وانتشرت التفاصيل عن تسوية شاملة فيها تنازلات جديدة، وكلها تشير إلى ضرورة التخلص من "حماس".


انتهت اللجنة المكلفة بكتابة الوثيقة السياسية من إعدادها منذ أشهر قليلة، وفق ما يؤكّد مصدر مطّلع في حماس لـ"المدن"، لكن نقاشاتها في كل الساحات استغرق بعض الوقت. ويقول الكاتب العالمي الذي نقلها إلى اللغة الإنكليزية، إنها، أي الوثيقة، "العهد الجديد" الذي يمكن من خلاله تجاوز أخطاء "العهد القديم"، أي الميثاق. فهل ستؤمّن الوثيقة هامشاً أوسع للتحرك لحماس فلسطينياً وعربياً ودولياً؟ وهل قدّمت الوثيقة جديداً بالفعل؟ وكيف ستكون العلاقة مع الإخوان المسلمين في المستقبل؟ 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها