السبت 2017/01/14

آخر تحديث: 09:39 (بيروت)

الفصائل السورية: من مشاريع الاندماج إلى غزل "العمل الجبهوي"

السبت 2017/01/14
الفصائل السورية: من مشاريع الاندماج إلى غزل "العمل الجبهوي"
توصل الفريقان المتنافسان داخل "أحرار الشام" إلى توافق شبه كامل على جميع الملفات الخلافية (سمارت)
increase حجم الخط decrease
لم تحمل المآلات التي انتهت إليها مساعي ومبادرات التوحد والإندماج الأخيرة، بين فصائل المعارضة العسكرية السورية، أي مفاجآت، في ظل ما يبدو اقتناع كل طرف بما لديه. وترافق ذلك مع انخفاض حدة الاستقطاب ووتيرة الحرب الدعائية التي بلغت ذروتها خلال الأسابيع الماضية، بين الفريقين الرئيسيين اللذين انقسمت بينهما الساحة مؤخراً؛ التيار الثوري والتيار الجهادي.

ويأتي ذلك على الرغم من اتفاق عدد من الفصائل على إطلاق مشروع تشكيل جبهة عمل سياسي وعسكري موحدة تغيب عنها "جبهة فتح الشام"، وتمكن المشروع من تجاوز لغم تسريب خبر التوقيع عليه، بل وأكثر من ذلك، بدا المشروع وكأنه يمثل مخرجاً مناسباً للجميع، خاصة مع اشتراك قوى من الجيش الحر وفصائل إسلامية معتبرة، وعلى رأسها حركة "أحرار الشام الإسلامية". ولا أدل على ذلك ربما، من التصريحات التي أدلى بها، الثلاثاء، الداعية السعودي المقرب من "جبهة فتح الشام" عبدالله المحيسني، واعتبر فيها "أن العمل الجبهوي هو الحل الأفضل اليوم مع عدم امكانية التوحد والإندماج بين الفصائل"، وذلك بعد ثلاثة أيام فقط على انتشار خبر إطلاق مشروع "مجلس قيادة قوات تحرير سوريا".

المحيسني، في تدوينة له بعنوان: "واقعية لا مثالية"، قال: "إذا لم نوفق في الاندماج فلا أقل من السعي لما دون ذلك، وما لا يُدرَك كله لا يُترَك جله"، مؤكداً أنه وإن كان قد عارض من قبل فكرة تشكيل جبهات، وألح على أن مسألة التوحد هي الحل لمشاكل الساحة، إلا أنه ومع عدم تحقق هذا التوحد، فالعمل الجبهوي يكون الخيار الأفضل. ومضى المحيسني أبعد من ذلك، حين حذر من الإقتتال وشرعنة هجوم فصائل على أخرى تحت مسمى "التغلب"، في دفع صريح منه على مايبدو للاتهام الذي وجه إليه مع عدد من الشرعيين الذين وقعوا قبل فترة قصيرة على فتوى تفرض تطبيق مشروع الاندماج بين كل من "أحرار الشام" و"جبهة فتح الشام" و"حركة نور الدين زنكي" وفصائل أخرى من التيار الجهادي. ووُصِفت تلك الفتوى وعلى نطاق واسع بأنها تفتح الباب أمام شرعنة التغلب.

المحيسني رأى في تدوينته الأخيرة التي نشرها في قناته في "تليغرام": "التغلب بحر من الدماء، ولا يعني وقوع ذلك تاريخيّاً جوازه شرعاً"، معتبراً أنه لا خير في اندماج يقوم على بحر من دم، وأن أمثلة طالبان وغيرها لا تصح على الواقع في سوريا "لأن في تلك الحوادث بلغ فساد حاملي السلاح إلى حد وصفهم بقطاع طرق لا مجاهدين". تصريحات تغلب عليها كما يبدو لهجة التهدئة والتصالح، مع الذات والواقع، قبل التصالح مع الآخرين، بعدما طغت على تصريحات المحيسني الأخيرة لهجة التصعيد ضد "حركة أحرار الشام الإسلامية" والفصائل الثورية الأخرى، التي حمّلها الداعية السعودي سابقاً المسؤولية عن فشل مشروع الاندماج مع "جبهة فتح الشام".

وكانت مناظرة غير مباشرة بين المحيسني وبين القيادي في حركة "أحرار الشام" حسام سلامة، قد ركزت على تفنيد اتهامات المحيسني وناشطي التيار الذي يمثله. مناظرة كانت تقريباً نهاية منازلة إعلامية طويلة بين الطرفين، اللذيَّن سعى كل منهما وبشدة للفوز بـ"حركة أحرار الشام" في مشروعي اندماج أطلقاها ولم يكتب لهما التمام.

موقع إخباري مقرب من أحد الفصائل الموقعة على إطلاق مشروع "مجلس قيادة قوات تحرير سوريا"، كان قد قال: "وكانت فصائل ثورية عديدة أطلقت في الثالث من هذا الشهر، مبادرة لتقريب وجهات النظر بين المكاتب العسكرية والسياسية، كخطوة أولى لتشكيل جسم شامل يوحد جهود الفصائل العاملة على الساحة السورية". وبدا هذا وكأنه سعي من جانب هذه الفصائل لعدم التعامل مع المشروع الجديد، على أنه مشروع اندماج ناجز، دفعاً للحرج الذي قد يصيب هذه الفصائل، وفي مقدمتها حركة "أحرار الشام" أمام التيار السلفي الجهادي، الذي لم يتغاض ناشطوه رغم ذلك عن هذه الخطوة، ووجهوا انتقادات للحركة بسببها، معتبرين أنها اختارت الفصائل الأخرى على "جبهة فتح الشام".

ورداً على ذلك، أكد ممثل "أحرار الشام" في التوقيع على ورقة الاتفاق إياد الشعار، أن هذا المشروع مبدئي، هدفه تشكيل جبهة عمل سياسي موحد، كما أنه مفتوح للجميع ولا يتجاهل أحداً. وفي حسابه في "تويتر" أضاف الشعار: ‏"هذه ‏الورقة عبارة عن مسودة اتفاق من أجل تشكيل عمل جبهوي سيعرض على جميع الفصائل، ‏وكان الإتفاق ألا يتم الإعلان عنها ‏‏إلا بعد الإنتهاء من العمل كاملاً، بحيث يصبح جاهزاً خلال مدة 3 أشهر". ‏وتابع الشعار: "الإتفاق يقضي بتشكيل لجنة تعمل على اجتماع قيادات الفصائل ‏‏للعمل على تمثيل سياسي واحد، وغرفة عمليات عسكرية مشتركة، وتم تشكيل لجنة تبدأ التواصل مع القيادات، وعلى هذا الأساس فالورقة ليست اندماجاً ولكن خطوة أولى ‏لمواجهة التحديات المستعجلة للساحة، ‏ولاسيما السياسية منها، ‏ومن سربها أراد التشويش والعمل على ‏إفشالها".

والحق، وبعيداً عن تأويلات هذا التوضيح الصادر عن الشعار، والرسالة التي أراد توجيهها، إلا أن التشويش على المشروع يبدو أنه كان بالفعل أحد أهداف تسريب هذه الورقة، خاصة مع إطلاق اشاعات عديدة حوله، مثل أن الشعار وقع عليها من دون تفويض من قيادة "أحرار الشام" أو علمها، وكذلك إشاعة أن قيادة "جيش الإسلام" أعلنت هي الأخرى عدم الاعتراف بتوقيع ممثل الجيش عليها.

وإذا كانت الاشاعات عن موقف "جيش الاسلام" من الورقة محكومة بالموت في مهدها، بسبب عدم توفر أرضية مناسبة لتداولها، إذ لم يسبق أن سجل أي خلاف علني سابق داخل قيادة الجيش، فإن الانقسام الذي عاشته "أحرار الشام" طيلة الفترة الماضية، وفر للإشاعة التي تحدثت عن موقف قيادة الحركة من المشروع الجديد، فرصاً أفضل للتداول، ووقتاً أطول للعيش، وإن لم يكن بالمستوى الذي أراده مطلقو هذه الاشاعات.

فقد كان لافتاً تجاوز هذا اللغط سريعاً، مع إهمال الحديث عنه من قبل مسؤولي الحركة ومؤيديها، وهو تطور يؤكد على ما يبدو المعلومات التي تحدثت عن توصل الفريقين المتنافسين داخل "أحرار الشام" إلى توافق شبه كامل على جميع الملفات الخلافية، وعودة الوئام إلى الحركة من جديد.

لكن إذا كان رأب صدع الحركة سينعكس إيجاباً على مشروع "مجلس قيادة قوات تحرير سوريا" المنتظر، فإن ما يجعل تفاؤل الرأي العام المؤيد للثورة ضعيفاً حيال هذا المشروع، هو التصريحات غير المحفزة التي صدرت من مسؤولي بعض الفصائل الموقعة على مسودة الاتفاق عقب الكشف عنها، ومنها تصريحات إياد الشعار المشار إليها أعلاه.

لكن عضو "المكتب السياسي" في "تجمع فاستقم كما أمرت" زكريا ملاحفجي، أحد الفصائل الموقعة على المشروع، أكد لـ"المدن"، أن هذا الاتفاق سيمثل تحولاً إيجابياً كبيراً بالنسبة للثورة السورية، وأن التقليل من أهميته جاء بسبب الكشف عنه في مرحلة مبكرة من العمل عليه. وأضاف ملاحفجي: "فكرة المشروع مهمة جداً وتتضمن مقومات نجاح كبيرة في حال تطبيقها، خاصة وأن روسيا وحلفاء النظام قد تجاوزوا كل التشكيلات السياسية المعارضة الموجودة، واتجهوا مباشرة للتفاوض مع القوى العسكرية، وبالتالي كان لا بد من توحيد الرؤية السياسية لهذه الفصائل بما يؤسس للاندماج الشامل بينها".

ملاحفجي أشار إلى أن هذا المشروع يشبه بالفعل مشروع "مجلس قيادة الثورة السورية" الذي سبق وأن تم طرحه قبل أكثر من عامين من دون أن يكتب له النجاح. إلا أن ما يميز "مجلس قيادة قوات تحرير سوريا"، حسب ملاحفجي، أنه "يتجاوز العمل التشاوري والصيغة التجميعية التمثيلية التي كان يطرحها المشروع الأول، إلى صيغة الاندماج والتوحد الكامل التي يقوم عليها المشروع الحالي، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وإدارياً".

لكن ورغم ذلك، فإن الاستقبال الإعلامي والشعبي لمشروع تشكيل "مجلس قيادة قوات تحرير سوريا" لم يكن بالزخم الذي اعتاد أن يكون حاضراً عند الحديث عن أي مشاريع مشابهة، وهو أمر يمكن أن يعزى إلى أن الجمهور المؤيد للثورة، والمتعطش وبشدة لأي خبر على هذا الصعيد، فقد الثقة بمثل هذه الأخبار، بعد الخيبات المتكررة التي مني بها مع فشل جميع مشاريع التوحد والاندماج السابقة، الأمر الذي يضع القائمين على المبادرة الأخيرة على المحك.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها