الثلاثاء 2016/04/05

آخر تحديث: 14:24 (بيروت)

التعيينات اليمنية على أبواب جولة جديدة من المفاوضات السياسية

الثلاثاء 2016/04/05
التعيينات اليمنية على أبواب جولة جديدة من المفاوضات السياسية
القرار، من الناحية العملية، جاء بمثابة مراجعة لفكرة الاستعانة بالتكنوقراط لإدارة شؤون البلاد (واس)
increase حجم الخط decrease
في الوقت الذي تجري فيه الاستعدادات لإطلاق مفاوضات الكويت التي تجمع أطراف الصراع اليمني في 18 نيسان/ أبريل الجاري، بهدف التوصّل إلى اتفاقٍ سياسي يضع حداً للأزمة التي تشهدها البلاد منذ أكثر من خمسة أعوام وأدت إلى تدخلٍ عسكري إقليمي لإجهاض محاولات الحوثيين الاستيلاء على السلطة، أصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي جملةَ مراسيم رئاسية أقال بموجبها نائبه ورئيس حكومته خالد بحاح، وعيّن كلاً من الفريق علي محسن الأحمر نائباً للرئيس، وأحمد عبيد بن دغر رئيساً للحكومة.


إقالة بحاح
على الرغم من خروج الخلاف الذي طبع علاقة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بنائبه ورئيس حكومته المقال خالد بحاح إلى العلن في الشهور الأخيرة، فإنّ قرار الإقالة حمل معانٍ ذات دلالاتٍ متعددةٍ، سواء من حيث التوقيت أو حجم التغيير. وكان هادي قد عيّن بحاح نائباً له بعد ثلاثة أسابيع من إطلاق عملية "عاصفة الحزم" في 26 آذار/ مارس 2015، وجاء قراره نتيجة ضغوطٍ داخلية وإقليمية، كانت ترى ضرورة عدم حصول فراغٍ في السلطة في حال شغور منصب الرئيس لأي سبب. وكان يُنظر إلى قرار تعيين بحاح، الذي سُمِّي رئيساً للحكومة بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014، باعتباره إدارياً وصاحب خبرة وتجربة، ويمكن أن يساعد في تحسين أداء سلطة الشرعية بعد الانتقادات الشديدة التي وُجّهت إلى هادي أثناء توليه منصب الرئيس المؤقت بعد توقيع المبادرة الخليجية عام 2011. فقد ساهم عجز هادي عن تفكيك شبكة ولاءات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبخاصة داخل المؤسسة العسكرية، في تشجيع تحالف الحوثيين - صالح للانقلاب على العملية السياسية ومحاولة السيطرة على كامل اليمن بقوة السلاح ابتداءً بمنطقة دماج في محافظة صعدة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، ثم عمران في تموز/ يوليو 2014، وصنعاء في أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، ثمّ محاولة الاستيلاء على المحافظات الجنوبية ابتداءً من كانون الثاني/ يناير 2015، بعد أن تمكن الرئيس هادي من الهرب من مقر إقامته الجبرية في صنعاء إلى عدن التي أعلنها عاصمةً مؤقتة.


وكان لافتاً أنّ قرار الرئيس هادي حمل طابع الإدانة لنائبه المُقال، وجاء بمنزلة إقرارٍ بالفشل في التعاطي مع الأوضاع الاقتصادية والإنسانية والأمنية التي تفاقمت نتيجة طول مدة الحرب، وعدم قدرة الدولة على إعادة بسط سلطتها وفرض الأمن في المناطق المحررة خاصة في الجنوب حيث تنامى نفوذ القاعدة وغيرها من التنظيمات الجهادية المتشددة، وبلغ الأمر حدّ السيطرة على موانئ كبرى، مثل ميناء المكلا، وهو أهم موانئ حضرموت على بحر العرب. لقد تدهورت الأوضاع الاقتصادية والإنسانية بصورة كبيرة، فقد أشارت تقارير الأمم المتحدة الى أنّ أكثر من 80 في المئة من سكان اليمن بحاجة إلى مساعدات غذائية، وأنّ نحو نصف الشعب اليمني يقف على حافة المجاعة. وقد فاقم الحصار الذي فرضه الحوثيون على عددٍ من المناطق، خاصة في تعز، صعوبة الوضع الإنساني والإغاثي؛ وذلك لدفع المجتمع الدولي للضغط على دول التحالف العربي لوقف الحملة الجوية ومنعها من تحقيق أهدافها. وقد أكد قرار الرئيس هادي كل هذه العوامل في تعليله إقالة بحاح، والذي جاء، كما قال، نتيجة "تعثر الأداء الحكومي في تخفيف معاناة أبناء شعبنا وحلحلة مشكلاته وتوفير احتياجاته، خصوصاً دمج المقاومة وعلاج الجرحى ورعاية الشهداء ولعدم توافر الإدارة الحكومية الرشيدة للدعم اللامحدود الذي قدمه الأشقاء في التحالف العربي ... ولتحقيق ما يصبو إليه شعبنا من استعادة الدولة واستتباب الأمن والاستقرار وللمصلحة الوطنية العليا للبلاد".


ومن الواضح أنّ القرار، من الناحية العملية، جاء بمثابة مراجعة لفكرة الاستعانة بالتكنوقراط عموماً في إدارة شؤون البلاد في الظروف الحالية. فاليمن يحتاج في ظل مرحلة الحرب والمفاوضات إلى قيادة سياسية ذات قواعد شعبية في الشمال والجنوب. وقد جاء قرار الإقالة كأنّه محاولة للتعاطي مع مرحلة جديدة تتطلب قيادة سياسية وحكومية أكثر انسجاماً وأشد تماسكاً، وتتمتّع بقاعدة دعم شعبي وقبلي ومناطقي وحزبي أكبر، وبخاصة إذا أخذنا في الاعتبار حالة التنافر التي طبعت العلاقة بين هادي وبحاح، وبوصف الرجلين لا يتمتعان بقاعدة دعم معتبرة حتى في المناطق التي ينتميان إليها (هادي في الجنوب وبحاح في حضرموت). ولذلك، كان لا بدّ من هذا التغيير، وبخاصة في ظل تصاعد حديث قيادة التحالف العربي عن انتهاء العمليات العسكرية الكبرى في اليمن والاستعداد للانتقال نحو تسوية سياسية تنطلق مشاوراتها في الكويت في 18 نيسان/ أبريل الجاري بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في العاشر من الشهر نفسه، وذلك بموجب الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة وأعلنه موفدها الخاص إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ. وقد أكدت السعودية مؤخراً المعلومات التي تتحدث عن مفاوضات تجري مع وفدٍ حوثي في الرياض أسفرت نتائجها الأولية عن تهدئة على الحدود اليمنية - السعودية وتبادل أسرى مع الحوثيين. ومع أنّ قرار إقالة بحاح جاء في هذا السياق، ويعد إشارة إلى مرحلة جديدة يتنقّل فيها الصراع بين الميدان وطاولة المفاوضات، فإنّ التعيينات التي أعقبته كانت تهدف إلى توجيه رسائل أخرى.


نيابة الأحمر: رسالة للحوثيين
الفريق علي محسن الأحمر نموذج العسكري المحترف؛ إذ قضى نحو أربعين عاماً في خدمة المؤسسة العسكرية، وكان الضابط الأرفع فيها حتى خروجه من اليمن بعد سقوط صنعاء بيد الحوثيين في أيلول/ سبتمبر 2014. وبناءً عليه، يمتلك الأحمر احتراماً بين القيادات العسكرية اليمنية غير الموالية لصالح على الأقل، ولديه شبكة علاقات قوية داخل الجيش. ولمّا كان الأحمر ينحدر من منطقة سنحان، وهي منطقة صالح، ويتمتع بشبكة علاقات قبلية قوية فيها، فإنّ قرار تعيينه سيجعل له ثقلاً لدى ضباط الجيش القريبين من الرئيس السابق ممن أيّدوا الانقلاب أيضاً. وفي حال قرّر هؤلاء العودة إلى الشرعية، فلديهم اليوم عنوانٌ واضحٌ ممثلٌ بالفريق الأحمر، الذي أصبح نائباً للرئيس فضلاً عن كونه نائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة.


من جهة أخرى، يعدّ تعيين الفريق الأحمر سواء بصفته العسكرية أو صفته السياسية الجديدة كنائبٍ للرئيس بمنزلة رسالةٍ قويةٍ للحوثيين؛ إذ يعدّ من أشدّ خصومهم حضوراً في المشهد السياسي اليمني، وكان بصفته قائداً للفرقة الأولى مدرع المتمركزة في محيط العاصمة صنعاء حتى أيلول/ سبتمبر 2014، خصماً تاريخياً لهم، فقد شارك في الحروب الست جميعها التي خاضتها الحكومة اليمينة ضد التمرد الحوثي منذ عام 2004.


وجاء تعيينه رسالةً للحوثيين؛ ففشل مفاوضات السلام يعني استمرار الحرب حتى اعترافهم بالشرعية وتطبيق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216 الذي يطالبهم بتسليم السلاح والانسحاب من المدن والعودة إلى طاولة الحوار. وبالفعل، فقد قرأ الحوثيون تعيين الأحمر في منصب نائب الرئيس بوصفه إشارة تشدّدٍ من جانب الرئيس هادي وقيادة التحالف العربي، ووصفها أحد السياسيين القريبين منهم بأنها تقطع الطريق على الحوار والتفاهمات المنتظر انطلاقها في الكويت.


أخيراً، يتمتع الأحمر بعلاقات قوية مع كثيرٍ من الجماعات والأحزاب اليمنية بما فيها حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يعد خصماً سياسياً وأيديولوجياً كبيراً لتحالف الحوثيين - صالح، كما أنّ عداءه المطلق للرئيس السابق علي عبد الله صالح يؤكد استثناء الأخير من أي تسوية سياسية.

بن دغر: إعادة التوازن
ويعدّ التعيين الآخر، المتمثل بتسمية أحمد عبيد بن دغر رئيساً للحكومة، ذا دلالةٍ أيضاً؛ فهو أرفع شخصية انشقت عن الرئيس السابق علي عبد الله صالح، في السنة الماضية، وكان يشغل منصب النائب الأول لصالح في حزب المؤتمر الشعبي العام. وقد جاء تعيينه بعد أن جرى طرد هادي من هذا المنصب في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 رداً على قرار حظر السفر وتجميد الأصول التي فرضها مجلس الأمن على صالح واثنين آخرين من قادة الحوثيين. وبعد انطلاق "عاصفة الحزم"، التحق بن داغر بقيادة هادي في العاصمة السعودية الرياض.


وينحدر بن دغر من حضرموت، وهي المحافظة التي يتحدّر منها أيضاً سلفه خالد بحاح، ويحظى بدعم كبير فيها. وجاء تعيينه في منصب رئاسة الحكومة بعد ساعات قليلة من إعلان حزب المؤتمر الذي يترأسه صالح فصل القيادات المنشقة عنه المؤيدة للتحالف، وكان من بينهم بن دغر، الذي أقيل من الحزب في اليوم الذي صدر فيه قرار تعيينه رئيساً للحكومة، وذلك في ردٍ فوري على الخطوة التي اتخذها جناح صالح، وبما يقوّي موقعه في الجناح المنشق عن الحزب ويجعل فريقه ممثلاً رسمياً للحزب في الحكومة. ويفيد ذلك أيضاً في زيادة قدرته على جذب عدد أكبر من أعضاء حزب المؤتمر وفي عزل صالح وأنصاره.


وتأتي هذه التعيينات أيضاً كمحاولةٍ لتحقيق نوع من التوازن في قيادة الدولة، فقد تمّ تعيين الفريق الأحمر الذي ينحدر من الشمال في منصب نائب الرئيس، وتعيين بن دغر الذي ينتمي إلى الجنوب في منصب رئيس الحكومة؛ ما يعني تحقيق أوسع مشاركة ممكنة، وتوسيع قاعدة الدعم التي تتمتع بها قيادة هادي، وتطويق كل دعوات الانفصال وادعاء التهميش والإقصاء في مرحلة حرجة من تاريخ البلاد.


خاتمة
مع اكتمال الاستعدادات لإعلان وقف إطلاق النار، وانطلاق جولة جديدة من المفاوضات في الكويت، جاءت تعيينات الرئيس هادي بمنزلة رسالةٍ تحمل معنيين؛ بأنّ حكومته مستعدة للتسوية، وهي مستعدة أيضاً لاستمرار الحرب في حال فشل جهد السلام، وهو احتمال قائم بشدة في ظل تعنّت الحوثيين وتمسّك الرئيس السابق بأمل العودة لتأدية دورٍ سياسي على الرغم من الدمار الذي ألحقته سياساته باليمن. ويتطلب الاستعداد لكل الاحتمالات قيادةً مدنيةً وعسكريةً أكثر انسجاماً وأكثر تمثيلاً وذات قدرة أكبر على بناء التحالفات؛ وهو ما حاولت تعيينات هادي أن تحققه دفعةً واحدة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها