السبت 2015/03/28

آخر تحديث: 15:33 (بيروت)

أفكار من وحي "عاصفة الحزم"

السبت 2015/03/28
أفكار من وحي "عاصفة الحزم"
عليهم الاختيار بين أن يكونوا إيرانيين أو عرباً شيعة (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
بخلاف التدخل السعودي في البحرين لقمع الانتفاضة الشعبية الشيعية فيها، في العام 2011، حازت عملية "عاصفة الحزم" التي بدأت قبل أيام، على ما يشبه الإجماع "العربي-السني" مقابل معارضة "إيرانية–شيعية" عبر الاقليم. وتختلف العملية الراهنة عن سابقتها في نقطة أخرى هي أنها تهدف إلى تثبيت شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، المنبثقة عن الثورة الشعبية اليمنية ضد الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، في حين كان هدف التدخل السابق هو تثبيت الستاتيكو البحريني في مواجهة انتفاضة شعبية في إطار الربيع العربي.

غير أن هذه الفوارق تتراجع إلى الخلف بالنظر إلى شيعية "الثورتين" البحرينية والحوثية المدعومتين من إيران، وكونهما امتداداً لنفوذها داخل المجال الحيوي لأمن الخليج.

أما من حيث "شرعية" التدخل العسكري من عدمها، وقلما يُكتَرَث بها في عالم تناطح القوى، فالسابق يتفوق على الحالي من حيث اندراجه ضمن "الأمن الداخلي" للمنظومة الخليجية. في حين أن "تحالف الراغبين العشري"، كما بات يسمى، احتاج إلى مباركات كثيرة لتحصيل شيء من الشرعية. ذلك أن التذرع بطلب الرئيس هادي التدخل لم يبدُ مقنعاً وحده، وهو الرئيس المغلوب على أمره الذي تمردت عليه معظم وحدات الجيش ولا يتمتع بوزن ذي شأن في المعادلات الداخلية في اليمن.

هنا بالذات مكمن "معالجة الخطأ بخطأ إضافي" الذي يمكن وصف العملية العسكرية الراهنة به. فالخطأ السابق هو ترك الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، بمنأى عن المحاسبة في الصفقة التي أبعدته عن سدة الرئاسة ولم تقض على نفوذه العشائري داخل القوات المسلحة اليمنية. والخطأ السابق الثاني هو في ترك الحوثيين يستولون على صنعاء بالقوة العارية. فصنعاء هي العاصمة التي كان يجب الدفاع عنها، ربما من دون الحاجة إلى تدخل عسكري مباشر، بدلاً من تركها للحوثيين و"الفلول" الذين تمادوا حين لم يجدوا من يردعهم فزحفوا نحو عدن.

أما "الخطأ الإضافي" الذي وقع اضطرارياً أمام الخطر الإيراني الداهم، فهو أن هذا النوع من التدخل "بناءً على طلب النجدة" من رئيس دولة عربية، يشكل سابقة خطيرة لنجدة أي دكتاتور آيل للسقوط في زمن ثورات الشعوب التواقة للحرية، وخصوصاً أن عملية عاصفة الحزم جاءت بصورة متزامنة مع اقتراح نظام السيسي الانقلابي تشكيل قوة تدخل عربية لمواجهة "الإرهاب" أمام القمة العربية المنعقدة في شرم الشيخ. فالسؤال عمن يعرِّف الإرهاب مشروع جداً بالنظر إلى تجريم الانقلابيين في مصر لجماعة الإخوان المسلمين بوصفهم منظمة إرهابية، الأمر الذي دفع أقساماً منها للجوء إلى الإرهاب، فعلاً، كما أراد لهم الحكم الانقلابي.

وماذا عن سفاح دمشق الكيماوي بشار الأسد، الذي يتهم كل معارضيه بـ"الإرهاب"، ليس فقط المجموعات المسلحة المنضوية في إطار الجيش الحر، بل كذلك أي معارضين سلميين لم يمسكوا في حياتهم بأي سلاح، بمن في ذلك أولئك الموصوفون بـ"المعارضة الوطنية الداخلية" المرضي عنها روسياً وإيرانياً كعبد العزيز الخيّر ورجاء الناصر ولؤي حسين. هذا إذا لم نذكر ضحايا براميله المتفجرة من المدنيين في مختلف المدن والبلدات السورية.

لكن عملية عاصفة الحزم تنطوي، برغم التحفظات السابقة، على إيجابيات تتفوق على سلبياتها. فهي أول فعل عربي مبادر أمام غطرسة القوة الامبراطورية لإيران، بعدما أخذ قادتها يتبجحون بتطويع أربع عواصم عربية وينادون ببغداد عاصمةً لامبراطوريتهم. كان من شأن الاستمرار في الصمت أمام هذا التمدد المتبجح أن يغري طهران بالمزيد، وخاصةً في ظل تهافت إدارة أوباما على أعتاب ولي الفقيه طلباً لوده، وغضها النظر عن التخريب الإيراني الممنهج في النسيج المجتمعي للدول العربية مقابل الصفقة النووية المأمولة بأي ثمن.

ومنذ ضرباتها الجوية الأولى، كشفت عاصفة الحزم محدودية ما يمكن أن تقوم به طهران دفاعاً عن أتباعها المحليين. وكما سبق لها وتخلت عن رجلها في بغداد نوري المالكي نزولاً عند طلب واشنطن، من المحتمل أنها ستترك تابعها الحوثي لمصيره أمام الحزم السعودي. فها هي طهران تكتفي باعتبار التدخل السعودي متعارضاً مع القانون الدولي وتدعو إلى العودة إلى طاولة الحوار والحل السلمي في اليمن. هذا بحد ذاته يعتبر تحقيقاً لهدف العملية العسكرية للتحالف العشري. نعم، طاولة حوار تحت مظلة المبادرة الخليجية، بعيداً عن فرض الحوثيين وفلول صالح المتحالفين معهم لأمر واقع بقوة السلاح.

الامتدادات الإيرانية الأخرى داخل الجسم العربي، إذا صح التعبير، ينطبق عليها ما ينطبق على الحوثيين في اليمن. من "حزب الله" في لبنان إلى نظام بشار الكيماوي في دمشق إلى الشيعية السياسية–الميليشياوية في العراق، وصولاً إلى المعارضة البحرينية الشيعية. الحزم السعودي–الخليجي يضعها أمام منعطف مصيري لتحديد انتماءاتها: فإما الاستمرار في لعب دور مخلب القط الإيراني داخل المجتمعات العربية، أو تحولها إلى جزء من هذا النسيج والدخول في اللعبة السياسية الداخلية في الإطار الوطني. أو بكلمات صادمة أكثر: عليهم الاختيار بين أن يكونوا إيرانيين أو عرباً شيعة. لا يستقيم استئثار حسن نصر الله بالحكومة اللبنانية مع تبجحه بالولاء لولي الفقيه الإيراني، ومشاركته في ذبح السوريين باسم "مقاومة إسرائيل" معاً.

الجديد الذي كشفت عنه عاصفة الحزم، سياسياً، هو طي صفحة الخلاف السعودي–القطري، والسعودي–التركي، بصورة عملية. وأن تتمكن القيادة السعودية الجديدة من جمع مشاركة نظام السيسي وتأييد أردوغان العلني معاً، فهذا ليس بالقليل، فضلاً عن حصولها على تأييد الإدارة الأميركية الغارقة في عشقها الإيراني. كل هذا يبشر بسياسة سعودية جديدة، تأخرت كثيراً، في مواجهة الخطر الإيراني.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها