الثلاثاء 2013/05/21

آخر تحديث: 08:10 (بيروت)

القصير: نقطة تحول؟

الثلاثاء 2013/05/21
القصير: نقطة تحول؟
جندي نظامي في القصير (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
 يبدو ألاّ سبيل إلى الاطمئنان كثيراً حيال ما يجري في مدينة القصير اليوم (35 كم غرب حمص). عشرون ألف مدني هم من تبقى، بعد النزوح، من أبناء المدينة ذات الخمسة وأربعين ألف نسمة، والمحاصرة، منذ أشهر، شمالاً وشرقاً من قبل ميليشيات النظام وجنوباً وغرباً من قبل عناصر حزب الله. ومن بين هؤلاء العشرين ألف يتطوّع شبان للقتال، يشكّلون مقاومة شعبيّة في سبيل الدفاع عن المدينة وفي سبيل اتقاء المجزرة التي ستلمع فيها سكاكين "الانتصار لدم الحسين" بالطبع.
 
ليس هذا فقط، بل يمكن القول، دون مبالغة، أنّ "شباب المقاومة" في القصير يدفعون عن الثوّرة السوريّة احتمال تعرّضها لانتكاسة كبيرة قد تمّهد، في حال تضافرت عوامل أخرى، لتحويل سوريا إلى مسلخ بشري حقيقي بقيادة الأسد... ومن خلفه العالم. 

لا سبيل إلى المقارنة أو الاتكاء على ما قيل بشأن معركة حصار واقتحام حي بابا عمر الحمصي واحتلاله من قبل قوّات الطاغيّة، أو غيرها من المعارك البارزة في المسار الطويل للثوّرة السوريّة (معركة الخالديّة في حمص ـ داريّا في ريف دمشق ـ حلب....). 

معركة القصير، اليوم، شأنٌ آخر وسياق آخر؛ ومآلات أخرى! 

حينما حوصر الحي الحمصي، لأشهر طويلة، ومع بداية نشوب المعارك بين القوّات النظاميّة والكتائب المسلحة، كان من الممكن القول أنّ معركة بابا عمر ليست مصيريّة ولا ينبغي التعامل معها والنظر إليها باعتبارها كذلك. فهي، وبالرغم من أهمّيتها، كانت جولة أخرى من جولات القتال ضد نظام الأسد. لم تكن نهاية الصراع. 

كان السياق العام للثوّرة، محليّاً ودوليّاً، يمنح هذا التقدير منطقاً واتساقاً. حينها، كان النظام يعيش في أوهام ما  دعاه "الحسم العسكري". وفي الأثناء، كانت التظاهرات السلميّة، المحميّة ببنادق الجيش الحر، مستمرة في حمص وكافة القرى والبلدات والمدن السوريّة المنتفضة.

أمّا اليوم، فثمّة "جبهة نصرة" وبالتالي ثمّة حديث غربي ممجوج عن "إرهاب أصولي" يغطي على الإرهاب الأسدي: مالئ الدنيا وقاتل جميع الناس. لكنّ الأهم، وعلى ضفة الثوّرة، يوجد اليوم هيئات شرعيّة وكتائب مسلحة تتفرغ لجلد أب زوّج ابنته قبل انتهاء مدة عدّتها، وتتجاهل معركة، مصيريّة ربما، في القصير. واليوم لدينا "أبو صقار" الذي يأكل قطعة من قلب جندي في الجيش النظامي لتتلقف وسائل الإعلام الغربيّة البارزة الحدث وتطرح سؤالها الخاطئ والإشكالي في آن: هؤلاء من يطلبون دعمنا، فهل يستحقونه؟!

لم تجر معركة بابا عمر على خلفيّة توافق دولي حول ما يسمى "الحل السياسي للأزمة في سوريا" كما يحدث اليوم. كان النظام يستمر بمسرحياته الهزليّة التي لم يكن يصدقها هو نفسه حول الحوار تحت سقف الوطن ويجتر حديث الإصلاحات. قام النظام بإحكام السيطرة على حي بابا عمر حينما كان أوباما يردّد لازمته  المعهودة: أيام الأسد باتت معدودة، والتي لم تعد تُسمع كثيرا. بمعنى آخر، تمّت السيطرة على الحي بتغطيّة نسبية من قبل من باتوا يُسمون "أصدقاء الشعب السوري"، وبتغطيّة كاملة، وبمشاركة ميدانيّة ربما، من قبل حلفاء النظام: روسيا وإيران. 

لا يمكن الفصل بين شروع النظام الطائفي في عمليات "التطهير المذهبي " داخل حدود الدويلة العلويّة المفترضة  (مجزرة البيضا في بانياس) عن المعركة الدائرة في القصير اليوم. ولا يمكن اعتبار صمت وتجاهل المجتمع الدولي لحصار القصير المستمر منذ أشهر والشروع في اقتحامها لارتكاب مجازر "تطهير مذهبي" أخرى، بمشاركة من عناصر حزب الله؛ المنظمة الإرهابيّة بحسب العديد من الدول المعنيّة بالشأن السوري، إلاّ باعتباره جزءاً من "الحل"... السياسي طبعاً! 

ربما كان حصار القصير، قصفها، واقتحامها المحتمل في ما بعد، ليس سوى المرحلة الأولى من ذلك "الحل"!
 
أيّاً تكن المسألة، وأيّاً تكن نتيجة المعركة القائمة في القصير، لا يمكن لكل ما سبق أن يشكّل تصوّراً متشائماً عن مصير الثوّرة السوريّة. والسبب وراء ذلك لا شيء ولا أحد سوى أولئك السوريين الذي يعنون حرفيّاً ما يقولون، وتحديداً قولهم هذا: "الموت ولا المذلّة!".
 
 
 
 
increase حجم الخط decrease