الأربعاء 2024/05/08

آخر تحديث: 11:52 (بيروت)

العرجاني جروب: اختراع القبيلة

الأربعاء 2024/05/08
العرجاني جروب: اختراع القبيلة
رجل الأعمال السيناوي، إبراهيم العرجاني (غيتي)
increase حجم الخط decrease
الصعود السريع لرجل الأعمال السيناوي، إبراهيم العرجاني، على خلفية الحرب في غزة، وبالأخص دور شركات "هلا" و"أبناء سيناء"، المنضوية تحت مظلة "العرجاني جروب"، أثار كثيراً من اللغط في وسائل الإعلام العالمية والمحلية على السواء. التقارير المتتابعة حول بيزنس التنسيقات الأمنية لخروج سكان غزة عبر معبر رفح، واحتكار عمليات نقل المعونات إلى داخل القطاع وتوزيعها، لم يدفع السلطة في مصر إلى التغطية على الطبيعة الاحتكارية لاقتصاد الحرب هذا أو تسويغها. بل على العكس، انطلقت موجة رسمية لتلميع شخصية العرجاني وأفراد أسرته، وتضمين حضوره داخل أطر الأعراف الرسمية.

في الأيام القليلة الماضية، ومع اقتراب العمليات العسكرية من معبر رفح، احتفت وسائل الإعلام المصرية بكيان شرفي شبه مجهول باسم "اتحاد القبائل العربية"، وعاود اسم العرجاني الظهور مرة أخرى بوصفه رئيساً لهذا الاتحاد. وفي الساعات التي سبقت دخول القوات الإسرائيلية للسيطرة على الجانب الفلسطيني لمعبر رفح، أصدر الاتحاد بياناً رسمياً يحذر من اقتحام القطاع ويناشد الأمم المتحدة التدخل. والحال إن تصريحات قيادات الاتحاد، التي وصفته بالظهير الشعبي للقوات المسلحة في سيناء، تحيلنا إلى كيان آخر كان العرجاني واحداً من قياداته، هو "اتحاد قبائل سيناء" والذي ساهم بقسط كبير في القتال ضد التنظيمات الجهادية في سيناء.

في ذلك السياق يبدو العرجاني، تمثيلاً أو واجهة لتقاطعات ثلاثة حقول للسلطة. أولاً، دائرة المصالح الاقتصادية الاحتكارية بوصفه رجل أعمال، وثانياً دائرة بيروقراطية الدولة كونه يتقلد مناصب رسمية من بينها عضوية الجهاز الوطني لتنمية سيناء، وأخيراً دائرة السلطة العرفية بتنصيبه زعيماً قبلياً. والحال أن مقارنة العرجاني واتحاده القبائلي، مع حميدتي وقوات الدعم السريع، أو مع "فاغنر" الروسية، قد تحتوي الكثير من المبالغة المفتقرة إلى فهم السياقات، لكنها تشير بحصافة إلى طور من خصخصة الأمن العابر للحدود والتداخلات الخطرة بين الرسمي وغير الرسمي.

عند تأسيس الدولة المصرية الحديثة، كان على دولة محمد علي تدجين الهياكل القبلية، وبالأخص البدو الرحل والمجموعات المعتادة على التكسب عبر الإغارات الموسمية على وادي النيل وفرض الإتاوات. تم ذلك عبر العنف المفرط ضدها حيناً، وعبر التضمين داخل شبكة المصالح الاقتصادية للدولة ومناصبها الرسمية حيناً آخر. منح الباشا، الكثير من الزعماء التقليديين، التزام مساحات واسعة من الأراضي وبالتبعية تحويلهم إلى إقطاعيين ريفيين. على تلك الخلفية، سعت المؤسسة إلى الحفاظ بشكل صُوري على الهياكل القبلية، لكن مع تغييرها بشكل جذري لصالحها. كان ذلك نوعاً من إنتاج حداثي لتراتبيات قبلية شبه إقطاعية، لا تمتّ بصِلة إلى جذورها التقليدية، لا من حيث البنية الداخلية ولا الوظيفة الاجتماعية.

والحال إن الدولة اليوم، أو في أي وقت، ليست واقعة راسخة، بل هي حاصل جمع تدفق التعاملات اليومية، وبالأخص المتعلقة بفرض القانون وتجاوزه والتداخلات بين الرسمي وغير الرسمي. شكل التمرد الجهادي المسلح في سيناء، خلال العقد الأخير، محكّاً لإعادة تشكيل علاقات الرسمية-اللارسمية في شبه جزيرة سيناء. فبعد عجزها عن حسم القتال بالقوة الرسمية، ارتكست مؤسسات الدولة إلى طَور قَبَلي، وجنّدت ما يشبه الميليشيات الأهلية للتصدي للجماعات الجهادية وضبط الحركة على الحدود. وكما في الماضي، كان تشكيل مظلة مثل "اتحاد قبائل سيناء" هو إعادة اختراع للهيكل القبلي، وتغييره جذرياً. مثالاً، لم يخضع القتال الذي خاضه الاتحاد، للأعراف التقليدية. أما قياداته، وعلى رأسها العرجاني، فتم تنصيبها من أعلى، وليس بحسب التراتبية العُرفية أو أي آليات قاعدية.

يحدد الطور الاقتصادي شكل العلاقات السيادية. فالزعماء القبليون على شاكلة العرجاني في عصرنا النيوليبرالي، لم يعودوا ملّاكاً شبه إقطاعيين، بل يتولون مجموعات رأسمالية واتحادات قبلية أهلية، تقوم بالنيابة عن الدولة أو كواجهة لها، بتقديم خدمات تسيير الشؤون الأمنية والاقتصادية في سيناء وعلى المعابر وداخل قطاع غزة، بل وحتى إصدار البيانات المتعلقة بالسياسة الخارجية. لكن، والأهم، ففي سياق خصخصة الخدمات الحكومية، يسند النظام الحاكم لمثل تلك المجموعات مهام فساده وعملياته الخارجة على القانون.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها