الأحد 2025/06/08

آخر تحديث: 10:19 (بيروت)

كليّات زحلة المترهِّلة: مبانٍ متهالكة وغير صالحة للتعليم

الأحد 2025/06/08
كليّات زحلة المترهِّلة: مبانٍ متهالكة وغير صالحة للتعليم
الرطوبة تأكل السقوف والجدران وروائح العفن قاتلة، والشقوق تجعلنا نشعر أنَّ الجدران ستقع علينا (المدن)
increase حجم الخط decrease
"نخاف الجلوس في بعض القاعات خلال الشتاء، لأن المطر يتسرّب من السقف، والبرد قارس. أما في فصل الصيف، فكأننا في صحراء، لأن الحرارة مرتفعة ولا مكيفات ولا مراوح هواء. وفعلياً لا مقومات لمبنى جامعي فعلي" يقول الطالب علي الرفاعي واصفاً كلية العلوم الفرع الرابع حيث يدرس. فهو مبنى سكني حوّلته "الواسطة القوية" إلى صرح تربوي، برأي الرفاعي وزملائه، ناعياً فرع كليته الكائن في حوش الامراء – زحلة.

تتوَّزع الفروع الرابعة لكليات الجامعة اللبنانية في زحلة على مجموعة من الكتل الإسمنتية التي أكلها الزمن. وهي شاهدة على عقود من إهمال وتقصير الدولة بحق التعليم العالي الرسمي في لبنان. الطلاب والأساتذة يتنقلون بين قاعات متصدّعة، وجدران متشققة، ومرافق صحية غير صالحة للاستعمال، لا تليق بجامعة الوطن. علمًا أنّ بعض هذه الأبنية لا تصلح للتعليم من الأساس، كمبنى كلية العلوم الاجتماعية المحاط بدوائر تسجيل السيارات ومحطات الوقود وورش صيانة الآليات. ما يجعله أقرب إلى سوق صناعي منه إلى حرم جامعي.

تقادم البناء وترهله
ترهّل مبنى كلية الآداب والعلوم الإنسانية واضح للعيان. فالطلاء متقشّر، والرطوبة نخرت جدران القاعات، والسقوف تظهر عليها علامات الانهيار. وكلّها مؤشرات تدلّ على وضع إنشائي متردٍّ. أما المناشدات المتكررة والضغوطات من الهيئتين التعليمية والطلابية، فلم تؤد إلا إلى قيام الإدارة المركزية بإجراء مناقصة لترميم المبنى. لكن موعد التنفيذ لا يزال مجهولاً.

الدكتور يوسف الكيال، أستاذ محاضر في مادة الجغرافيا في الكلية، يحمّل تردّي الوضع إلى تقادم البناء وعدم تأهيله سابقًا، مضيفًا أن قيمة الإيجار "لا تكفي صاحب الملك حتى لطلاء جدار أو تركيب زجاج". في حين مخصصات الصيانة المرصودة في موازنة الجامعة، المقدرة بنحو 35 مليون ليرة لا تكفي لإصلاح أعطال بسيطة، فكيف الحال في إعادة تأهيل السقوف والجدران ومعالجة مشكل النشّ وإعادة تأهيل المراحيض وانخساف الطابق الأرضي جراء السيول الكثيرة في المنطقة؟

استنزاف الكرامة الأكاديمية
حال كلية الحقوق والعلوم السياسية لا يختلف عن باقي الكليات. فقد تنقلت الكلية خلال السنوات الماضية على عدّة أبنية في منطقة كسارة. والمشترك بين هذه المباني، بحسب مصادر إدارية أنها "غير مؤهلة للتدريس وفق أبسط المعايير الأكاديمية". وتجزم المصادر أنّه "لولا اللافتة والاسم لن يصدق أحد أنها جامعة". أمّا عن الأسباب فتجيب المصادر: "بلد خربان شو وقفت علينا".

المباني الجامعية لا ينقضها البنية التحتية السليمة فحسب، بل تفتقر إلى المرافق الأساسية أيضًا، وبعض الكليات لا تزال تستخدم تجهيزات قديمة تعود إلى التسعينات. ووفق إحدى الطالبات لا يوجد كافيتريا جامعية مناسبة، ولا مكتبة مؤهلة تتناسب مع أعداد الطلاب. وتقول: "نحن مرغمون على الدرس في قاعات غير مطابقة للمواصفات. فالرطوبة تأكل السقوف والجدران وروائح العفن قاتلة، والشقوق تجعلنا نشعر أنَّ الجدران ستقع علينا".

أستاذة في كلية الآداب، فضّلت عدم الكشف عن اسمها قالت: "نحن ندرّس في ظروف غير صحية. والطلاب يدرسون في بيئة طاردة للتعليم. وهذا بمثابة استنزاف للكرامة الأكاديمية، قبل أن يكون استهتاراً بالسلامة العامة للجميع".



حلم المجمّع الجامعي
حال فروع كليات الجامعة اللبنانية في زحلة جزء من أزمة وطنية تطال جامعة الوطن في مختلف المناطق. لكن وضع المباني في زحلة مزري للغاية. ويقول الأستاذ يوسف الكيال: "الحل الفعلي لعشرات ألاف الطلاب في البقاع هو إعادة تفعيل المدينة الجامعية الموحدّة، حيث يصار إلى جمع الفروع الرابعة للكليات في مجمع جامعي واحد، مثل باقي المجمعات الجامعية. وهذا يسهل على الطلاب التنقل ويعزز جودة التعليم الجامعي الرسمي في البقاع".

قرار بناء مدينة جامعية اتُخذ منذ سنوات، وجرى تحديد العقار رقم 66 في منطقة حوش الأمراء – زحلة، ليقام عليه المجمّع على مساحة تقارب 45000 متراً مربعاً. وفي عام 2019 وافقت بلدية زحلة على منح الجامعة اللبنانية 10000 متر مربع من حصتها لاستكمال المساحة المطلوبة للمشروع. وتولت حينها الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) تمويل المشروع. وأرسلت وفداً من الخبراء للمباشرة به. لكن بحسب الكيال "جرى تعطيل المشروع لأهداف وغايات سياسية. فهناك أهداف اقتصادية لبعض القوى التي تعمل على دعم الجامعات الخاصة على حساب الجامعة اللبنانية".

لكن إلى حين العودة إلى مباشرة تشييد المجمّع الجامعي، يفترض إعادة تأهيل المباني لتصبح مؤهلة لاستقبال الطلاب. فلا يكفي تحسين ظروف عيش الأساتذة من خلال رفع قيمة مخصصاتهم، وإهمال موازنة المصاريف التشغيلية والصيانة ليحصل الطلاب على حقوقهم في التعلّم في بيئة سليمة. على أن حلم مغادرة الأبنية الجامعية المترهلة إلى رحاب مدينة جامعية موَّحدة يبقى يراود طلاب البقاع من أقصى شماله إلى أخر جنوبه. فهل سيصبح يوماً ما حقيقة قائمة، أم يضاف إلى أرشيف الذاكرة المليء بمئات الوعود الوردية منذ الاستقلال؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها