استراتيجية جديدة على جبهات الحرب الأوكرانية تُوصف بـ"لعبة النقاط القاتلة" تعيد تعريف الاقتصاد العسكري. فكل عملية قتالية ناجحة تتحول إلى ما يشبه أصولًا رقمية قابلة للمبادلة، وفق نظام ديناميكي للنقاط يُحدِّد قيمة الأهداف: 6 نقاط لإقصاء جندي، و40 نقطة لتدمير دبابة، وصولاً إلى 50 نقطة لإبادة أنظمة الصواريخ المتنقلة. وقد أثبتت هندسة الحوافز القتالية هذه - التي وصفها وزير التحوُّل الرقمي ميخايلو فيدوروف بأنها "آلة لتغيير قواعد الحرب"- فعاليتها البارزة، خصوصاً بعد رفع نقاط المشاة من نقطتَين إلى ستٍّ؛ مما أدى إلى مضاعفة الخسائر الروسية في غضون 30 يومًا فقط.
منصة "برايف 1": أمازون حربي
يكتمل نظام النقاط القتالية مع ما يشبه "أمازون حربي" من خلال منصة
Brave1 Market، التي تمثل ثورةً في لوجستيات التوريد العسكري. فبإمكان الوحدات القتالية على الجبهة استبدال النقاط التي جمعتها بمعدات فورية عبر هذه المنصة التي تعرض أكثر من 1000 قطعة عسكرية تتراوح بين طائرات "فامباير" ذات حمولة 15 كغ (بتكلفة 43 نقطة) وأنظمة حرب إلكترونية متطورة، مع ضمان وصولها إلى الخطوط الأمامية خلال 7 أيام فقط.
وتأتي ذروة الابتكار في نظام التقييمات التفاعلي الذي يُتيح للمشغلين تقييم كفاءة المعدات تحت النار، مُولدًا انتقاءً طبيعيًا يُحَسن التصاميم أو يستبدلها خلال أسابيع بدلاً من سنوات.
الذكاء الجماعي كسلاح استراتيجي
يخلق هذا التكامل بين نظام النقاط والسوق الالكتروني ذكاءً قتاليًا غير مسبوق. فمن خلال تحميل مقاطع الفيديو الإلزامية على منظومة "دلتا"، يصبح كل مشغل لطائرة مسيِّرة مصدرًا لبيانات التحقق التي تُفرّق بدقة بين "تعطيل" الأهداف (شلّ حركتها) و"تدميرها الكامل". لا توفّر هذه الآلية بيانات استخباراتية آنية فحسب، بل تحوّل الوحدات القتالية إلى مجسّات استشعار نشطة تُغذي خوارزميات التحليل القتالي بمعلومات دقيقة.
كنتيجة طبيعية لهذا النظام، تنشأ آلية ذكية لتوزيع الموارد تُعيد تعريف كفاءة التوزيع العسكري. فالفِرَق الأكثر فاعلية مثل لواء "طيور ماجيار" (Madyar’s Birds) الذي جمع 16298 نقطة، تحصل تلقائيًا على أولوية في الموارد والمعدات المتخصصة. كما تتيح المرونة الخوارزمية للقادة رفع قيمة نقاط أهداف محددة أثناء الهجمات المكثفة؛ كزيادة مكافأة تدمير صواريخ "غراد" عند تصاعد القصف، مما يُوجِّه الجهود القتالية تلقائيًا دون أوامر هرمية.
التحديات في قلب الابتكار
رغم الإنجازات التقنية، لا يخلو النظام من تحديات جَوهرية. فتحويل العمليات القتالية إلى سلعٍ يثير إشكالات أخلاقية حادة حول تحويل الضحايا البشرية إلى مجرد نقاط رقمية. كما أن الاعتماد على بيانات غير مُوثَّقة يولد مخاطر استخباراتية، إضافة إلى هشاشة النظام أمام الهجمات السيبرانية المتكررة. ومع ذلك، تُظهر البيانات الميدانية تفوق الكفاءة التشغيلية على هذه التحديات، خصوصاً مع مشاركة 90 بالمئة من وحدات الطائرات المسيرة في البرنامج.
يُمثل هذا النموذج الأوكراني نهايةً لعصر التخطيط العسكري التقليدي، مقدِّمًا نموذجًا ثوريًّا للحرب غير المتماثلة يقوم على ثلاث ركائز: هندسة الحوافز القتالية، والذكاء الجماعي، وسلاسل التوريد اللامركزية. ويُثبت أن التفوق التكنولوجي لم يعد حكرًا على القوى العظمى، بل صار مُتاحًا عبر أنظمة مفتوحة تدمج الابتكار الميداني بالتحليل الآني. في هذه المعادلة الجديدة، لم تعد القوة تُقاس بالكم، بل بقدرة الخوارزميات على تحويل كل نقطة إلى فعل استراتيجي فاعل.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها