بصدور القانون في الجريدة الرسمية بتاريخ 16 أيار 2025، بدا للمرّة الأولى أنّ الجامعة الوطنية تتجه إلى معالجة الشغور، الذي قارب 50% في الملاك الإداريّ، عبر "مباراةٍ محصورة" تُجيز خوضها حصرًا للعاملين والمتعاقدين، فتفتح أمامهم باب التثبيت. استند المُشرّع إلى "عدالةٍ تصحيحية" تُنصف مَن خدموا الجامعةَ لعقودٍ من دون تثبيت، ولا سيّما أنّ مباراة 2016 المحصورة لم تشمل سوى فئاتٍ محدودة. لكنّ النقّاد سارعوا إلى القول إنّ العدالة التصحيحيّة تحوّلت إلى هرميّةٍ مغلقة تمنع بقية اللبنانيين من حقّ التنافس على وظائف عامة مموَّلة من دافعي الضرائب. هكذا وُضع القانون على خطّ الاحتكاك الحاد بين مبدأَي الاستمرارية الإدارية من جهة، والمساواة أمام الوظيفة العامة من جهة أخرى، فكان لا مفرّ من انتقال الاشتباك إلى المجلس الدستوري.
الاعتصام أمام المجلس الدستوري
صباح الاثنين 2 حزيران 2025، تحوّل محيطُ المجلس الدستوري إلى ساحة تجاذبٍ سياسي. عشرات الموظفين، بدعوةٍ من رابطة العاملين، افترشوا الرصيف وهم يهتفون: "حقوقُنا خطٌّ أحمر"، رافعين لافتاتٍ تُدين "المباراة المفتوحة" التي قد "تهمّش عقودًا من الخدمة". لم يخلُ الاعتصام من إشارات ضعفٍ في التنظيم: حضورٌ أقلّ من المتوقَّع، بحسب ناشطين، وتبايناتٌ داخل صفوف رابطة العاملين نفسها بشأن آليات الضغط، ما أثار تساؤلاتٍ حول قدرة هذه الهيئات على خوض معركةٍ طويلة الأمد إذا قرّر المجلس الدستوريّ تعليقَ القانون أو إبطالَه.
الطعن النيابي: الدوافع الدستوريّة والقراءة السّياسيّة
وقّع الطعنَ عشرةُ نواب: بولا يعقوبيان، نجاة عون، ملحم خلف، أديب عبد المسيح، ملحم طوق، أشرف ريفي، فراس حمدان، شربل مسعد، ياسين ياسين، وإبراهيم منيمنة. في رسالة الطعن، يستند الموقعون إلى المادة 12 من الدستور التي تنصّ على أنّ "لكلّ لبناني الحقَّ في تولّي الوظائف العامة… وفق الشروط التي ينصّ عليها القانون بلا تفريق إلا لاستحقاقهم وجدارتهم". ويرى الطاعنون أنّ المباراة المحصورة تشرعن "نظامًا مغلقًا" يُميّز بين المواطنين، ويمنح أفضليةً لا تستند إلى معيار الكفاءة وحده.
وفي حديثها إلى "المدن" تشير بولا يعقوبيان، إحدى النائبات العشر اللواتي قدّمن الطعن، إلى أنذ "هذا الطعن يَتعلّق بالشواغر في الملاك الإداريّ للجامعة اللّبنانيّة. فقد أقرّ مجلس النواب قانونًا يفرض إجراء مباراة محصورة لملء هذه الشواغر، أي مقتصرة على العاملين داخل ملاك الجامعة. ونحن نرى أنّ المباراة ينبغي أن تكون مفتوحة، لأنّ الدستور يوجب مساواة المواطنين أمام الوظيفة العامة وأمام القانون؛ لذلك طالبتُ في المجلس النيابي بأن تكون المباراة مفتوحة، لكنهم لم يأخذوا برأيي وأصرّوا على المباراة المحصورة".
وأضافت: "ليست هذه المرّة الأولى الّتي يلجأ فيها مجلس النواب إلى مباراة محصورة، فقد سبق لنا أن طعنا في موضوع مماثل. ما نطالب به اليوم هو فتح باب المباراة للجميع. وقد اعترض الذين سيستفيدون من الاقتصار على المباراة المحصورة، وحاولتُ أمام المجلس الدستوري شرح جملة من المعطيات التي لعلّهم أساؤوا فهمها. يظنّ بعضهم أنّ الطعن يستلزم إصدار قانون جديد في جلسة تشريعية لاحقة، لكنني أوضحتُ أنّ الأمر ليس كذلك؛ فبمجرّد أن يقبل المجلس الدستوري الطعن ويقرّر فتح المباراة، لن تكون ثمة حاجة إلى قانون جديد. عندئذ يضع رئيس الجامعة، بالتنسيق مع مجلس الخدمة المدنية، شروط المباراة وتفاصيلها كافة".
وتلفت بالقول: "إذا أراد رئيس الجامعة منح أولوية للعاملين الحاليين، فيستطيع ذلك من خلال شروط المباراة؛ فهم أصحاب خبرة ويعرفون شؤون الجامعة، ولا يستطيع أي وافد جديد منافستهم إذا صيغت الشروط على هذا الأساس. لذا طلبتُ منهم أن يعودوا إلى الكتب ويستعدّوا جيداً، وأنا على يقين من أنّ قسماً كبيراً منهم قادر على النجاح".
وتختم بالقول "إنّ حصر المباراة يفتح باب المحسوبيات؛ ففي كلّ القوانين الّتي تعتمد المباراة المحصورة يتسلّل المحسوبون، ثم تُجرى لهم المباراة ويُرقّون. هذا ليس الأسلوب الأمثل للعمل؛ على العكس، يجب أن تكون المباريات دائمًا مفتوحة أمام الجميع، بحيث يُتاح للأفضل أنّ يشغل الوظيفة العامة".
رابطة العاملين: بين الدفاع عن المكتسبات وهواجس الإقصاء
من جهتها، تُبدي رابطةُ العاملين، بقيادة أيمن ماجد، خشيةً من أن يُفضي إبطال القانون إلى مباراة مفتوحة "قد تُقصي موظفين مضى على وجودهم في الجامعة نحو ثلاثين عامًا"، ولا سيّما فئات الأجراء والمتعاقدين الذين لم تشملهم مباراة 2016 المحصورة. وتؤكّد الرابطة أنّ "من غير المنطقي مساواةُ مَن خَبِر أروقة الجامعة عقودًا بمتقدّمٍ من خارج الجامعة يجهل نظامها الداخلي"، لافتةً إلى أنّ "رئيس الجامعة ومجلس الخدمة المدنية يملكان صلاحية وضع شروط تفضيلية تراعي الخبرة المتراكمة".
لكنّ الرابطة تجد نفسها أمام تحدّي إقناع الرأي العام ــ وحتى جزءٍ من الجسم التعليمي ــ بأنّ مصلحتها لا تتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص؛ فأيُّ خطابٍ دفاعي يبالغ في التخويف من "الوافدين الجدد" قد يُفهَم على أنّه حماية للإقطاع الوظيفي، لا سدٌّ للشغور بجدارة.
الصوت الآخر: مخاوف الفنيّين والمدرِّبين من "لعبة الكراسي"
داخل الجامعة نفسها تظهر انقساماتٌ صامتة؛ فمدرِّبون وفنيّون يُبدون اعتراضًا مزدوجًا، إذ تشير إحدى المدرِّبات إلى أنّ "الطريقة التي اعتُمدت بدت إصلاحيةً في الظاهر، لكنها غير مقبولة ولا تنسجم مع القوانين. حاولنا تنفيذَها بصورة مقبولة، غير أنّها ظلّت مخالفة للنصوص".
وتضيف: "شاهدنا الصور والفيديوهات التي تُبيّن حضورًا هزيلاً للمدرّبين أمام المجلس الدستوري، ما يفضح ضعف رابطة العاملين ويكشف مدى تراجع الثقة". وتقول: "البيان الصادر باسم الهيئة التنفيذية مثيرٌ للتساؤل؛ فالهيئة لا تمتلك نصابًا قانونيًّا، فكيف توافر النصاب لتوقيع بيانٍ باسمها وهي أساسًا بلا نصاب؟".
ويُبدي الفنيّون اعتراضاتٍ عدّة على القانون؛ فهو يتجاهل الملاك الفنيّ في الجامعة، الّتي تضمُّ ملاكَين اثنين: فنيًّا وإداريًّا. خصّ القانون المباراة بالملاك الإداريّ وحده، في حين تُبرز الحيثيات حاجات الكليات ــ ولا سيّما الفنون والطبّ والهندسة ــ إلى اختصاصات لا يُلبيها إلا الملاك الفنيّ، المختلف تمامًا عن الإداريّ. هذا وحده كافٍ لإسقاط القانون؛ لذا راجع الفنيّون رئيسَ الحكومة طلبًا لتصويبه. وقد زاروه اليوم، فأصغى جيدًا وأبدى استعداده للنظر في ما يلزم.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها