بدأ صوت أساتذة في الجامعة اللبنانية يتصاعد حيال الجولات المفاجئة التي يقوم بها الرئيس بسام بدران على الفروع والأقسام للتأكد من حضور الهيئة التعليمية، وفق الدوامات المقررة. ورغم أن هذه الزيارات تأتي في إطار وقف التجاوزات الكثيرة التي تحصل في الجامعة على مستوى الدوامات، والتأكد من التزام مدراء الفروع ورؤساء الأقسام بالجداول المرفوعة، إلا أن البعض يصفها بالاستعراض.
في التفاصيل، بدأ بدران هذه الزيارات المفاجئة ("كبسات" كما يصفها الأساتذة) الأسبوع الفائت في منطقة صيدا في معهد التكنولوجيا، ثم في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية والحقوق في الفرع الخامس. ثم حط في "آداب" الفرع الأول في بيروت أيضاً.
في الشكل تتزامن هذه الزيارات "المفاجئة" مع الزيارات المماثلة التي يقوم بها رئيس الجمهورية على الإدارات العامة للتأكد من سير الأمور. لكن في المضمون، يقول أساتذة لـ"المدن" إن رئيس الجامعة يريد الاستعراض في آخر عهده أنه يعمل على إصلاح الجامعة انطلاقاً من مراقبة دوامات الأساتذة ومعرفة مدى التزامهم بها. كما لو أن مشاكل الجامعة تختصر بجدول الدوامات. علماً أن الحديث عن عدم مواظبة الأساتذة على الدوامات كان قبل سنتين، تزامناً مع تراجع قيمة رواتبهم.
إحراج الأساتذة أمام طلابهم
قضية عدم التزام أساتذة بالدوامات ليست جديدة. بل كانت مدار حديث أهل الجامعة منذ نحو سنتين، أي قبل تحسّن رواتبهم في السنتين الأخيرتين. فعقب اندلاع الأزمة المالية هاجر العديد من الأساتذة لبنان، وكانوا يعلمون الطلاب من بعد. ما دفع بدران إلى إصدار تعميم بضرورة تقديم الأستاذ طلباً خاصاً لموافقة رئاسة الجامعة شخصياً على إذن السفر، وطلب من الأمن العام جداول بدخول وخروج الأساتذة من لبنان. ورغم ذلك بقيت المسحوبيات والمحاباة سيدة الموقف.
وحول هذه الزيارات المفاجئة، يشرح أساتذة لـ"المدن" أن بدران يدخل إلى الصف، كما فعل في صيدا، ويسأل الأستاذ عن اسمه واسم المادة التي يدرسها، ثم يعود ويسأل الطلاب للتثبت من أن أستاذهم لا يدلي بمعلومات كاذبة. ما يُحرج الأستاذ أمام طلابه، كما لو أنه شخص خارج عن القانون.
كان بدران يدقق بالتفاصيل. فقد احتج على استخدام أستاذ قاعة محاضرات مختلفة عن تلك المقررة في جدول الدوام الأسبوعي. وعندما سأل عن سبب تغيير القاعة أتى الجواب لأن القاعة الأخرى غير مجهّزة بآلة عرض. فوعد بإصلاح الوضع.
لم يصعد إلى النبطية
في كلية الآداب في الفرع الخامس، انزعج بدران من عدد الطلاب القليل في المحاضرات، ملقياً اللوم على الأساتذة والإدارة. ولم يشفع للإدارة التبرير بأن كلية الآداب لطالما كانت كلية "انتساب"، ولا يحضر الطلاب إلا لإجراء الامتحانات. لكن في قسم علم النفس، شاءت الصدف أن بدران عثر على أحد الأساتذة المتعاقدين الذين لديهم ما يفوق 550 ساعة بالسنة، كما يؤكد الأساتذة، رغم أنه متفرغ في إحدى الجامعات الخاصة. وعادة يكثّف هذا المتعاقد الدروس في يومين ويصلب طلابه حتى الساعة الثامنة مساءً، في وقت تكون الجامعة قد خلت من الطلاب. هذا رغم أن بدران منع التكثيف لعدم حشو الطلاب. لكن هذا المتعاقد محظي عند الجهة السياسية المسيطرة على الفرع. فلم يلتفت بدران إلى هذا المعطى، بل أكمل جولته، مثنياً على مواظبة هذا الأستاذ على الدوام.
بعد صيدا، عاد بدران و"كبس" الأساتذة في كلية الآداب الفرع الأول في بيروت. ولم يكمل جولته إلى النبطية، حيث الفرع الخامس لكلية العلوم. فهناك العديد من الأساتذة المتعاقدين أو في الملاك، من المهاجرين إلى دول الاغتراب وما زالت أسماؤهم موجودة على جدول الدوامات، كما يؤكد أساتذة لـ"المدن".
ووصف أساتذة في كلية العلوم في النبطية جولة بدران إلى صيدا بالاستعراض، لأنه رغم علمه بوجود عدد لا بأس به من الأساتذة المسافرين في كلية العلوم لم يكمل جولته إلى النبطية. ففي هذا الفرع يصار إلى حشر محاضرات الفصل كله للطلاب في مهلة أسبوع أو اثنين، محاباة للأساتذة المسافرين، الذين يأتون في الفرص لتعليم الطلاب.
خطوة ترهيب مستغربة
في كلية الآداب الفرع الأول في بيروت كانت "كبسات" بدران أشبه بالترهيب، كما يؤكد الأساتذة. فقد دخل إلى قسم الجغرافيا وعندما وجد الأستاذ والطلاب في القاعة وتأكد من كل المعلومات، راح يبحث في الدرج عن جدول آخر لتوقيع الأساتذة على الدوام. يبدو أنه تلقى شكوى عن وجود جدول آخر للتواقيع، لكنه لم يعثر عليه. لكنه حاول تكذيب الأساتذة الذين كانوا جميعهم متواجدين. ثم عثر على أستاذة تدرس في غرفة الأساتذة وليس في قاعات الدراسة. امتعض واحتج. فأبلغ أن لا قاعات متوفرة لها، فطلب منهم إصلاح الوضع وإيجاد قاعة لها.
يستغرب الأساتذة هذه الخطوة التي أقدم عليها بدران لاسيما أن مدير الفرع هو المسؤول عن الدوامات ويرسلها إلى رئيس الجامعة، وجميع المدراء مكلفين منه ويفترض أنه يثق بهم. إلا إذا كان هناك من سبب جوهري يستدعي هذه الزيارات. ففي المبدأ لا يقيّم عمل الأستاذ الجامعي "بكبسة" لمعرفة إذا كان حاضراً أم لا، بل بعمله وانتاجه العلمي. فبدران شخصياً يواظب على السفر كل شهر إلى بلجيكا وفرنسا لمتابعة أعماله وأبحاثه، وهو يفترض أنه يعلم أن التقييم ليس من خلال "كبسات" على الصفوف للتأكد من حضور هذا الأستاذ أو ذاك. بل يفترض أن يكون هناك تقييم إجمالي أكاديمي لعمل مختلف الأقسام. غير ذلك تكون الزيارات مجرد استعراض ينهي به عهده الرئاسي بعد عام. أما المدافعون عن بدران فيعتبرون أن هذه الزيارات روتينية وهي ليست الأولى، الهدف منها التأكد من حسن سير الأمور في الجامعة وأن الجميع يحضرون على الدوامات لتعليم الطلاب.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها