الخميس 2025/05/08

آخر تحديث: 14:27 (بيروت)

قضية الإعاقة في الانتخابات وصلافة المحافظ بتهميش المرشحين

الخميس 2025/05/08
قضية الإعاقة في الانتخابات وصلافة المحافظ بتهميش المرشحين
ما يتعرض له الأشخاص المعوقين من تهميش في الإدارات لا يمنع وجود أمل عندهم للتغيير (Getty)
increase حجم الخط decrease
مع انتهاء الأسبوع الأول من الاستحقاق البلدي، عادت إلى التداول قضية مشاركة الأشخاص المعوقين، ليس كناخبين فقط، بل أيضاً كمرشحين، هدفهم التغيير وبناء التنمية في مجتمعاتهم المحلية. رغم الصعوبات والتحديات لوجستياً واجتماعياً، سجّل عدد من الأشخاص المعوقين الناشطين حضوراً لافتاً في بلدات، سواء عبر الترشح أو عبر حملات توعية ومناصرة، تدعو لدمج قضايا الإعاقة في البرامج الانتخابية. مثل هذه الخطوات تكسر الصور النمطية وتعزز ثقافة المواطن ونظرة المجتمع إلى الشخص المعوّق بعين المساواة.

تجاوزات المحافظ نهرا
ازدادت المطالب بضرورة إزالة العوائق التي تمنع مشاركة الأشخاص المعوقين بشكلٍ فعّال خلال السنوات الأخيرة. وتنص قوانين حماية حقوق الأشخاص المعوقين على حقهم في الترشح ومشاركتهم الكاملة في الحياة السياسية. لكن الأمر بحاجة لإزالة عراقيل كثيرة، أبرزها البيئة الدامجة سواء في إدارات الدولة لتقديم طلبات الترشيح، أو في مراكز الاقتراع لممارسة حقهم باستقلالية ومن دون أي معوقات أو ضغوط. وحتى اللحظة لا تزال هذه الفئة تعاني من تهميش كبير وصل حد الاحتقار في محافظة الشمال.

في الواقعة التي حصلت مع أحد المرشحين في طرابلس، بدا واضحاً أن القانون وحماية هذه الفئة المهمشة، لا يعنيان لمحافظ الشمال جان نهرا شيئاً. بل يستمر بقفزه فوق القوانين واللياقات والأعراف و"فاتح عحسابو" كما روى المرشح توفيق علوش لـ"المدن".

ويقول علوش المقعد على كرسي متحرك: "حضرت منذ أيام إلى السراي الحكومي في طرابلس حيث تتم معاملات تقديم طلبات الترشيح في الطابق الثاني. في المبنى يوجد مصعدَان لكنهما محجوزان للمحافظ فقط، ويُمنع على المواطنين استعمالهما إلا بإذن خاص منه".

تبرير يستخفّ بحقوقهم
ويؤكد علوش أنّ المحافظ نهرا رفض رفضاً قاطعا السماح له بالصعود عبر المصعد، وقال: "بكل صلافة قال لي المحافظ دَبر حالك، يحملوك تا تطلع". لكن أحد "الضباط المتواجدين في المكان هان عليه ما حصل. فتدّخل وبادر إلى جلب جميع المستندات لي كي أوقّعها"، كما أكد علوش مطالباً "رئيسي الجمهورية والحكومة بوضع حد لعنجهية نهرا وسلوكه الشاذ في المحافظة، لأنه يسيء للدولة والقانون". وسأل علوش: "هل يجوز حمل نساء ورجال عجائز إلى الطابقين الأول والثاني للبَصم على معاملات استصدار الهوية، فقط لأن نهرا يمنع استخدام المصاعد على المواطنين؟".
برّر المحافظ نهرا لـ"المدن" بأن منع المواطنين من استخدام المصعد يعود إلى أن كثرة استخدامه تؤدي إلى تعطله بسرعة. وأضاف أن هناك مصعدًا معطلاً أصلاً، ولا يوجد سوى مصعد واحد. وعن الحادثة مع المرشح علوش، قال نهرا إن الموظف نزل إليه لتسهيل الإجراءات. وردًا على الادعاء بأن الأمر حدث بعد تدخل الضابط من قوى الأمن الداخلي إثر وقوع المشكلة، ردّ نهرا بصلافة: "هل هدفه الترشح أم الصعود بالمصعد؟".

ما حدث مع المرشح توفيق علوش في طرابلس كان نقيضًا تمامًا لما جرى مع المرشح طارق أبو جخ من غزة في البقاع الغربي. وأكد الأخير أن التسهيلات للأشخاص المعوقين متوفرة بالكامل لتقديم طلبات الترشيح بكل كرامة.

وشرح أبو جخ، المقعد على كرسي متحرك، أنه "اللجنة الفاحصة نزلت بكامل أعضائها إلى الطابق الأرضي. اعتذروا مني لعدم تجهيز المبنى بالوسائل الداعمة التي تتيح لي الصعود إلى حيث يتم تقديم الطلبات. كما رفضوا إخضاعي للامتحان الخطي بعد الاطلاع على شهادتي الجامعية".

تحدي المعوقات العائلية
ما يتعرض له الأشخاص المعوقون من تهميش في الإدارات لا يمنعهم من الأمل في التغيير. وقد قرر العديد منهم خوض غمار الاستحقاق الانتخابي من أجل مناصرة قضاياهم. وهذا ما تنطبق عليه حال المرشحة زينب عثمان المصابة بشلل نصفي. زينب هي ناشطة سياسية وحقوقية تهتم بقضايا الإعاقة والنساء، وتحمل دبلوم دراسات عليا في العلاقات الدولية.

وأكدت أنها تخوض الانتخابات من منطلق المسؤولية تجاه مدينة بعلبك، بعد تدهور الأوضاع التي آلت إليها، وانطلاقًا من ثقتها بقوة ونهضة برنامج المجموعة التي ترشحت ضمنها.

تؤكد عثمان أن رد فعل المجتمع كان داعماً، حيث ينظر إليها على أنها شخصية تحمل المواصفات التي تؤهلها للعمل في الشأن العام، بدءًا بالدراسة، مرورًا بالخبرة المهنية، وصولاً إلى نشاطها الحقوقي والسياسي العام. لذلك، كما قالت، 'لم يكن غريباً على كل من يعرفني أن يراني مرشحة، بل كان مغبوطاً بترشحي.
وأضافت أن "عدم الرضا جاء من بعض وجهاء عائلتي لأسباب سياسية بحتة، ليس لها علاقة بالإعاقة أو بعدم تقديري كامرأة. ورغم احترامهم استمراري في الترشح، رأى بعض الوجهاء أن مصلحة العائلة تقتضي تسمية شخص واحد، يحددونه هم بناءً على اعتبارات ومصالح سياسية شخصية."

وأكدت أن اللائحة التي ترشحت عليها تحمل رؤية ومشروعاً متكاملاً يؤسس لغدٍ متفائل، ويؤمن بقدرات شباب المدينة ومؤهلاتهم. يهدف المشروع إلى إعادة الوجه الحضاري لبعلبك واستعادة مكانتها العالمية التي تليق بها كمدينة الشمس.

ودعت عثمان زملاءها المعوّقين إلى الإيمان بقدراتهم ليكونوا بنّائين، تماماً كما يفعل الآخرون ممن لا يحملون إعاقات، كلٌ وفق هواه ومواهبه ومهاراته. وطلبت منهم السعي لتطوير أنفسهم والتعلم، والانخراط في المجتمعات والتجمعات الجديدة.

تغيير مفاهيم الناخبين
تمثل المرشحة في بيروت، أمال شريف، المصابة بشلل الأطفال، قصة أمل جديدة عن تحديات الأشخاص المعوقين. لم تكن الإعاقة عائقاً أمام نجاحها المهني، فقد عملت في الخارج ثم أسست نفسها في لبنان. وسابقاً، ترشحت عام 2016 على لائحة "بيروت مدينتي"، وحلت في المرتبة الرابعة بنيلها 30195 صوتاً.

وتشرح شريف أنها لم تكن تعرف كيف سيتقبل الناس فكرة ترشح "مقعدة" للعمل البلدي. كان هدفها تغيير مفاهيم الناس عن الإعاقة وقدرات هذه الفئة في المجتمع. وكانت نتيجة التصويت حينها مفاجئة بالنسبة لها، كما قالت.

وحثت شريف محافظ بيروت على تخصيص مواقف خاصة بالمعوقين في السراي نظراً لتجهيز المبنى بالوسائل الدامجة. وطالبت بتعميم هذه الوسائل على كل مراكز الدولة. وأكدت أنها عانت كثيراً في قلم النفوس للحصول على المستندات المطلوبة لتقديم طلب الترشيح في الانتخابات الحالية.

وطالبت بتأمين العدالة والمساواة بين جميع المواطنين من خلال الإسراع بتنفيذ كل القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الأممية الخاصة بإنصاف الأشخاص المعوقين. وأكدت أن ترشحها جاء بسبب أن "حال بيروت محزن، وأحياءها تعاني من شدة الإهمال، والسكان مغيبون عن مشاريع وخطط البلدية، ومنقطعون عن بلديتهم." ما يستوجب إعادة ثقة أبناء بيروت بالبلدية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها