وفي هذا السياق تحتفل مؤسسة "التعليم فوق الجميع" بدعم من صندوق قطر للتنمية وبالشراكة مع الجامعة الأميركية في بيروت، بتخريج دفعة من 96 طالباً لبنانياً متميزاً، استفادوا من برنامج المنح الدراسية للعام الأكاديمي 2024 – 2025، في حفل سيقام بتاريخ 26 أيار 2025.
المنحة التي أتاحت لهؤلاء الطلاب فرصة متابعة تحصيلهم الجامعي في واحدة من أعرق جامعات المنطقة، تأتي ضمن رؤية شاملة تتبناها دولة قطر لتعزيز التعليم النوعي، ولا سيما في المجتمعات المتأثرة بالأزمات. ويُعدّ هذا المشروع امتداداً لالتزام قطر بالهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة: ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع.
أكثر من تمويل.. شراكة في الرؤية
منذ ما بعد انفجار 4 آب، لم تكتفِ الدوحة بإرسال مساعدات موسمية إلى لبنان، بل دخلت في عمق القطاعات المنهارة، وعلى رأسها التعليم. وبرز اسم "مؤسسة التعليم فوق الجميع" كأحد أبرز أذرع الدعم التربوي، إلى جانب صندوق قطر للتنمية، والمؤسسات القطرية الأخرى التي عملت ضمن مبادرات باشرتها "اليونسكو"، شملت ترميم المدارس الرسمية والخاصة والجامعات، وفي مقدمتها الجامعة اللبنانية.
وفي زيارتها الأخيرة إلى لبنان، أكدت وزيرة الدولة لشؤون التعليم العالي لولوة بنت راشد الخاطر أنّ "دولة قطر كانت، وستظل، داعمة للجمهورية اللبنانية في مختلف المراحل والظروف"، مشيرةً إلى أنّ الدوحة تتطلع إلى توسيع الشراكة الأكاديمية مع لبنان، "في مجالات التعليم العالي، تبادل الطلاب، دعم البحث العلمي، وتطوير المناهج".
ولم تكن هذه التصريحات مجرد مجاملات دبلوماسية، بل أتت مرفقة بزيارات ميدانية وجولات على المختبرات المتضررة في الجامعة اللبنانية، واجتماعات موسعة مع وزيرة التربية ريما كرامي، ووزير الثقافة غسان سلامة، ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، في إشارة إلى شمولية الرؤية القطرية، التي لا تفصل ما بين التعليم والثقافة، وما بين الهوية الوطنية والفرص التنموية.
من التعليم إلى الكهرباء
وفي وقت لا يزال فيه اللبنانيون ينتظرون أي بادرة انفراج من الدولة أو الجهات المانحة، تواصل قطر ضخّ مساعداتها في ملفات متعدّدة. فإلى جانب دعمها للجيش اللبناني موخراً، تشير معلومات رسمية إلى أن قطر تستعد هذا الصيف لتوفير الكهرباء للبنان، في خطوة من شأنها أن تخفّف من حدة الانقطاع الذي يعصف بالبلاد منذ سنوات.
هكذا تكرّس قطر موقعها كداعم أساسي لا يكتفي بالبيانات التضامنية، بل يسعى لخلق أثر ملموس في حياة الناس، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن التنمية تبدأ من الإنسان. إذ قالت الخاطر في حديثها لـ"المدن" خلال زيارتها لبنان: "لدينا في الوطن العربي، جيلٌ حالم وواعد، متميّز وطموح. ونحن نؤمن بأن النهوض بهذا الجيل لا يتم إلا من خلال تعاون متكامل في المجالات التعليمية، والعلمية، والفكرية، والثقافية".
بناء الإنسان مفتاح الاستقرار
المعادلة التي تعتمدها قطر واضحة: لا يمكن لأي بلد أن ينهض أو يستقر من دون تعليم نوعي وشامل. والمنح التي توزّعها ليست مجرّد أرقام، بل هي استثمارات طويلة الأجل في الطاقات البشرية. وفي بلد كمثل لبنان، حيث تتهاوى البنى التحتية، ويغادر الأساتذة الجامعيون والكفاءات، تكتسب هذه الاستثمارات معنى مضاعفاً.
وفيما تسير الاتفاقيات التربوية المشتركة بين قطر ولبنان نحو مراحلها النهائية - كما أكدت الخاطر - فإن ما يجري اليوم في الجامعات والمدارس اللبنانية من دعم قطري، يؤسس لنموذج تعاون يتجاوز الأزمة الآنية، نحو شراكة استراتيجية قائمة على الرؤية، لا فقط على التمويل.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها