الجمعة 2025/05/02

آخر تحديث: 13:18 (بيروت)

الانتخابات وشراء الأصوات: ألف دولار للفرد وخمسون ألفًا للعائلة

الجمعة 2025/05/02
الانتخابات وشراء الأصوات: ألف دولار للفرد وخمسون ألفًا للعائلة
في بلدة بولونيا يُشترى الصوت الفردي بـ 1000 دولار ويتراجع في بلدة بمريم إلى 50 دولاراً (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
البلاد على موعد مع انتخابات بلدية بلا إشراف، وبلا رقابة، وبلا أي رادع. فلم تشكّل هيئة الإشراف على الانتخابات في الاستحقاق البلدي. والإنفاق السياسي يسرح بلا حسيب ولا رقيب. في المشهد اللبناني، يمكن تلخيص اللعبة الانتخابية بـ: "قديش حق الصوت".

الأسعار الحالية للأصوات
حق الاقتراع واختيار الممثلين صار له تسعيرة، تختلف من بلدة إلى بلدة، ومن عائلة إلى عائلة، ومن سخونة المعركة إلى موعد الاقتراع. وبحسب شهادات لـ"المدن" من مختلف المناطق يتبين أن شراء الأصوات لا يزال القاسم المشترك الذي يميّز الاستحقاق.

في بلدة بولونيا، قضاء المتن، يُشترى الصوت الفردي بـ 1000 دولار، وفي جارتها القعقور الصفقات تُبرم بالجملة بسعر 5000 دولار مقابل أصوات عائلة واحدة. أما في ضبية، في قضاء المتن الشمالي، يدور الحديث عن تخمين الصوت بـ500 دولار، أما سعر العائلة الكبيرة فيصل إلى 50 ألف دولار دفعة واحدة.

في سبناي في قضاء بعبدا، التسعيرة تتراوح بين 200 و250 دولاراً للصوت، للعرب المجنسين. وتختلف بحسب موقع العائلة داخل الخريطة المحلية.
أما في جونية، حيث اشتعلت المنافسات في السنوات السابقة، فلم تبدأ المزادات بعد، لكنها مرجَّحة للانطلاق في اللحظة الحاسمة غداً وبعده، عندما تبدأ عملية الاقتراع.  ففي الانتخابات الماضية وصل سعر الصوت إلى 1000 دولار ومع حماوة المعركة في الانتخابات الحالية السعر مقدر للارتفاع. أما في جارتها غزير، فالنمط مختلف: الدفع بالجملة للعائلات والمجموعات.

تتراجع الأسعار قليلًا في بلدات مثل بمريم، المتن الأعلى، حيث يُقدَّر الصوت بين 50 و100 دولار. أما في رشميا في قضاء عاليه فالرشوة الانتخابية تُقدَّم على شكل "باقة شاملة": بطاقات تعبئة رصيد الهاتف الخليوي، ومواصلات مجانية يوم الانتخاب، وبونات بنزين، ودفعة نقدية تتراوح بين 100 و150 دولارًا. الرقم نفسه يُتداول في جزين وبيروت، رغم أن الدفع لم يبدأ فعليًا بعد.

واللافت أن الأسعار لا تستقر. كلما اقترب يوم الاقتراع، كلما ارتفع السعر. الذروة تُسجَّل في الساعات الحاسمة، قبل الظهر وبعد الظهر من يوم الانتخاب. حينها، لا يعود "حق الصوت" موقفًا سياسيًا أو خيارًا بلديًا، بل إيصالًا ماليًا يُسدَّد نقدًا فور إسقاط الورقة في الصندوق.

أشكال متعددة للرشاوى الانتخابية
العودة إلى الرشوة ليست انحدارًا طارئًا، فـ"حليمة عادت إلى عادتها القديمة". الرشوة الانتخابية في لبنان ليست جديدة، لكن مع الانهيار الاقتصادي، تحوّلت إلى ممارسة رائجة، عقب انهيار سعر الليرة وتبخر الرواتب.

هذا العام، تختلف الصورة قليلًا: المال السياسي أخفّ، وبعض الممولين يفضلون "الادخار" للاستحقاق الأكبر، أي الانتخابات النيابية المقبلة. لكن العرض مستمر "خذوا هذا المبلغ، وانتخبوا معنا"، جملة تُقال في العلن، وتُترجم في الصناديق. الحق، كما يبدو، صار سعرًا... وتاريخ الاستحقاق لم يعد موعدًا ديمقراطيًا، بل يومًا للتسعير.

أشكال الرشوة لا تقتصر على الدفع النقدي المباشر. في الواقع، أصبحت هذه الممارسات تتخذ طابعًا مموّهاً. وهذه الأشكال الجديدة من الرشوة، تحت غطاء "الخدمات" أو "الإغاثة"، تتراوح بين تقديم قسائم شراء محروقات، مساعدات غذائية، بطاقات تعبئة رصيد للهاتف الخليوي، وتغطية فحوصات طبية، وغيرها. علاوة على ذلك، يتم تقديم دفعات نقدية تشمل مجموعات من العائلات الناخبة في مناطق محددة.

في العديد من المناطق، يتم إبرام صفقات بالجملة بين المرشحين أو "مفاتيح انتخابية" أو زعماء محليين أو عائلات بأكملها. تلك الصفقات لا تقتصر على الإغراءات المالية المباشرة فقط، بل تشمل مجموعة من التقديمات التي تضمن ولاء الناخبين في المعركة الانتخابية. بذلك، يعزز المال السياسي من حضوره ويُستخدم كأداة رئيسية لشراء الأصوات.

يؤكد أمين عام الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات (لادي) عمار عبود أن الرشوة الانتخابية لم تعد مجرد ظاهرة عابرة، بل أصبحت سلوكًا عامًا. هذا السلوك يظهر بوضوح في المناطق المشحونة، حيث تزداد حدة المعركة الانتخابية. بعض الرشاوى تُدفع بعد الانتخابات لضمان وفاء الناخبين بوعودهم، في ظل ممارسات غير قانونية داخل مراكز الاقتراع، مثل منع استخدام العازل وفرض "الإثبات" كشرط للحصول على المال. ويضيف عبود: "هذا العام، يبدو أن دفع الرشاوى أقل، لأن لا مال عام يُصرف".

في وقتٍ كان من المفترض أن تكون الأزمة الاقتصادية فرصة لتقييم الخيارات السياسية ومحاسبة المسؤولين، تكشف الحقيقة عن تأثير معاكس تمامًا. الواقع المعيشي المتدهور يعزز من حضور الرشوة الانتخابية ويزيد من فعاليتها في التأثير على خيارات الناخب اللبناني وسلوكه. ووفق معطيات "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" يبدو أن الأزمة الاقتصادية، بدل أن تكون حافزًا للتغيير، أصبحت تساهم في تعميق تأثير المال على العملية الانتخابية. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها