حماسة الأهالي لإزالة الصور؟
في بيروت، الصورة ليست زينة، بل سلطة. اللافتة ليست إعلاناً، بل حكم. والراية، في نهاية المطاف، ليست قماشة، بل تصريح وجود. اليوم القرار، بحد ذاته، يبدو أشبه بإعلان نوايا. كأن الدولة تستعيد جرأتها، وتقرر رفع أعينها عن الأرصفة والجدران والأعمدة التي خضعت طويلاً لحكم الصور. والأكثر إثارة، هو حديث محافظ بيروت مروان عبود لـ"المدن"، حيث أكد وجود تجاوب من الأهالي، بل وحماسة غير متوقعة. ذاكرا أن "من كان يرفع الرايات، هو نفسه اليوم يساعد في إنزالها. لا اعتراضات. لا مشاكل".
الصور في لبنان لم تعد وسيلة تعبير، بل أصبحت بنية عمرانية موازية بحد ذاتها. هي ليست مجرّد لافتات أو شعارات، بل كتل بصرية تُزاحم المباني، وتشارك الأرصفة، وتفرض نفسها على الفضاء العام كعلامات سيادية لا يجوز المسّ بها. إنها سلطة ملوّنة، منتشرة، دائمة الحضور، لا تزول إلا لتحلّ محلّها صورة أُخرى أكثر "حداثة"، أكثر تهديداً، أو أكثر تماهياً مع اللحظة السياسية الجديدة. وهكذا صار اللبناني لا يهتدي إلى منزله عبر إشارات المرور أو أسماء الشوارع، بل عبر صورة "السياسي" عند أول المفرق، وراية الحزب على العمود الثالث، وبوستر الزعيم الذي يبتسم بثقة فوق السوبرماركت. الصور لم تعد زينة عابرة أو إعلانًا ظرفيًا، بل تحوّلت إلى معالم ثابتة. إلى درجة أنه، إن تمّت إزالتها فجأة، قد يضيع الناس في الطرقات، ويشكّون في أماكن بيوتهم.
الحملة ستشمل كل المناطق
وحول هذه الحملة يشرح المحافظ عبود أنها تشمل حالياً الطريق الممتد من وسط بيروت إلى مطار رفيق الحريري، "من أجل المسافرين العائدين إلى لبنان". فذاك العائد أو الزائر يجب أن يمرّ من تحت سماء نظيفة من الصور والتشوه البصري، ليشعر أن الدولة عادت، وأنها تمسك بزمام الأمور، كما قال.
المفارقة أن الحملة لا تستثني أحدًا. لا "ضاحية" هنا، ولا "أشرفية" هناك. لا "مربعات أمنية" ولا "تحصينات طائفية". ففي كلام المحافظ، لا رماديات: "كل المناطق، كل الأعلام، لا استثناء". رايات "القوات اللبنانية" في الأشرفية، كما صور الزعماء في بيروت الغربية... الجميع مشمول بالحملة.
يضيف عبود أن "ما كان يُعدّ الأصعب، من حيث الممانعة السياسية أو التهديدات الأمنية، قد انتهى وتجاوزناه. ولم يبقَ سوى المسألة التقنية لتنفيذ القرار في سائر المناطق".
للوهلة الأولى، يبدو الأمر أشبه بحلم المدينة المتساوية: لا تفوّق لفصيل على آخر، لا لون يعلو على لون، لا مقدّسات على الحائط تمنعك من إعادة طلائه. وكأن لبنان، فجأة، خرج من صراعاته الأبدية، واتفق مع نفسه على هدنة بصرية. هدنة لا تحتاج إلى طائف جديد، ولا إلى طاولة حوار، فقط قرار إداري وجرافة بلدية.
هذه الخطوة، ولو أتت متأخرة، ليست تفصيلاً. إنها إعلان رمزي، وربما خجول، لمحاولة استعادة السيادة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها