السبت 2025/04/12

آخر تحديث: 00:07 (بيروت)

"حرّاس الطوائف" خارج "فوج حرس بيروت": نهاية الوساطات والزبائنية

السبت 2025/04/12
"حرّاس الطوائف" خارج "فوج حرس بيروت": نهاية الوساطات والزبائنية
تحول الفوج بفعل المحاصصة الطائفية والحزبية مؤسسة "تنفيعات" لجمهور الطوائف (حسين خريس)
increase حجم الخط decrease
كان كل شيء مبعثرًا في فوج حرس بيروت. الباحة الخارجية كانت موقفًا للسيارات، والبوابة كانت بلا حارس، كثير من العسكريين خارج دوام. والكثير منهم لا ينتمون إلى المؤسسة بل إلى الزعيم الذي وظّفهم.

تغيّر المشهد مع انتخاب الرئيس جوزف عون، الدولة التي عادت من المرافق الحيوية والمؤسسات حضرت في فوج حرس بيروت. مواقف السيارات التي يملكها عسكريون موالون للطوائف تحوّلت ساحة وطنية يجتمع فيها الأفراد والرتباء والضباط تحت راية العلم اللبناني، وهي خطوة لم تشهدها أجيال الفوج الجديدة.
التغييرات الشكلية التي تضمنت وجود حراسة مسلحة لمبنى الفوج الكائن في منطقة المدوَّر في العاصمة هي انعكاس لتغييرات أكثر عمقًا تتمثل في جعل الفوج موجودًا على خارطة بيروت الأمنية والعسكرية.

من المفترض أن يكون فوج حرس بيروت استنادًا إلى القانون، قوة مسلحة ترتبط بمحافظ بيروت، ويؤدي رجال الفوج وهم مرتدون الألبسةَ العسكرية الرسمية ويحملون الأسلحةَ النظامية مهمات حماية المؤسسات والممتلكات العامّة ومنع السرقات والتدخل عند وقوعها وتسليم المرتكبين للقوى الأمنية.

لكنَّ هذا الفوج تحوّل بفعل المحاصصة الطائفية والحزبية مؤسسة "تنفيعات" لجمهور الطوائف والأحزاب، وتطور لاحقاً إلى هجين طائفي وسياسي فوضوي على قاعدة أنَّ "الأقوى واسطة" هو المحظيّ أكثر من غيره براتب من دون دوام.

عسكرة الفوج
في الثامن والعشرين من شباط الفائت، عُيّن العميد عباس الحسيني رئيسًا لفوج الحرس، وصُدم بغياب عشرات العناصر عن الخدمة بشكل تامّ فاستدعاهم جميعاً. وكان الغائبون عن الخدمة من المنتمين إلى الأحزاب، وغالبيتهم دخلوا البلدية عبر الواسطة.

إنهالت الاتصالات على العميد الحسيني من نواب الطوائف من أجل غضّ النظر عن تخلّف العناصر التابعة لهم عن الدوام، فكان الردّ بأنَّ من لا يرغب في الدوام فليترك السلك لغيره، لأن الدوام أصبح ربع دوام في الدوائر الرسمية ولا عذر لغائب.

العميد الحسيني، الآتي بتكليف من الرئيس جوزف عون لإنجاز مهمة "نفض الفوج" وإعادة تموضعه في الموقع الذي أٌسِّس من أجله، نفَذ من معارك نهر البارد التي جرت عام 2008 في شمالي لبنان، لكنه لم ينفذ من غضب الضباط المحازبين والطائفيين الذين أزعجهم تحويل الفوج فوجًا يشبه أفواج الجيش اللبناني، فاتّهموه بالاستعراض لأنه أعاد تسيير الدوريات في الشوارع وطالب بتسليح الأفراد بناء على مادة قانونية صريحة.

تبوأ الحسيني مناصب استشارية في المحكمة الدولية، كان وجوده يشكل إزعاجًا كبيرًا للعقلية اللبنانية السائدة في الوظائف الرسمية بسبب التزامه بالدوام الكامل في الفوج حيث كان يداوم خمسة أيام في الأسبوع، بينما يداوم الأفراد ثلاثة أيام أسبوعيًا.

جمع الرئيس الجديد للفوج 422 عسكريًا، وكان من بينهم عشرات يتقاضون رواتبهم ب"الحرام" باعتبار أنها أموال من دون أي جهد مبذول في سبيل خدمة الدولة. استخدم صلاحياته القانونية بجدولة كل شيء، الدوامات المهمات، الآليات، التفتيش، أعاد هيكلية تنظيم الفوج الذي بات مؤلفًا من 10 مفارز. تشدد في عملية حراسة أملاك بيروت التي يبلغ عددها 17 مكانًا بين حدائق وأحراج وأبنية تراثية وأملاك بلدية، ووضع تفتيشًا على التفتيش ومراقبين على الرقابة.

تقليص المهمات
في الواحد والعشرين من فبراير شباط عام 2024، طلب المجلس البلدي من محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود، وقف إقامة الحواجز على الطرقات من قبل فوج الحرس بذريعة حاجة الفوج إلى التدريب وتزويده بالمعدات والأجهزة اللازمة لحماية الأفراد.
مصدر أمني أكد لـ"المدن" أن الضابط الذي كان مسؤولًا عن ضبط الدراجات النارية غير المسجّلة كان يرفض تدخل الأمنيين والعسكريين وأعضاء من المجلس البلدي لترك المخالفين "بالأملية" الأمر الذي ضاعف النقمة عليه.

المصدر يؤكد أنه وثّق كل التدخلات التي كانت تهدف إلى إفلات مخالفين للقانون من قبل عضو في المجلس البلدي، وهو نفسه الذي أثار المشكلة داخل المجلس واقترح إزالة الحواجز عن الطرقات.

التنافس بين الأجهزة الأمنية في تحقيق الإنجازات سبب آخر لاستبعاد فوج الحرس من الطرقات، رغم امتلاك الأخير صلاحيات ضبط الأمن وتسليم المخلّين بالأمن إلى قوى الأمن الداخلي واستخبارات الجيش.

ويشير المصدر إلى أن أفراد حرس بيروت كانوا يتعرضون أحيانًا للمضايقات بعد تسليمهم لمرتكبين ومخالفين للقانون، من خلال حجزهم من قبل القوى الأمنية، التي كانت توقفهم في الفصيلة إلى حين التأكد من نشراتهم الأمنية! وهو الأمر الذي أدى إلى تراجع حماسة العناصر من الحرس عن العمل في الشارع لضبط الأمن.

وزير الداخلية أحمد الحجّار من جهته أكد لـ"المدن" أنَّ موضوع الاستعانة بعناصر فوج الحرس هو قيد الدرس، مشيرًا إلى أنَّ العمل جارٍ على إعادة تدريب العناصر وتزويدهم بالمعارف والمهارات المطلوبة، ليتمكنوا من القيام بمهماتهم باحترافية وفاعلية.

أزمة إمكانات
لا يتلقى فوج حرس بيروت أي دعم مادي من المجلس البلدي، وكل ما في المبنى التابع للفوج كان بمثابة تقديمات وهِبات من الجمعيات. لا يزال من دون غرفة عمليات رغم حاجته إليها باعتبارها رأس الفوج، لكنه موعودٌ بمتبرع لإنجازها الأمر الذي يسهّل ضبط الأمن والتنسيق مع الأجهزة الأمنية الأخرى تزامنًا مع ارتفاع منسوب جرائم السطو المسلح في منطقتي الأشرفية وقصقص.

أما على صعيد الأفراد، فإنَّ المادة 55 من النظام الداخلي تصنّف الحرس على أنهم قوة تساند الجيش والقوى العسكرية الأخرى، عند إعلان حال الطوارئ وتمنح الذين هم في الخدمة الفعلية التعويض نفسه الذي يُمنح لرجال القوى الأمنية. إلا أن هذه المادة بقيت في الإطار النظري، حيث يتلقى الفرد في الحرس "بدل أخطار" من المجلس البلدي بقيمة 3 دولارات شهريًا! وراتب الفرد لا يتخطى ال500 دولار أميركي، وهو لا يحظى بخدمة الاستشفاء، أما الشهيد، فراتب عائلته 190 دولارًا أميركيًا.

سيّر الحرس دوريات على نفقة الأفراد الخاصّة على مدى 6 أيام في رمضان الفائت بسبب الحاجة إلى الوقود، وعدم توقيع السلف من قبل المراقب العام المالي في بلدية بيروت، الأمر الذي يعيق تنفيذ مهمات الفوج في إقامة الدوريات والتفتيش والمؤازرة لمصالح البلدية ودوائرها.
لم يبخل محافظ بيروت القاضي مروان عبود بتقديم الدعم المعنوي والمادي عبر متبرعين، كما تؤكد مصادر من الفوج، لكنّ الدعم الأكبر يُنتظر من المجلس البلدي الجديد الذي سيجري انتخابه في  أيار المقبل بالدرجة الأولى، ويأتي بعده دور وزير الداخلية أحمد الحجّار وقائد الجيش رودولف هيكل، اللذين توليّا مسؤولية إعادة المؤسسات الأمنية الأكثر تعقيدًا إلى كنف الدولة وأكدت تقارير دولية نجاحهما في المهمة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها