الجمعة 2025/04/11

آخر تحديث: 12:53 (بيروت)

إضراب المعلمين وإشكاليات الموازنة: "التربية" عاجزة والعام الدراسي يترنّح

الجمعة 2025/04/11
إضراب المعلمين وإشكاليات الموازنة: "التربية" عاجزة والعام الدراسي يترنّح
لم تلحظ الموازنة حقوق الأساتذة الأساسية ولا الإنفاق المستجد في وزارة التربية (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
بدأت روابط المعلمين في القطاع الرسمي (تعليم أساسي وثانوي ومهني) إضراباً مفتوحاً بدءاً من صباح اليوم 11 نيسان. يأتي هذا التصعيد مهدداً ما تبقى من العام الدراسي، والامتحانات الرسمية، خصوصاً أن وزارة التربية والحكومة لم تجدا حلولاً للمطالب، لناحية رفع الأجور والمساعدات الاجتماعية، ولا سيما للأساتذة المتعاقدين الذين يشكلون غالبية الهيئة التعليمية. ويتزامن دخول قطاع التعليم الرسمي مجددًا في حلقة من الإضرابات، نتيجة إجراءات غير مستدامة وحلولاً مجتزأة ومتراكمة منذ عقود، ساهمت في تدني، بل إنهيار، الأجور وأنظمة العمل والحماية الاجتماعية. هذا فيما حكومة الإنقاذ والإصلاح ما زالت تنتهج تغييب تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي لقراراتها، وتتعاطى قسرياً مع قرارات أساسية مثل إصدار الموازنة العامة، وهي تركة ثقيلة ومدمرة لبياني رئيس الجمهورية والحكومة الإصلاحيين.

الإنفاق وموازنة وزارة التربية
الإنفاق على التعليم وفذلكة الموازنة يترجمان الخطة العملية للحكومة. وللذكير كانت الحكومات السابقة تصدر موازنات شبيهة بالحالية، ثم تصطدم بالواقع وتذهب بعدها نحو سلف الخزينة غير القانونية لسد الثغرات. لكن ما كان يحصل بالأمس شبيه بما يحصل اليوم. فأولى تداعيات إصدار مرسوم الموازنة، التي أعدتها الحكومة السابقة، هو إضراب المعلمين والمعلمات التحذيري والمفتوح. ذاك أن الموازنة لم تلحظ حقوقهم الأساسية فأوقعت قطاعًا أساسياً في أزمة وأنهكت بالتالي عملية الإصلاح والإنقاذ.

وإلى إشكالية عدم لحظ حقوق الأساتذة في الموازنة تضاف إشكالية مالية لم يلتفت إليها القيّمون على الحكم. فنشر القوانين الثلاثة، التي امتنع الرئيس ميقاتي عن نشرها، ولاسيما قانون الإيجارات الجديد، أتى ليثقل موازنة وزارة التربية والموازنة العامة عموماً. فإيجارات المدارس الرسمية والمكاتب تبلغ نحو 2.5 مليون دولار، كما ورد في موازنة التربية، لكن بعد تطبيق قانون الإيجارات، بدءاً من تاريخ النشر (نيسان 2025)، ستتضاعف قيمة الإيجارات، ومخصصاتها غير ملحوظة في الموازنة.

وعليه، وزارة التربية أمام إشكاليتين كبيرتين. إشكالية تأمين حق العيش الكريم للمعلمين، المضربين عن العمل، وإشكالية تأمين المال لسد ثغرة قانون الإيجارات الذي نشرته الحكومة من دون ملاءة مالية. فوفق الموازنة الحالية لا حل إلا بتجاوز القانون مجددًا بالذهاب إلى سلف الخزينة، في حال لم تعيد الحكومة مجتمعة مع وزير المال النظر بالموازنة لتعديلها.

إشكالية عدم التنسيق الوزاري
سلوك الحكومة يشير إلى أنها عاجزة، لأسباب مختلفة، عن وضع وفرض خطة إصلاح واضحة وصريحة في قطاعات أساسية كالتعليم. ولم يبدر عن أي وزارة ولا الحكومة، حتى اليوم، نهج أو نشاط أو رؤية رائدة في الإصلاح. فوزارة المالية لم تعدّل موازنة الحكومة السابقة فعلياً، بل أبقت على التوزيع غير العادل في الإنفاق والمساعدات الاجتماعية والإستثمارات. ولم تلجأ إلى موازنة تقشفية بالرغم من الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة عالمياً. ليس هذا فحسب، بل بعد طلب رئيس الحكومة من الوزارء إعداد مراسيم تطبيقية للقوانين غير المنفذة، سيكون مصير تمويل بعض القوانين مجهولاً: قانون صندوق الإيجارات للأماكن السكنية، وقانون الـ 500 مليار مساعدات للمدارس الرسمية وأهالي الطلبة في المدارس الخاصة (350 مليار للمدارس الخاصة و150 مليار للرسمي). والسؤال الذي يطرح: كيف ستسدد وزارة التربية مستحقات المدارس المجانية المتأخرة، وتأمين الأموال للإستملاكات التي لم تدفع منذ عشرات السنوات، ودفع مستحقات البلديات من الصندوق البلدي المستقل؟

إلى عدم اتضاح نهج إصلاحي واضح لدى الحكومة، يلاحظ انعدام التنسيق بين وزارء الحكومة. فلم نشهد اجتماعات تنسيقية لتوحيد الرؤى والأنشطة الوزارية والإستثمارات المتقاطعة، كتلك التي يفترض أن تقوم بين وزارة التربية والشؤون الاجتماعية نظراً لتداخل الإنفاق بين القطاعين. وهنا لا بد من التطرق إلى نظام المنح والتقديمات المدرسية والصناديق التي تفوق قيمتها موازنة وزارة التربية. وهي تذهب بمعظمها للقطاع التعليمي الخاص، وهذا بمعزل عن هدر المال العام الناتج عن غياب الرقابة المالية على أقساط التعليم الخاص.

عوضاً عن تخفيض الدولة مساهمتها في المنح المدرسية، التي تذهب للقطاع الخاص، ولو بنسبة نحو 10 بالمئة من تعاونية موظفي الدولة وغيرها من الصناديق، ارتفعت نسبة المنح للعام الحالي. كان بإمكان استخدام نسبة تخفيض المنح في تغطية المساعدات الاجتماعية للمعلمين، لكن حصل العكس وزادت نسبة المنح. وعليه ما زلنا في لبنان أسرى القرارات المتسرعة، عوضاً عن اتخاذ قرارات وفق رؤية تعاضدية، وتعاونية وتشاركية بين الوزارات بهدف تقليص الإنفاق المهدور، وضمان فعاليته وإحقاق العدالة بين المواطنين. بمعنى آخر، كان يفترض عقد اجتماعات لفهم التقاطعات بين أنشطة الوزارات واتخاذ إجراءات فعّالة لرفعها لمجلس الوزراء، كي تعيد القرارات المتخذة الأمور إلى نصابها. فالموازنة العامة هي ترجمة لأنشطة الوزارات، التي تعمل كل منها بشكل منفرد.

في المحصلة، خيارات حكومة الإنقاذ والإصلاح الحالية محدودة. فتماشياً مع إلتزامها بتطبيق القانون، سيتحتم عليها اختيار بين خيارين. الخيار الأول هو الإبقاء على الموازنة كما هي، وبالتالي مخالفة القانون بالذهاب إلى سلف الحزينة لتسيير العام الدراسي والإدارة العامة (يجب أن يقترن هذا الأمر بإعداد موازنة للعام المقبل تتضمن برنامج سداد السلف والمستحقات والمتأخرات). والخيار الثاني سحب الحكومة للموازنة، التي أقرتها بمرسوم، بسبب الثغرات البنيوية، وإعداد موازنة بمقاربة جديدة لنصف السنة اللاحق، تحقق استقرارًا في قطاعات أساسية كالتعليم. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها