عادت آثار التغيّر المناخيّ لتتصدر واجهة الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مجدّدًا، مع اندلاع سلسلةٍ من الحرائق المبكّرة خلال الأسبوع الماضي في لبنان وتونس، تزامنت مع ارتفاعٍ غير مسبوق في درجات الحرارة، في مؤشرٍ واضح على تعمُّق الأزمة المناخيّة في المنطقة.
وأصدرت منظمة "غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، في هذا السّياق، بيانًا دقّت فيه ناقوس الخطر، معربةً عن قلقها الشديد إزاء توقيت هذه الحرائق المبكرة، والّتي أتت قبل بداية موسم الحرائق المعتاد في فصل الصيف. وأشارت المنظمة إلى أنّ ما جرى هو تأكيد جديد على ارتباط موجات الحرّ والظواهر المناخيّة المتطرفة بالتغيّر المناخيّ الناجم أساسًا عن النشاط البشريّ والصناعيّ.
وخلال الأسبوع الماضي، اندلع حريق مساء الأربعاء في أحراج منطقة حريصا اللّبنانيّة، تبعه حريق آخر يوم السبت في منطقة جبل لبنان، وسط موجة حرٍّ غير اعتياديّة استمرت لأسبوعين. وفي تونس، نشب حريق يوم الجمعة في منطقة غابية بمدينة طبرقة، ملتهمًا نحو ثلاثة هكتارات من الأعشاب اليابسة وأشجار الصنوبر.
وأكدّت كنزي عزمي، مسؤولة حملة "الملوّث يدفع" في منظمة "غرينبيس"، أنّه رغم تمكن فرق الدفاع المدنيّ من احتواء الحرائق دون تسجيل خسائر بشريّة، فإن هذه الأحداث تعكس الواقع الخطير الذي تفرضه أزمة المناخ. وأضافت: "الحرارة الشديدة وموجات الحرّ غير المعتادة تساهم في جفاف التربة، ما يخلق بيئة مثالية لاندلاع وانتشار الحرائق، الّتي قد تبدأ أحيانًا بتصرف بسيط، مثل رمي عقب سيجارة أو عدم إطفاء نار مخيم بشكلٍ تام".
وأوضحت عزمي أنّ "بعض الحرائق تُعزى إلى نشاطات بشريّة أو ظروف طبيعيّة، لكن هناك إجماعًا علميًّا واسعًا على أنّ التغيّر المناخيّ يزيد من وتيرة وشدّة هذه الحرائق". ولفتت إلى أنّ تغيّر المناخ في المنطقة يؤدي إلى موجات جفافٍ طويلة، وتصحّر، وتراجع الأمطار، ما يزيد من احتمالات وقوع الحرائق.
حالة طوارئ بيئيّة
من جهتها، كانت الحكومة اللّبنانيّة أعلنت في وقت سابق حالة طوارئ في قطاع الغابات، إذ كشف وزير الزراعة اللّبنانيّ في أواخر آذار الماضي عن سلسلة تدابير لحماية الغطاء النباتيّ. فيما أعلنت وزيرة البيئة تمارا الزين أنّ الوزارة بصدّد وضع اللمسات الأخيرة على مشروع يهدف للحدّ من مخاطر الحرائق، لا سيّما في جبل لبنان وعكار، بسبب الظروف المناخيّة الراهنة، خصوصًا الرياح الخماسينيّة القويّة.
وتابعت عزمي قائلة: "نُثمّن الإجراءات الّتي أعلنت عنها وزارة الزراعة اللّبنانيّة ووزارة البيئة للحدّ من مخاطر الحرائق وحماية الغطاء النباتي في البلاد، لكن علينا أنّ ندرك جيدًا أنّ دولنا وحدها غير قادرة على مواجهة الأزمة المناخيّة المتفاقمة من دون دعمٍ دوليّ حقيقيّ". ووجّهت عزمي في هذا السّياق انتقادًا حادًّا للدول المتقدمة الّتي اعتبرتها مسؤولة تاريخيًا عن أزمة المناخ بسبب انبعاثات الغازات الدفيئة، داعيةً إياها إلى تحمّل مسؤولياتها عبر تمويل مشاريع التكيّف المناخيّ في دول الجنوب وتعويض المجتمعات المتضرّرة.
وأضافت: "فيما تحقّق شركات الوقود الأحفوري العالمية مثل "توتال" و"إيني" و"شِل" أرباحًا ضخمة تصلّ إلى مليارات الدولارات، فإنّ مجتمعاتنا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تدفع اليوم الثمن الباهظ لأزمة لم تكن مسؤولة عن خلقها. يجب على حكومات الشمال العالميّ فرض ضرائب على هذه الشركات وإلزامها بتقديم تعويضات عاجلة للمجتمعات المتضرّرة". وختمت عزمي البيان قائلة: "أزمة المناخ ليست قادمة في المستقبل، إنّها هنا بالفعل. ومجتمعاتنا الّتي تقف في الصفوف الأماميّة لمواجهة آثارها، لا ينبغي أن تُجبر على دفع الثمن".
واقع مناخيّ متدهور
وتأتي هذه الحرائق في ظلّ واقعٍ مناخيّ متدهور يعيشه لبنان والمنطقة، شهدت فيه دولٌ عربيّة عدّة كوارث طبيعيّة، فيما يعاني لبنان من موجات قيظٍ وتغيرات مناخيّة حادّة، أثرت على حياة السكّان والزراعة والبنى التحتية، ما يجعل الاهتمام بقضية المناخ ضرورة ملحّة لا يمكن تأجيلها بعد اليوم. وتزداد المخاوف الشعبيّة من تداعيات الأزمة المناخيّة الّتي بدأت تترك آثارها الواضحة على الحياة اليومية للسكّان، من شوارع بيروت الّتي تغمرها مياه الأمطار غير الموسميّة، إلى تلف المحاصيل الزراعيّة بفعل البَرَد المفاجئ، والتقلبات الحادّة في الطقس بين الحرارة الشديدة والمناخ شبه الاستوائيّ.
ويُبدي خبراء ومواطنون على حدٍّ سواء مخاوفهم من أنّ يؤدي استمرار تجاهل قضية المناخ وعدم التعامل معها كأولوية إلى تفاقم الأزمات البيئيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة في البلاد، لا سيّما مع تزايد احتمالات الحرائق ونقص المياه والخسائر الزراعية، الّتي باتت تشكل تهديدًا جديًا للأمن الغذائي والاستقرار في المنطقة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها