في مشهدٍ يتكرّر منذ أكثر من عقد، عاد أساتذة الجامعة اللبنانية المتعاقدون إلى الشارع. دعوةٌ جديدة وجّهتها لجنة الأساتذة المتعاقدين للتجمّع أمام الإدارة المركزية للجامعة، على أمل أن يُرفع أخيراً ملفّ تفرّغهم إلى الحكومة. أملٌ تَجدَّد مع العهد الجديد، بعد وعدٍ قطعه رئيس الجمهورية جوزاف عون. لكنّ الأساتذة الذين اعتادوا الوعود يدركون أنّ العقبات السياسية والطائفية والمالية لا تزال هي ذاتها، راسخةً مثل جدران الجامعة التي يعملون فيها منذ سنوات بلا استقرارٍ وظيفي.
عقبات كثيرة
منذ عام 2014 لم يحصل أيّ تفرّغ جديد في الجامعة اللبنانية. بعض الأساتذة تقاعدوا من دون أن يُفرَّغوا، وبعضهم الآخر ينتظر منذ عام 2008. يعيشون على الوعود، ويعملون في ظلّ نظامٍ هشّ يجعلهم بلا بدل نقل، بلا طبابة، ولا مساعدات اجتماعية. الملفّ الذي يُفترض أن يُنصفهم ظلّ يتنقّل بين المكاتب من دون أن يصل إلى مجلس الوزراء.
ملفّ المتعاقدين نفسه مثقلٌ بالعقد. ثمّة مشكلة مالية، وعدد الأساتذة كبير. وثمّة أيضاً عقدةٌ طائفية، إذ إنّ غالبية المتعاقدين من الطائفة الشيعية، ما يجعل الملفّ محاطاً بحساسياتٍ حزبيةٍ وسياسيةٍ متشابكة. مؤخراً، طلب بدران من الكليات إعادة تقديم الطلبات لجميع الأساتذة الراغبين بالتفرغ. وقد تبين أن هناك أخطاء في تكرار الأسماء في أكثر من كلية. وكأنّ الدائرة عادت إلى بدايتها. وبحسب معلومات "المدن"، فإنّ وزيرة التربية ريما كرامي كانت تطلب منذ مدة من رئيس الجامعة اللبنانية بسام بدران تسليم ملفّ التفرّغ، لكنه كان يماطل. وأمس، سُرِّبت معلومات عن أنّه سيُسلّم الملفّ اليوم، غير أنّ الوزيرة خارج البلاد.
معاناة الأساتذة
في كلمتها ممثّلةً لجنة الأساتذة المتعاقدين، شدّدت الدكتورة رولا يوسف على أنّ الأساتذة "انتظروا بما فيه الكفاية"، مشددة على أنهم "لن يقبلوا بعد اليوم بأيّ تبرير أو تأجيل. نريد الملف فوراً، في أقصر رحلةٍ له نحو الإقرار. وإن عادت المماطلة تحت أيّ ذريعة، فسنواجهها بكل الوسائل الديمقراطية المشروعة، وفي مقدمتها الإضراب."
لطالما عانى أستاذة الجامعة اللبنانية المتعاقدون من أجر ساعة هزيل، وبعدم حصولهم على تأمين صحي وضمان اجتماعي. وفي هذا السياق، تقول الدكتورة حمدة فرحات، التي تُدرّس في الجامعة اللبنانية منذ عام 2010، لـ"المدن": "الاعتصام اليوم هو دعمٌ لملفّ التفرّغ لتسليمه إلى وزيرة التربية. منذ سنة 2014 ونحن ننتظر أن نحصل على حقوقنا."
أما الدكتور حامد حامد فيضيف "المعاناة طويلة ومستمرة. ما نعانيه منذ عشر سنوات ما زلنا نعانيه اليوم. نريد إرسال ملفّ التفرّغ من الجامعة إلى الوزارة. الأستاذ المتعاقد بلا استقرار، لا بدل نقل، لا طبابة، ولا أي مساعدة اجتماعية."
من جهتها، تقول الدكتورة سامية سلوم، التي مرّ على عملها في الجامعة اثنتا عشرة سنة: "كل سنتين يقولون إنّ هناك تفرغاً، ولم يحصل شيء. التفرّغ حاجةٌ للجامعة مثلما هو حاجةٌ لنا. نريد الوصول إلى الجامعة، لكن تكاليف الطريق لم تُدفع منذ ثلاث سنوات. عملُنا يُموّل الجامعة أكثر ممّا تنتج هي".
وهكذا يعود الملفّ من جديد إلى واجهة الجامعة اللبنانية، كما يعود السؤال نفسه منذ أكثر من عقد: هل يُكتب له أن يُفتح فعلاً هذه المرّة، أم سيُضاف إلى سلسلةٍ طويلة من الوعود المعلّقة؟
