في إنجاز ثقافي وسياحي طال انتظاره، أنهت دائرة الآثار والمتاحف في محافظة اللاذقية أعمال ترميم وتجميل حديقة المتحف الوطني، بالإضافة إلى تحسين واجهة الصرح الأثري لأول مرة منذ عام 2013، أي بعد مرور 13 عاماً كاملاً من التوقف عن أعمال صيانة أو التطوير.
يُعد المتحف الوطني في اللاذقية أحد أبرز المعالم الثقافية والسياحية في المحافظة، ووجهة مفضلة لآلاف الزوار من داخل اللاذقية ومن محافظات سورية أخرى، حيث يحتضن مجموعة استثنائية من القطع الأثرية التي تمتد عبر حقب زمنية متعددة، تعكس تاريخ المنطقة العريق ودورها الحضاري الكبير، خصوصاً أن اللاذقية تُعرف تاريخياً بـ"مهد الأبجدية" بفضل اكتشاف ألواح أوغاريت التي غيرت فهم البشرية لنشأة الكتابة.
شملت الأعمال المنفذة زراعة مئات الورود والنباتات المزهرة، صيانة شاملة للمقاعد والمسارات، تركيب نظام إنارة حديث لواجهة المتحف، وتنسيقاً جمالياً للحديقة الخارجية التي تُوصف بأنها "من أجمل الحدائق المتحفية في سوريا. ونفّذ المشروع بتعاون وثيق بين دائرة الآثار والمتاحف وفرق المجتمع المحلي التي ساهمت بجهود تطوعية وفنية، مما أضفى طابعاً شعبياً على العملية وأكسبها دعماً مجتمعياً واسعاً. ومنذ إعادة الافتتاح، شهد المكان تدفقاً ملحوظاً للزوار منذ ساعات الصباح الأولى وحتى الإغلاق المسائي، في دلالة واضحة على عودة الروح إلى هذا الصرح الذي كان يعاني من الإهمال لسنوات طويلة.
أشار محمد ممدوح الحسن، رئيس دائرة الآثار والمتاحف باللاذقية في حديث لـ"المدن"، إلى أن أعمال التأهيل والتحسين شملت حديقة المتحف الوطني في اللاذقية التي تعتبر من أجمل حدائق المتاحف في سوريا، موضحاً أن المتحف يعرض العديد من القطع الأثرية التي تعود لحقب زمنية مختلفة.
وأوضح أن الأعمال المنجزة اقتصرت على الحديقة المتحفية فقط، في حين شملت واجهات المتحف أعمال إنارة جديدة، وأن التنفيذ تم بالتعاون مع فرق المجتمع المحلي التي ساهمت بزراعة الورود وصيانة المقاعد وتنفيذ أعمال الكهرباء، مضيفاً أن الحديقة لم تشهد أي عمل منذ عام 2013، أي منذ 13 عاماً. وأكد الحسن أن ما نشهده اليوم من حركة وزوار ضمن الحديقة المتحفية منذ الصباح وحتى المساء يعكس عودة الحياة إلى المكان بعد فترة طويلة من التوقف، معرباً عن امتنانه لكل من ساهم في إنجاز العمل.
ولفت الحسن إلى أن التركيز كان على إعادة إحياء الحديقة كمساحة حية تتكامل مع القيمة الأثرية للمتحف، مشيراً إلى أن نظام الإنارة الجديد يبرز جمال الواجهة ليلاً، مما يفتح الباب أمام فعاليات مسائية مستقبلية. وأضاف أن عودة الزوار اليومية تعكس نجاح المشروع في استعادة الثقة المجتمعية بالموقع، وأن الدائرة تتطلع لتوسيع نطاق الأعمال في مراحل لاحقة لتشمل صالات العرض الداخلية.
رمزية كبيرة
من جانبه، عبّر الزائر شادي العوينة عن سعادته بإعادة افتتاح المتحف قائلاً إن متحف اللاذقية له رمزية كبيرة بالنسبة للأهالي في المحافظة، وحتى بالنسبة للسياح الذين يأتون من مختلف المناطق، فاللاذقية مهد الأبجدية التي كان لها أثر كبير على العالم. وأوضح أن المتحف يمثل الواجهة الحقيقية للمدينة القديمة، وأن الأعمال التي أُنجزت فيه من تجميل الحديقة وأماكن الاستراحة تشكل خطوة مهمة لتحسين واجهة المدينة.
وأشار إلى أن إعادة افتتاح المتحف وتأهيل الحديقة الخارجية، التي تُعد من أجمل الحدائق في سوريا وليس في اللاذقية فقط، كانت مناسبة سعيدة لجميع الزوار الذين أبدوا فرحهم بهذه العودة، متمنياً أن يشهد المتحف إقبالاً متزايداً من الناس للتعرف أكثر على حضارة اللاذقية من خلال هذه الواجهة السياحية المتجددة.
ذاكرة حية
وأضاف العوينة أن المتحف ليس مجرد مبنى أثري، بل هو ذاكرة حية للمدينة، وأن تجميل الحديقة أضاف بعداً جمالياً وبيئياً يشجع العائلات على قضاء أوقات أطول في المكان. ودعا إلى إطلاق حملات ترويجية لجذب المدارس والجامعات لزيارة المتحف، مؤكداً أن مثل هذه المشاريع تعزز الوعي الثقافي وتساهم في تنشيط السياحة الداخلية، خاصة في ظل التحديات التي مرت بها البلاد.
ويبقى المتحف الوطني باللاذقية شاهداً على قدرة المجتمع على إعادة البناء والتجديد، مع آمال بأن تتبع هذه الخطوة مشاريع أخرى تحافظ على الإرث الحضاري وتجعله رافداً أساسياً للسياحة والتعليم في المحافظة.
