الإصلاح التربوي في المدارس الرسمية ودور النقابات

نسرين شاهينالسبت 2025/11/01
1.jpg
أي خطة تربوية إصلاحية لن تنجح من دون المعلم(فضل عيتاني)
حجم الخط
مشاركة عبر

  اتخذ مفهوم العدالة عدة تعريفات إلا أن جميعها يشير إلى المساواة بين الأفراد بغض النظر عن اختلافهم واختلافاتهم وإلى تطبيق القانون والأمن والسلام والرخاء للإنسان.

   وإن وضع لبنان على سكة العدالة في التعليم عبر مشاركته وتوقيعه على مواثيق دولية وتشريع قوانين محلية وإقرار برامج وخطط بالمشاركة مع منظمات  دولية عدة منها: اليونيسكو، واليونيسف، والبنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، برز منها مؤخرًا الخطة الخمسية وإصلاح المنهج وصندوق الانتقال والمرونة في التعليم (TREF) وشراكات ساهمت في تقديم القروض والهبات لدعم القطاع التعليمي... وإن قارنّا ما بين مبادئ أطر السياسة التربوية في لبنان ومبادئ وأهداف المشاريع التي نُفذت أو أُطلقت، ولا تزال قيد التنفيذ، نجد أنها تشمل العديد من المبادئ الأساسية المتعارف عليها في خطط الإصلاح التربوي بشكل عام، كما يتضح مراعاة تكييف بعض الأهداف بحسب التوصيات الدولية الرامية إلى توفير التعليم للجميع بما يتلاءم مع الجيل الرابع من التعليم.  تقوم هذه التوصيات على:

1-    مهارات القرن الحادي والعشرين (التفكير النقدي،...)

2-    التعليم الرقمي والتكنولوجيا في التعليم (تعليم من بعد...)

3-    المساواة والشمولية (لاجئون، ذوو احتياجات...)

4-    الحوكمة والإدارة الفعالة

5-    التقييم المستمر والتعلم من البيانات.

6-    تعليم المواطنة العالمية، الاستدامة، والمفاهيم البيئية.

   إذا نظرنا إلى الإطار العام لمفهوم العدالة في التعليم ولدورها المركزي في بناء دولة المؤسسات، نجد أنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمواطنية، مفهومًا وممارسة وتعليمًا.

كيف يكون إصلاح المدرسة الرسمية في لبنان ؟

- هل بمزيد من الجهود لمواكبة سرعة التحولات والإصلاحات والتطورات العالمية؟

- هل بمزيد من الأوراق البحثية والمقترحات والقوانين؟

- هل في الاختيار والتفضيل ما بين البرامج المطروحة ووجهات النظر المتباينة؟

 

من أين نبدأ ؟

أمن  استكمال الخطة الخمسية، أم من إصلاح المناهج وتعويض الفاقد التعليمي، أم من تعزيز التعليم المدمج وتدريب المعلمين، أم  من تعزيز مهارات التعلم من بعد،  أم من اعتماد التعلم الرقمي؟

باختصار، هل مشكلة القطاع التعليمي الرسمي في لبنان كيفية الانتقال من التعليم 1.0 إلى 4.0 وإلى 5.0 ؟

مهما كانت خياراتنا لا يمكن مقاربة إصلاح التعليم الرسمي إلا في إطار مفهومنا لدور المدرسة الرسمية.

المدرسة الرسمية (مدرسة الوطن) لها دوران أساسيان على الأقل، وهما:

- تأمين ديمقراطية التعليم 

- بناء المواطنة الواحدة

وهما يتداخلان في التطبيق.

1-    ديمقراطية التعليم

   إن تطبيق الحق في التعليم تفترض ديمقراطية التعليم، أي قدرة كل شخص على الوصول إلى التعليم بغض النظر عن دخله أو عن أي ظروف أخرى، فضلًا عن توفر هذا التعليم بشروط متساوية من حيث الجودة،  والبنى التحتية، وكفاءة المعلمين... أي عدالة التعليم وليس تأمين مقعد دراسي وحسب.

لكنّ الواقع أن التعليم الرسمي هو خيار لغير المقتدرين ماليًّا، بسبب الشكوك بالجودة التعليمية التي يقدمها.

   ويعود إهمال التعليم الرسمي تاريخيًّا لعدة أسباب، وحاليًّا لأسباب تتعلق بتضارب المصالح بين الأحزاب الطائفية والدولة ما جعل موازنة التعليم محدودة ، بالتالي أُهملت البنى التحتية للمدارس وأُهملت حقوق المعلمين، كما أُهملت المناهج... وعوم التعليم الخاص على حساب التعليم الرسمي.

   هذا الأمر أدى إلى نفور أفراد المجتمع من المدرسة الرسمية بدلًا من انجذابهم لها وجعل نسبة تلاميذ الخاص أضعاف نسبة تلاميذ الرسمي، حتى الأساتذة الأكفاء كثيرون منهم يتجهون للتعليم الخاص بدلًا من التعليم الرسمي أو للهجرة.

 

2-    المواطنية

   النص الرسمي الأساسي الذي يمكن أن يعرفنا على مواصفات المواطنية هو الدستور اللبناني الذي ينص على احترام الحريات وحقوق الانسان وممارسة الديمقراطية... في حين تفتقر الحياة السياسية في لبنان إلى الحرية والديمقراطية والمدارس شبه محتلة وتعلم مواطنيات متناقضة ومتصارعة.

   والمواطنية لا تعني فقط معرفة الحقوق، بل ممارستها في الحياة اليومية، ليس خارج المدرسة فقط، بل داخلها، حيث يجري التدرب عليها وليس على نقيضها.

   لتحقيق ذلك لا بد من إشراك المتعلمين بعملية التعلم ليكتسبوا المهارة مع المعرفة، ولتصبح أساسيات المواطنية سلوكًا معتمدًا من قبلهم، ولا بد أن يكون ذلك عبر التفكير النقدي الذي هو أساس في تشكيل الوعي المرتجى.

 

التفكير النقدي

   التفكير النقدي  أساس التعليم 4.0، إذ  يجعل المتعلم شريكًا في انتاج المعلومة، والمعلم موجهًا لجعل المتعلم يكتشف المعلومة بنفسه. هل المنهاج المعتمد يُعزز التفكير النقدي؟ 

   في الواقع، إن اختبار PISA العالمي الذي جرى عام 2018 أعطانا الإجابة، بعدما صدرت نتائج 5614 طالبًا لبنانيًّا من 320 مدرسة رسمية وخاصة، 57.2 منهم مدارس رسمية .

   وجاءت النتائج ضعيفة وغير مرضية، إذ، من أصل 77 دولة مشاركة في الاختبار، جاء لبنان في المركز 73 في القراءة ، و71 في العلوم،  و67 في الرياضيات، وبشكل عام في المركز 74 من أصل 77 دولة.

   تكمن أهمية هذا الاختبار انه يقيس نوعية معرفة التلاميذ، ويركز على مهارات التفكير العالي والنقدي والإبداعي، والتحليل المنطقي، وحل المشكلات...

   كما أن عدة دراسات أجريت أشارت إلى ضعف مهارات التحليل والتفكير النقدي عند التلاميذ بشكل عام، ولاسيّما  الرسمي.

 

   في الواقع، غياب التفكير النقدي يعتبر غياب مكوّن أساس لشروط بناء المواطنية، بالإضافة إلى غياب شرط آخر رئيس،  هو اشراك المتعلمين في العملية التعليمية وسط بيئة تربوية تحفز ممارسة الحريات والديمقراطية. وأحدُ الأسباب الأساسية التي تتسبب بذلك، هو الواقع السوسيولوجي، حيث ثبت هيمنة الأحزاب السياسية على المدارس الرسمية، حيث أصبح يصح التحدث عن "فيدرالية التعليم"، إذ إن لا مصلحة للقيّمين على مدارس الطوائف بقيم المواطنية، ولا سيما الحرية والديمقراطية، التي إن اكتُسبت ستشكل خطرًا على مدارسهم وقيمهم وسلطتهم. 

 

انطلاقًا من هنا كيف يمكن الخروج من هذين الواقعين:

-      غياب ديمقراطية التعليم بمفهومها الحقيقي

-       غياب المواطنة الواحدة 

 

دور النقابات 

    تخضع النقابات في لبنان بشكل عام إلى السلطة السياسية التي تتقاسمها،  ومنها روابط المعلمين التي يتبع أعضاؤها معظم الاحزاب السياسية.

   الأحزاب اللبنانية متواجدة في الحكومة، والمجلس النيابي، والمكاتب التربوية (الحزبية)، والنقابات، وبالتالي الأفرقاء هم  أنفسهم في مواقع القرار المختلفة.

 

للنقابات دور مهم وأساس في المعارك المطلبية لتحقيق العدالة الاجتماعية. ونقابة المعلمين هنا يجب ان تقوم بدورها على مستويين:

- تحصيل الحقوق.

- المشاركة في السياسات التربوية والمالية، لتتمكن من نقل رؤيتها التربوية ، بما يدفع أصحاب القرار الى فهم عمق دور المعلم، إذ إنه الشريك الأساس في أي تغيير نصبو إليه، سواء أكان على صعيد ديمقراطية التعليم أو المواطنية الواحدة. وقد أثبتت التجارب ضعف  نقابات التعليم (الروابط) في لعب هذا الدور، نظرًا لتبعيتها السياسية، وجل ما تفعله هو بعض المواقف غب الطلب أو ما يحفظ ماء الوجه.

   لذا، يجب أن تلعب النقابات التربوية المستقلة هذا الدور، سيما وانها حاولت ذلك، إلا أن السلطة اللبنانية ووزارة التربية تهمشان النقابات، ولا سيما المستقلة عن المشاركة في الحوارات الثلاثية، وعن المشاركة بوضع برامج تدريب المعلمين المنوط، وفق القانون، حصرًا بالمركز التربوي للبحوث والإنماء.

 

دور المعلم

   تشديدنا على دور نقابات المعلمين في إصلاح المدرسة الرسمية وتفعيل دورها في وضع السياسات التربوية، يعود لأهمية دور المعلمين في العملية التربوية، وتاليًا في أي خطة للإصلاح، فإذا كنا نسلّم بأن دور المدرسة إعداد مواطني الغد، فالمسلّم به أن المعلم هو من سيلعب هذا الدور. وقد عمدت الدول المعروفة بنجاح منظومتها التعليمية إلى اعتبار المعلم مفتاح الاصلاح التربوي، وقد وصلت بعض الدول إلى حد وضع ما تريد من مخرجات للتعليم بين يدي المعلم ليضعه في السياق الملائم لتحقيق الهدف، إضافة الى المكانة الاجتماعية التي يحظى بها المعلم والاستقرار الوظيفي الذي ينعم به.

 إذن، يعتبر المعلم أساسًا في عملية التعليم، إذ إنه، حتى في التعليم الناشط، الذي يكون فيه التلميذ محور العملية التعليمية، يكون للمعلم دور أساس في الإعداد للعملية ككل، وفي إنجاحها. 

ولأن المواطنية سلوك قبل أن تكون معرفة، لا يُعوّل على معلم مفتقر للمواطنية الواحدة بأن يكون النموذج في الأداء للتلامذة. ولأننا في عصر المهارة لا المعرفة، ولأن من لا يملك مهارة لا يمكنه أن يمكّن الآخرين منها، برزت أهمية ان يمتلك المعلم مهارة التفكير النقدي.

   ولأن المعلم (الإنسان) المجرد من حقه بالاستقرار الوظيفي الذي يتضمن، أقله، راتبّا جيدّا، وضمانًا صحّيًّا،  وبدل نقل، ولا يحظى بالتقدير والاحترام لمكانته ولعمله، لا يمكنه إلا أن يصبّ طاقاته على المطالبة بحقوقه والتفكير بسبل العيش الكريم...

   ولأن أي خطة تربوية إصلاحية، جاهزة بكل عناصرها،  لن تنجح من دون المعلم، فكيف إذا كان النهج الإصلاحي يتطلب تربية سمات تربوية ووطنية عند المتعلمين ؟

   يبرز الخطأ الجسيم الذي ارتكب، في لبنان، عندما تركوا بدعة التعاقد تصل إلى أن يصبح عدد المتعاقدين 80% من الكادر التعليمي، حوالي 14 الف معلم في التعليم الاساسي الرسمي، بلا حقوق وفي صراعات مطلبية دائمة، وفي الوقت نفسه، يواجهون تهميشًا من وزارة التربية، وإقصاءً مُتعمّدًا عن الاجتماعات التي من المفترض أن يكونوا شركاء أساسيين فيها، إضافة إلى تركيز وزارة التربية الحالية  في نظرتها التربوية على دور الطلاب حينًا، والمدراء أحيانًا أخرى، وكأن المعلمين خارج الهرم الأساس للمنظومة التعليمية. مثال إطلاق الحملة الوطنية لدعم المدرسة الرسمية بتاريخ ٣٠ أيلول ٢٠٢٥ في وزارة التربية، حيث تم التركيز على المتعلمين، ووجهت الكلمة للمدراء مع الاشادة بدورهم في دعم المدرسة الرسمية، في حين لم تُوجّه دعوة لحضور الأساتذة، ومثال آخر إقصاء رابطة الأساتذة المتعاقدين الممثلة ل ٨٠٪ من الكادر التعليمي عن اجتماعات وزارة التربية، حتى تلك  المتعلقة ببحث شؤونهم المطلبية.

   هؤلاء المعلمون الذين يشكّلون 80% من الكادر التعليمي الرسمي، بخبرتهم الممتدة لسنوات تفوق العشرة والعشرين والثلاثين عامًا، ومع كل ما نفّذوا من دورات تدريبية، ومع كل ظروف عملهم الهشّة، هم اليوم من أعمدة استمرار المدرسة الرسمية، وإن كان من تقييم أولي لهذه المعضلة، فيمكننا الاستعانة بتجارب المنظومات  المتطورة، حيث يعتبر المعلم المميز أساس نجاح المنظومة التعليمية، ومعايير التميّز تقوم على اختبار ومقابلات ومهمات تعطى للمعلمين لتقييم كفاءتهم. فهل أحد في لبنان  فكّر في تقييم، بهذه المعايير، لآلاف المتعاقدين، وبتأمين الاستقرار الوظيفي لهم، وبالاعتراف بدورهم الأساس في إصلاح المدرسة الرسمية في لبنان ؟!

 

مقترحات

- إعادة الاعتبار لدور المعلم المركزي في العملية التربوية.

- تعزيز المواطنية لدى المعلمين عبر تنمية مهارات التفكير النقدي وإشراكهم بصنع القرار.

- السعي لإنشاء "مجلس تربوي" داخل الوزارة تشارك فيه النقابات (الروابط)  بوضع السياسات التربوية والمالية.

- انشاء "مجلس تشاركي" داخل المدارس يكون فيه الطالب، والأهل، ومندوب الرابطة والإدارة شركاء بالقرار.

- تعديل القانون الذي يحصر تدريب المعلمين بيد المركز التربوي للبحوث والانماء.

- ان يكون للروابط  تأثير في السياسات التربوية والمالية عبر المشاركة بمؤسسات الحوار الاجتماعي، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والضمان الاجتماعي، ولجنة المؤشر، والمؤسسة الوطنية للاستخدام.

- تدريب المعلمين وتطوير قدراتهم ومهاراتهم، وجعل المتعلم شريكًا في العملية التعلمية في الصف، وسط بيئة محفّزة لممارسة الحرية والديمقراطية. 

   ختامًا، هل نحن كباحثين وتربويين ومهتمين بالشأن التربوي في لبنان، وإصلاح النهج التعليمي القائم، نمتلك ما يكفي من مهارات التفكير النقدي لنتوقف عند المادة العاشرة من الدستور اللبناني  التي تنص على "حرية التعليم، وحق كل طائفة في تعليم أبنائها" ؟

   ألا تنص هذه المادة على حرية الأفراد والطوائف بإنشاء المدارس والجامعات ضمن الأطر التنظيمية والهيكلية لوزارة التربية والنظام العام للدولة ؟ أي أن الدستور قد شرّع بسط نفوذ الطوائف، كما الدولة، على المؤسسات التعليمية/المدارس، في حين انتفاء اللبس بوجود تناقض جوهري ما بين هاتين السلطتين (الدولة والطائفة). فهل شرّع الدستور وجود مواطنيات لا مواطنة واحدة في البلد الواحد؟

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث