خزنة بلدية بيروت مثقوبة: التلاعب طال أرقام الحكم القضائي

نغم ربيعالجمعة 2025/10/31
بلدية بيروت (getty).jpg
وصل الملف إلى البلدية، وقبل أن يصدر أي قرار، تبين أن المبالغ صُرفت بالفعل (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر

تُضاف إلى سجلّ الفوضى في بلدية بيروت فضيحةٌ جديدة، تكشف عمق الانهيار الإداري والمالي في مؤسسةٍ يُفترض أن تكون واجهة العاصمة ورمز انتظامها. فبينما يغرق المجلس البلدي في شللٍ ومناكفاتٍ عقيمة، سُحب مبلغ 330 ألف دولار نقداً من خزينة البلدية من دون أي مستند رسمي أو قرار قانوني، وكأنّ المال العام صندوقٌ خاص يُفتح ويُقفل على أهواء بعض الموظفين.

 

من حكم "قسائم المحروقات" إلى الفوضى في الصرف

تقول مصادر خاصة لـ"المدن" إنّ القضية بدأت من حكم صادر عن مجلس شورى الدولة لصالح فوج إطفاء بيروت، يقضي بمنح الضباط "قسائم محروقات" أو مبالغ مالية تعادل قيمتها.

وبحسب المصادر، "تقدّم نحو عشرين ضابطاً بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة، فصدر حكم يُلزم بلدية بيروت بدفع ما يعادل ستة عشر ألفاً وخمسمئة دولار لكلّ منهم". إلا أنّ الذريعة، كما تقول المصادر نفسها، كانت أنّ "الحكم صادر منذ فترة، والضباط بحاجة إلى المال"، وهو ما قلب المعادلة رأساً على عقب.
فبدلاً من اتّباع الأصول التي تفرض تبليغ المحافظ بالحكم، ثم إحالة الملف إلى المجلس البلدي لإصدار قرار بالدفع بعد التأكد من توافر الاعتمادات في الموازنة، جرى تجاوز كلّ هذه المراحل. «وصل الملف إلى المجلس البلدي، وقبل أن يصدر أي قرار، تبيّن أنّ المبالغ صُرفت بالفعل»، تضيف المصادر، مشيرةً إلى أنّ "كلّ ضابط قبض نحو 13 ألف دولار، رغم أنّ الحكم ينصّ على ستة عشر16  ألفاً وخمسمئة، أي أنّ التلاعب طال حتى أرقام الحكم القضائي نفسه".

 

انكشاف القصة وبدء التحقيق

حين انكشف الأمر، أرسل محافظ بيروت كتاباً إلى النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة، التي أوفدت مفتشين إلى المصلحة المالية. لكن "قُطعت الكهرباء وتعطّل المولّد فور حضورهم لتفتيش الملفات"، وفق ما تنقله المصادر.
وتؤكد أنّ "القضية كبرت إلى حدٍّ لم يعد بالإمكان احتواؤها، خصوصاً بعد تسريب المعلومات إلى الإعلام، فحاول البعض لملمتها لكن من دون جدوى". 

 

استُجوب الموظف المتهم بسحب المبلغ (خ. أ. ع.) وآخر (م. د.)، كما استُمع إلى إفادات موظفَين (ح. ع.) و(ح. م.)، وتم التواصل مع مديرة المصلحة المالية (غ. ع.). وتشير المعطيات الأولية إلى أنّ مبلغ الـ330 ألف دولار ليس سوى "أول الغيث"، إذ بعد توسيع التحقيق إلى دائرة الأملاك، اكتُشف وجود عشرات مواقف السيارات المؤجّرة شفهياً بلا عقود، وأموال تُسلَّم نقداً في "شوالات" من دون إيصالات رسمية.

وتقول المصادر أن "اعترف أحد رؤساء الدوائر بأنه كان يتسلّم هذه الأموال ويودعها في صندوق البلدية خارج السجلات المالية، فيما ظهرت عقارات بلدية مسجّلة "بور" على الورق رغم وجود مبانٍ عليها منذ سنوات، مقابل رشاوى لتزوير تكليفات الرسوم".

 

زيارة وزير الداخلية وتوسيع التحقيق

زار وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار مبنى المالية في بلدية بيروت، وقال الحجار بعد الجولة إنّه تلقّى من المحافظ "كتاباً يفيد بوجود خللٍ مالي حصل من قبل موظف في البلدية قام بصرف مبلغٍ من دون أساس قانوني"، مشيراً إلى أنه أحال الملف إلى ديوان المحاسبة والمدعي العام التمييزي "للتأكد من وجود أي جرائم جزائية محتملة". وأوضح أنّ رئيس ديوان المحاسبة القاضي محمد بدران أبلغه بوجود فرق تدقيق باشرت العمل داخل البلدية "بعد اكتشاف مخالفات عدّة يُجرى التحقق منها"، مؤكداً أنّ "لا غطاء فوق رأس أحد" وأن الهدف هو "محاسبة المرتكب وتصحيح الأمور".

 

النواب يتحركون

في موازاة ذلك، تقدّم خمسة نواب من بيروت - فؤاد مخزومي، غسان حاصباني، فيصل الصايغ، نديم الجميل، ونقولا صحناوي - بإخبار إلى النائب العام المالي القاضي ماهر شعيتو، مطالبين بفتح تحقيق شامل في المخالفات المالية داخل بلدية بيروت.
وأشار النواب في بيانهم إلى أنّ المستندات الرسمية، ولا سيما القرار رقم 835/ب تاريخ 24/10/2025 المتعلق بتوقيف أحد الموظفين الماليين، تكشف وقائع خطيرة تتعلق بصرف أموال وتعويضات من دون سند قانوني، وتنفيذ معاملات مالية قبل استكمال الموافقات، وتجاوز الصلاحيات في الصرف والتسيير المالي.
وطالبوا بتحقيق جنائي يشمل جميع الموظفين الماليين الحاليين والسابقين، وبمراسلة ديوان المحاسبة وهيئة التفتيش المركزي ووزارة الداخلية للحصول على المستندات ذات الصلة.

من "قسائم المحروقات" إلى العقارات "البور" والمواقف الشفهية، تتكشّف طبقات من الفساد المنهجي داخل بلدية بيروت، تُدار فيها الأموال العامة كما تُدار صناديق المقاهي: بلا سجلّ، بلا إيصال، وبلا مساءلة.
وفي غياب المحاسبة القضائية والسياسية، تبدو خزنة بيروت مثقوبة، يُلقى فيها المال العام ويُسحب منها على أهواء "حماة النظام البلدي" أنفسهم.

 

 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث