بين لبنان وسوريا.. آلاف الطلاب يخسرون سنواتهم الدراسية

دمشق - يوسف الحيدرالثلاثاء 2025/10/28
GettyImages-154058483.jpg
يجد أهالي الطلاب صعوبة في العودة إلى لبنان لاستكمال أوراق أطفالهم والحصول على إفادات (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر

يواجه العديد من الطلاب السوريين العائدين من لبنان تحدياً كبيراً يتمثل في عدم قدرتهم على توثيق أو نقل شهاداتهم الدراسية إلى بلدهم سوريا، ما يجعل تحصيلهم العلمي مهدداً بالبقاء معلقاً، رغم الجهد الذي بذلوه والفائدة التعليمية التي اكتسبوها خلال سنوات دراستهم هناك.

 

لا تزال شهادات الكثير من هؤلاء الطلاب معلّقة، سواء كانوا من الذين درسوا في التعليم النظامي، في مدارس لبنانية رسمية وخاصة، أو من الذين تعلموا في التعليم غير النظامي، في مراكز تديرها جمعيات ومنظمات. شهادات معلقة ومن دون اعتراف رسمي بها من الجانب السوري، وسط غياب حل شامل وواضح من وزارة التربية في دمشق، وغياب أي توضيح لأسباب هذا التعثر الذي ينعكس سلباً على مستقبل الآلاف من الطلبة.

 

إشكالية طلاب الثانوي

حاولت وزارة التربية السورية منح جميع الطلاب حقهم في متابعة تعليمهم، فأدخلت كل طالب في الصف الذي يوافق عمره في جميع صفوف مرحلة التعليم الأساسي (الحلقة الأولى والثانية)، حتى لو لم يملكوا أي ورقة رسمية، بشرط اجتياز اختبار (سبر) الصف السابق. لكن المشكلة باتت تكمن في طلاب المرحلة الثانوية. فالوزارة لا يمكنها تجاوز القوانين الناظمة التي تنصّ على منع الطالب من دخول المرحلة الثانوية من دون حيازة شهادة معتمدة للتعليم الأساسي (شهادة التاسع). ومنحت الوزارة هؤلاء الطلاب مهلة مُدّدت حتى نهاية العام الدراسي لإحضار وثيقة تثبت حصولهم على تلك الشهادة. لكن الكثير من الطلاب وجدوا صعوبة في إثبات وذلك. فمعظمهم لا يملكون إقامة للعودة إلى لبنان لاستكمال أوراقهم الرسمية، إضافة إلى أن البعض تلقوا تعليماً غير نظامي في جمعيات خيرية أو منظمات. فهل سيضطر هؤلاء الطلاب إلى إعادة مرحلة تعليمية من المفترض أنهم قد اجتازوها؟ أم سيتم التعاون مع الجانب اللبناني لإيجاد حل لهؤلاء الطلاب لمواصلة تعليمهم مع أقرانهم.

 

حلول عبر التعليم الخاص

حسام سلمان مدير المجمع التربوي في مدينة يبرود بريف دمشق أشار إلى أنّ عدد الطلاب العائدين من لبنان إلى مجمعه حوالي 1500 طالب من مختلف الصفوف أغلبهم تلقوا تعليماً نظامياً. ولفت إلى وجود حالات عدم استكمال أوراق ثبوتية نتيجة عدم الدراية بالمطلوب قبل عودتهم من لبنان. ومنهم من يجد صعوبة في العودة إلى لبنان لاستكمال أوراقه كونه غير حائز على إقامة هناك.

 

عدد من أهالي الطلاب الذين تواصلت معهم "المدن" بينوا أنّهم توجهوا نحو تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة التي يمكن أن تغض الطرف عن وجود أوراق رسمية، وخاصة طلاب الثانوي، ريثما تتضح مآلات هذا الملف. لكن الأستاذ سلمان حذّر من وقوع بعض الطلبة ضحيةً بعض المعاهد الخاصة. فهي تمنحهم أملاً بحل أمورهم لإقناعهم للتسجيل فيها، من خلال تقديم طلبات حرّة للامتحانات الرسمية. لكنهم سيفاجأون عندما يحين موعد تقديم الطلبات برفض وزارة التربية لها، لكونهم لم يستكملوا أوراقهم الثبوتية.

 

الأمور معقدة في التربية

"المدن" حاولت الحصول على رد رسمي من وزارة التربية، لكنها لم تلق أي جواب، ما يكشف جانباً من التعقيدات في هذا الملف. وتوجهت "المدن" إلى مديرية التربية في محافظة ريف دمشق، التي راجعها العديد من هؤلاء الطلاب، وفق مدير تربيتها فادي نزهت. وبيّن أنّ الحدود المشتركة الكبيرة لريف دمشق مع الجانب اللبناني، ولجوء أهله إلى لبنان في الحرب، وعودتهم بعد سقوط النظام السابق مباشرةً، من أهم أسباب ما يحدث اليوم. 

وأشار إلى أنّ عدد الطلاب الذين عادوا إلى ريف دمشق بعد التحرير حتى نهاية العام الدراسي الماضي من الصف الأول وحتى التاسع بلغ نحو 15552 طالباً. أما عدد العائدين هذا فتضاعف، لكن لم يجر لهم إحصاء دقيق بعد.

وأوضح نزهت أنّ حالات متفرقة راجعت المديرية لعرض مشكلتهم في التسجيل بالتعليم الثانوي، ولأن الحل لا يندرج تحت صلاحيتها، وجّهتهم إلى الوزارة لعرض مشكلتهم، للتواصل مع الجانب اللبناني لإيجاد حل يسمح بالعودة لاستكمال أوراقهم ولا سيما للذين لا يحوزون على إقامة، إضافة إلى حل مشكلة الذين تلقوا تعليماً غير نظامي  لمنحهم أوراق ثبوتية تسهّل استكمال تحصيلهم العلمي، وإيجاد حل لمن لم يتلقوا التعليم تحت إشرافها.

 

تكاليف باهظة لتحصيل مستندات

دفع خالد القادري، والد الطالب حسن، نحو ألف دولار مصاريف في محاولة الحصول على مصادقات من وزارة التربية اللبنانية. لكنه لم يتمكن من معادلة شهادة الصف التاسع لابنه، الذي لديه مستندات تثبت التسلسل الدراسي في جمعية المقاصد في منطقة المرج.

وأكد القادري، الذي كان يسكن في منطقة تعلبايا في البقاع، أنّه سجل ابنه في إحدى مدارس قطنا في ريف دمشق بداية العام الحالي. لكن التسجيل في الصف العاشر مشروط بإحضار المستندات من لبنان. وأرسل أوراقه مرة أخرى إلى أقاربه لأنه لا يستطيع العودة إلى لبنان من دون إقامة. ويأمل في الحصول على تصديق أوراقه أسوةً بأخته التي صدقت شهادة البكالوريا قبل التحرير. لكن بعد التحرير تغير كل شيء والسبب مجهول. وصارت التربية اللبنانية تضع شروطاً تعجيزية، حسب تعبيره.

 

ليست المرة الأولى

المعلمة رابعة القادري من قطنا، أستاذة اللغة العربية، لجأت إلى لبنان منذ العام 2012 وسكنت في البقاع وعملت في ملف الطلاب السوريين منذ العام 2020. وأكدت أنه سبق لها ونظمت حملة مناصرة عندما منع الطلاب من الحصول على شهاداتهم بسبب عدم حيازتهم إقامة بلبنان. فاضطرت الحكومة اللبنانية تحت الضغط إلى تسليم الشهادات دون الالتفات للإقامات.

وأشارت إلى أن الأمر تكرر بعد التحرير، إذ تطلب الوزارة الإقامة من أهالي الطلاب كشرط للحصول على شهادات أبنائهم الدراسية. واعتبرت أن هذا الأمر سيؤدي إلى خسارة العديد من الطلاب سنوات دراسية، ولا سيما طلاب الثانوي، وهذا إجحاف كبير بحقهم.

 

طلاب المعاهد والجامعات

لم يقتصر الأمر على طلاب المدارس بل وصل إلى طلاب المعاهد والجامعات. وتقول المدرّسة رابعة: "ذهبت ابنة أخي، الطالبة الناجحة في أول سنة من معهد التمريض، لإصدار إقامة إضافية فحصلت على ترحيل، ولم تمنح الإفادة أيضاً". وطالبة أخرى أنهت سنتين في معهد مهني باختصاص التمريض إضافة إلى التدرّج (ستاج) ولم تمنح شهادة التخرج. وعادت الطالبتان إلى معادلة شهادة البكالوريا في وزارة التربية تمهيداً للتسجيل في اختصاص جديد في سوريا.

وألقت رابعة المسؤولية على عاتق الجانبين السوري واللبناني لإيجاد حل لهؤلاء الطلاب، مشددة على أن المسؤولية الكبرى تقع على الحكومة السورية، التي يجب أن تنظر في هذا الأمر وتجد له حلاً.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث