"هل عيناه خضراوان؟" بهذه العبارة التي تحمل وهج أمل متأخر، استقبل مدير دار "لحن الحياة" للأطفال أحد الزوار، وهو يقلّب بلهفة بين صور الأطفال الضائعين، محاولاً مطابقة إحداها مع صورة الطفل كريم الذي فقد منذ كان في الثانية من عمره.
هو مقطع صغير من فيلم وثائقي عرض الجمعة، في ركن من أركان بيت فارحي العتيق بدمشق، حيث يتقاطع حجر البناء الأصيل مع جراح سنين الحرب الأخيرة، اجتمع أمس عدد من الصحفيين والناشطين وأمهات يحملن هماً مشتركاً: البحث عن أطفال سُرِقوا من أحضان عائلاتهم ليختفوا في متاهات دور الأيتام التابعة للنظام السابق.
عُرض الفيلم الوثائقي "أطفال سوريا المسروقون" المنتج من قبل شبكة "BBC Eye"، ليضيء جانب مظلم من انتهاكات النظام البائد، الذي أخفى مئات الأطفال في دور أيتام كوسيلة لابتزاز عائلاتهم المعارضة.
رحلات بحث لا تنتهي
ريم القاري، التي فقدت زوجها وابنها عام 2013، تشارك "المدن" بروايتها: "منذ سقوط النظام لم يحدث أي تطور إيجابي في عملية البحث. لا نملك أي آلية واضحة لأهالي الأطفال المفقودين للبحث عن أولادهم". ورغم مشاركتها في الفيلم، تبقى رحلة البحث عن ابنها شائكة ومليئة بالعقبات.
أما ميس قات، الصحفية الاستقصائية التي عملت مع فريق التحقيق، فتوضح: "البحث عن أولئك الأطفال المفقودين ولمّ شمل عائلاتهم لا يبدو عملاً هيّناً. أكثر ما توصلنا إليه حتى الآن هو إدانة النظام السوري الأسبق وكشف منهجيته في التعامل مع هذه القضية". وتضيف قات للمدن: "واجهنا صعوبات جمّة في الوصول إلى عائلات الأطفال المفقودين، رغم حصولنا على وثائق مسربة واستعانتنا بمصادر مفتوحة ووسائل تواصل اجتماعي".
ملف قضائي معقد
المحامية نور جزائرلي، العضو السابق في لجنة البحث عن الأطفال المفقودين، تشير إلى تعقيدات الملف القضائي: "بالنسبة للملف القضائي يمكن اعتباره إيجابياً ريثما نحصل على شهادات لكل الأهالي الذين فقدوا أطفالهم". وتكشف جزائرلي عن صعوبة وضع إحصائيات دقيقة عن الأطفال المفقودين، "فالأرقام تتغير بشكل دائم".
وتستذكر جزائرلي قصصاً مروعة اكتشفتها خلال البحث في أرشيف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، "قصص بشعة وغير إنسانية وترقى إلى مستوى الجريمة"، متسائلة عن مصير الأطفال الذين تم تسفيرهم إلى روسيا أو بيلاروسيا: "هل عادوا إلى سوريا؟".
نظرات مسروقة..بدون أمل
تراكمت جرائم النظام السابق بعضها فوق بعض، لكن ملف الأطفال المفقودين يبقى من أكثرها قسوة وتعقيداً وعاراً. فوراء كل إحصائية، هناك عينان تبحثان عن أم، وقلب صغير ينتظر حضناً دافئاً، وقصة إنسانية تروي مأساة بلد مزقته الحرب.
اليوم، بينما يتساءل مدير دار "لحن الحياة" عن لون عيون طفل مفقود، يبقى الأمل الوحيد لأهالي الأطفال الضائعين أن تعود إليهم تلك النظرات البريئة، التي سرقها نظامٌ لم يترك شيئاً إلا وشوّهه.
