جثة امرأة أثيوبية مقطعة في حقيبة تفتح جرح استغلالهن في لبنان

نغم ربيعالخميس 2025/10/23
3G7A2411.jpg
تعيش العاملات في ظل نظام كفالة يحول حياتهم إلى سلسلة من الانتهاكات الممنهجة (علي علوش)
حجم الخط
مشاركة عبر

عثر متسولان كانا يبحثان في حاوية القمامة على شنطة على جثة مقطعة، فجر اليوم الخميس، عند طريق النهر في منطقة سنّ الفيل. لمح المتسولان الحقيبة فظنا أن "الرزقة" أتتهما، ليتبين بعد فتحها أنها تحتوي على أجزاء بشرية مقطّعة. ارتبكا وأخبرا اهل المنطقة، فاتصلوا بالقوى الأمنية. وتحولت الطريق الجانبية إلى مسرح جريمة مروّع، تملؤه سيارات الشرطة وضجيج الفضوليين.

هي جثة لامرأة أثيوبية، تُرجّح مصادر أمنية أنها قُتلت قبل يومين. وتُشير المعطيات الأولية إلى أن ما جرى ليس حادثة عرضية، بل عملية قتل متعمّد وإخفاء لجريمة قاسية. 

فيما نُقلت الجثة إلى مستشفى بعبدا الحكومي بانتظار تحديد ملابسات الجريمة، تضيف المصادر أن الطبيب الشرعي لم يُنهِ تقريره بعد، والتحقيق لا يزال في بداياته. لكن الثابت أن الجثة تعود لامرأة من التابعية الأثيوبية، من دون تحديد ما إذا كانت عاملة في الخدمة المنزلية أم جرى استغلالها في عصابات الدعارة والاتجار البشر.  

خلف كل مشهد دموي من هذا النوع، هناك مأساة صامتة أكبر: مأساة العاملات والعاملين الأجانب في لبنان. منذ عقود، يعيش هؤلاء في ظلّ نظام الكفالة الذي حوّل حياتهم إلى سلسلة من الانتهاكات الممنهجة. خلف الأبواب المغلقة، وفي زوايا البيوت، تتكرر قصص الاستغلال: أجور زهيدة، ساعات عمل لا تنتهي، إهانات يومية، ومصادرة للحرية. لا حق في التنقّل، لا إمكانية لتبديل الكفيل، ولا مساحة للاعتراض.

ليسوا قلة. أكثر من 250 ألف عامل مهاجر مسجّلين رسميًا في لبنان، معظمهم نساء قادمات من إثيوبيا وبنغلادش وسريلانكا ونيبال والفلبين. يعملن في البيوت، في المكاتب، وفي رعاية الأطفال والمسنين. كثيرات منهن يختفين في الظلّ، لا يُذكرن إلا حين يُعثر عليهن ميتات.

تقارير "هيومن رايتس ووتش" وثّقت عشرات حالات الانتهاكات لحقوق الإنسان. العاملات، كما تقول التقارير، "بلا حماية"، والقضاء اللبناني يتعامل مع وفاتهن ببرودٍ مروّع: لا معاينة للجيران، لا تحقيق جنائي، لا تقرير نفسي. مجرد ختمٍ على ورقة، وتنتهي القصة.

جريمة سنّ الفيل، بكل ما تحمله من رعب، ليست تفصيلاً عابراً في سجلّ الجرائم. إنها مرآة لعلاقة مختلّة بين مجتمعٍ مأزوم وطبقةٍ من العمّال تُستَخدم وتُنسى. جثة جديدة تُضاف إلى لائحةٍ طويلة من الضحايا المجهولات، اللواتي لا نسمع عنهن إلا حين يُلقين في حقيبةٍ على قارعة الطريق.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث