السوريون في المدن المدمّرة: خطر سقوط المباني وانتشار الأوبئة

محمد كساحالخميس 2025/10/23
دمار المباني في سوريا (محمد كساح)
مخاوف من تعرض الأطفال للأمراض ولدغات البعوض التي تسبب مرض اللشمانيا (محمد كساح)
حجم الخط
مشاركة عبر

يعاني آلاف السكان في المدن السورية المنكوبة تحديات لا تحصى، تتعلق بمخاطر الإقامة بين أنقاض الأبنية المدمّرة. وأكد عدد من الأهالي لـ"المدن" أنهم مضطرون للسكن ضمن مبان متداعية تعرضت مسبقاً للقصف، وسط مخاطر أخرى تتمثل بذخائر الحرب غير المنفجرة وانتشار الأوبئة والحشرات والزواحف.

 

قلق من الأبنية المتداعية

وأكد محمد وهو أحد سكان داريا في ريف دمشق أنه لا يزال قلقاً من احتمال انهيار البناء الذي يقيم فيه وسط المدينة بعد عودته قبل أشهر من تركيا. وأضاف لـ"المدن" أن المبنى تعرض للقصف الشديد، ما انعكس سلباً على الجدران والخرسانة المسلحة. وأعرب عن المخاوف التي يعيشها، على رغم أنه قام بترميم شقته بفي لطابق الثالث، لكن من دون الاستعانة بخبير إنشائي. 

دمار المباني في سوريا (محمد كساح)

ولا تقتصر معاناة السكان على المخاطر الإنشائية فقط، بل تتجاوز ذلك إلى تحديات أخرى تفرضها الإبادة البيئية الممنهجة التي قام بها النظام الأسدي خلال الحرب. وقال سكان عديدون إنهم مضطرون لإغلاق نوافذ منازلهم حتى في فصل الصيف خوفاً من البعوض والحشرات والغبار الذي لا يتوقف بسبب انتشار الركام. وذكرت وداد، وهي سيدة من كفرنبل عادت مؤخراً إلى المدينة، أن أطفالها "يخرجون إلى المدرسة صباحاً بثياب نظيفة، لكنهم يعودون في المساء متسخين بالغبائر بسبب انتشار الأنقاض". 

واضطرت ظروف العودة السريعة للمهجرين إلى مدنهم الأصلية المعنيين إلى القيام بإصلاحات سريعة للمنازل والطرقات والمدارس المتهالكة التي استقبلت مئات التلامذة، وسط انتشار الغبار والأمراض والرطوبة. وتوضح وداد لـ"المدن" أن أطفالها يجلسون على مقاعد غير صالحة في الفصل الدراسي الذي تتفشى بين جدرانه الرطوبة. وتكشف عن مخاوف محقة تتعلق بـ"إمكان تعرض الأطفال للأمراض أو للدغات البعوض، لا سيما ذبابة حلب المتفشية في المنطقة، والتي تسبب مرض اللشمانيا".

وانعكست حملات الإبادة البيئية التي تسبب بها النظام في غوطتي دمشق وريفي إدلب وحماة بشكل كارثي على السكان. وكشفت المصادر الأهلية عن تقلص غير مسبوق للمساحات الخضراء في هذه المناطق، ما زاد من ارتفاع درجة الحرارة في الصيف، وتسبب بتبدلات مناخية كارثية.

 

مخاطر العودة العشوائية جسيمة

ويلاحظ الباحث في مركز عمران للدراسات أيمن الدسوقي المخاطر الجدية بشأن السكن بين الأنقاض وداخل بيوت متصدعة أو متهدمة، حيث تنتشر بقايا المخلفات الحربية غير المتفجرة الخطرة. كما يعزز غياب أنظمة الصرف الصحية وشبكات المياه العذبة من انتشار القوارض والحشرات والزواحف الناقلة للأمراض والمسببة لها.

ويوضح الدسوقي لـ"المدن" أن كل ما سبق يؤثر في جودة الماء والهواء، بما يحمله من مخاطر على الناس. ويلفت إلى أن العديد من النازحين واللاجئين عادوا إلى بيوتهم المتصدّعة جراء المعارك والغارات، من دون أي دراسة هندسية فعلية لمدى قابلية هذه المباني لاستيعاب سكان ومدى سلامتها، الأمر الذي يتطلب تنسيقاً بشكل أساسي بين وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث ووزارة الإدارة المحلية والبيئة، لإجراء كشوف ميدانية على المباني وتقييم سلامتها الإنشائية وتوفير الخدمات الأساسية، مع التشدد في عدم منح السكان أي تصاريح للإقامة في المناطق ذات المخاطر العالية، إلى جانب تقديم مساعدة فنية هندسية للعائدين، تخوّلهم إعادة الترميم والتأهيل في المناطق القابلة للسكن والخالية من المخلفات الحربية.

وفي هذا السياق، تواجه الحكومة السورية تحديات كبيرة في شأن إزالة الأنقاض وترحيلها ومكافحة القوارض والحشرات. ولا توجد موارد مادية متاحة ولا آليات هندسية متوافرة بالعدد المطلوب. وهناك تحديات قانونية وإدارية متعلقة بملكية العقارات المدمّرة وحقوق السكان، ولا قدرة للأهالي على إزالتها، ليكون الخيار التعايش معها بما تحمله من مخاطر جدية. 

دمار المباني في سوريا (محمد كساح)

 

الحاجة إلى حلول إسعافية

يعتبر الباحث في التنمية المستدامة رفعت عامر أن ملف المناطق المنكوبة يجب أن يكون أولوية لدى الحكومة والمنظمات. فهذه المناطق في حاجة إلى حلول إسعافية فورية، مثل تقييم الحالة الإنشائية وإخلاء المساكن المتضررة وتوفير بيوت موقتة لأصحابها. كل ذلك بالتوازي مع خطط بعيدة المدى لإعادة إعمارها وحل المشكلات التي تواجه سكانها. 

وتتسبب المناطق المهدَّمة بمخاطر يومية على السكان، نظراً لاحتمال انهيار ما تبقى من الأبنية، وتداعيات الغبار الناتج عن المخلفات الإسمنتية حول الصحة، وانتشار الربو والأزمات التنفسية والجلدية، وفقاً لما يكشفه عامر. ويوضح أن حزمة المخاطر تشمل أيضا تلوث المياه والتربة نتيجة تهالك شبكات الصرف الصحي وانتشار أكوام الأنقاض، ما يهدد النظام البيئي ويصعِّب من عمليات الاستصلاح في المستقبل. 

ويضيف أن تهالك الأبنية يعطل عودة الحياة الطبيعية، خصوصاً في فصل الشتاء معا حتمال انهيار المباني جراء الأمطار، وصعوبات السكن وسط الرطوبة والدلف المحتملين. ويحذّر من تعايش السكان القسري مع فكرة الأنقاض، لأنها تؤثر على المجتمع وتخلق بيئة غير صحية، وقد تقود إلى جيل من الشباب لديه عداء تجاه المجتمع، لأن الظروف التي يعيشها غير طبيعية، تشعره بالتهميش وتزيد حالات الاكتئاب والعزلة والحرمان.

ويؤكد أنه رصد انتشار أمراض جلدية وتنفسية عديدة في المناطق المنكوبة، بسبب التلوث والمستنقعات المطرية وتسرب المياه والصرف الصحي. كما تكاثرت القوارض والحشرات والعقارب في هذه البلدات كونها تعد بيئة خصبة لانتشارها.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث