بالفيديو: معاناة بعلبك من "الشراونة"... تنعش دورس على حسابها

طارق الحجيريالأربعاء 2025/10/22
بلدة دورس في البقاع الشمالي (طارق الحجيري)
شوارع دورس نظيفة وهادئة وحركة السير فيها منظمة والبيئة العامة أكثر استقرارًا (طارق الحجيري)
حجم الخط
مشاركة عبر

فقد قلب مدينة بعلبك سحره وانتقلت الحياة إلى بلدة دورس

فقد قلب مدينة بعلبك سحره، والأسواق القديمة التي كانت تضجّ بالحياة والباعة والزوَّار، باتت اليوم خاوية. يتحاشى الكثيرون دخولها. تجاهد من أجل البقاء. محال كثيرة أقفلت، ومثلها على الطريق عينه. بدأت دورة الحياة تنتقل شيئًا فشيئًا إلى دورس البلدة المجاورة، التي تحوّلت خلال سنوات قليلة إلى مركز اقتصادي مزدهر على حساب المدينة الأم. والسبب معروف للجميع: حيٌّ واحد أصبح عنوانًا للفوضى، وهوية قاتلة للمدينة، إنه حي الشراونة.

 

وصمة حي الشراونة

يعدّ حي الشراونة من أكبر أحياء بعلبك، تحوّل في السنوات الأخيرة إلى منطقة شبه عسكرية، تتكرر فيها حوادث إطلاق النار، والاشتباكات مع الجيش والقوى الأمنية، ونزاعات عائلية ثأرية، واكتشاف مصانع مخدرات وكبتاغون وتزوير عملات. هذه الفوضى المتواصلة جعلت المستثمرين يفقدون الثقة بالمدينة، ودفعت كثيرين إلى البحث عن بيئة أكثر أمانًا.

لا يتوَّقف الأثر السلبي على المدينة عند الجانب المالي فحسب، بل يتعدّاه إلى النسيج الاجتماعي والهوية الحضارية. فبعلبك التي كانت تُعرف بمدينة الشمس والسياحة، باتت اليوم تُذكر في الإعلام كرمز لتجار المخدرات والفلتان الأمني والسلاح. تطلق عبير ص. من سكان حي القلعة الشرقي صرخة ألم وتقول: "بتنا نخجل القول إننا من أبناء بعلبك، ليس لأننا لا نحب مدينتنا، بل لأن اللبنانيين ينظرون إلينا بوصمة حي الشراونة وكل المشاكل الموبقات الناجمة عنه".

ما يحدث في بعلبك ليس قدرًا، بل نتيجة تراكمات لإهمال رسمي وبلدي. فترْك حيّ بحجم الشراونة خارج سيطرة الدولة يعني ترك المدينة كلها تنهار اقتصاديًا. لذا يرى الناشط محمد غانم أن الحلول العملية معروفة لمن يريدها. ويقول: " لا بدّ من مقاربة مزدوجة لحي الشراونة، أولًا إعادة فرض الأمن بالقانون والعدالة داخل الحيّ، لا عبر القوة العشوائية. وثانيًا، تحفيز الاستثمار في وسط بعلبك عبر إعفاءات ضريبية ومشاريع إنمائية تُعيد الحياة إلى الأسواق التراثية".

 

الفرار من المدينة

على بعد دقائق من مركز بعلبك، تقدّم بلدة دورس نموذجًا معاكسًا تمامًا. شوارعها نظيفة هادئة، حركة السير فيها منظّمة، والبيئة العامة أكثر استقرارًا. ويقول أحد أصحاب المحال في السوق القديم، فضّل عدم ذكر اسمه تجنبًا للمضايقات، في حديث لـ"المدن": " لم يعد يأتي الزبائن إلى بعلبك مثل قبل والسكان يخافون وملّوا من إطلاق النار والمشاكل، خصوصًا بآخر النهار. بتنا نعمل نصف نهار ونقفل المحال باكراً".

الفوضى دفعت التجار إلى نقل مؤسساتهم أو افتتاح أخرى جديدة في بلدة دورس، غير البعيدة كثيراً عن مدينة بعلبك. ويقول الحاج أبو علي ز. صاحب مطعم انتقل من بعلبك إلى دورس قبل ثلاث سنوات: "كنا ندفع في قلب بعلبك بدل إيجار أقل، لكن كنا نخسر زبائن بسبب الوضع الأمني. هنا في دورس الإيجار أعلى، لكن العمل مضمون والناس تتردد بشكلٍ أكبر وأكثر أمنًا".

 

بعلبك تذوي ودورس تنتعش

ويؤكد أحمد غرلي مختار بلدة دورس أن بلدته باتت مزدهرة بالمحال التجارية الحديثة، والمقاهي الفخمة، والمراكز الصحية، حتى بعض المؤسسات الرسمية والخاصة انتقلت مكاتبها إلى دورس كدائرة التربية والمكتب العقاري. ويشير غرلي إلى أنّ أسعار العقارات فيها ترتفع عامًا بعد عام، مع ازدياد الطلب عليها من قبل التجار والمستثمرين البعلبكيين أنفسهم. 

ووفق تقديرات التجّار المحليين، تراجعت الحركة التجارية في بعلبك بأكثر من 40 بالمئة خلال السنوات الخمس الماضية، فيما انخفضت قيمة الإيجارات في الوسط التجاري بنسبة تقارب 30 بالمئة. أما دورس، فشهدت في المقابل نموًا اقتصاديًا متسارعًا تجاوز 60 بالمئة في عدد المؤسسات الجديدة المسجّلة، وفق ما أكد أعضاء في البلدية.

الفارق بين بعلبك ودورس اليوم ليس في الجغرافيا، بل في الإدارة والثقة. حي الشراونة شكّل جرحًا مفتوحًا في الجسد الاقتصادي للمدينة، فيما نجحت دورس في امتصاص النزيف وتحويله إلى نمو. ويبقى السؤال معلّقًا، هل تبقى بعلبك رهينة حيّ واحد، أم تستعيد وجهها المشرق الذي عرفه اللبنانيون يومًا مدينةً للثقافة والتجارة والحياة؟

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث