هل سيصار إلى "لفلفة" قضية التزوير والتلاعب بعلامات بعض الطلاب الأجانب واللبنانيين في الفرع الأول في كلية الحقوق، أم سيتم التوسع بالتحقيقات لكشف قضايا تزوير والتلاعب بالعلامات التي حصلت في السنوات الخمس الأخيرة؟
سؤال أساسي من شأنه إما فتح ملفات الكلية على مصرعيها لتشمل فروعاً أخرى، ولا سيما الفرع الثالث في الشمال، أو يؤدي إلى"لفلفة" الموضوع عند حدود التزوير الذي استفاد منه أربعة طلاب كويتيين وطالب لبناني خامس.
استدعاء أجير وابنه
وفي جديد ملف الكلية علمت "المدن" أنه جرى استدعاء أحد الأجراء وابنه المسجل في الكلية للتحقيق معهما وهو موضع شكوك المحققين. كما سحبت عناصر أمن الدولة مسابقات سابقة له، لمراجعتها من قبل خبراء خطوط، ومعرفة إذا ما كان هو من كتب بعض المسابقات للطلاب المعنيين بالتزوير. لكن التخوف يبقى من أن ينتهي التحقيق بتحميل أجير أو طالب مسؤولية فساد عميق في الكلية وليس في الفرع الأول فحسب.
ومرد الخوف إلى أن مدير الفرع الأول سامر عبدالله، والذي كلفه رئيس الجامعة بسام بدران، بدلاً عن مجتبى مرتضى، عاد عن استقالته بعد تلقيه ضمانات من بدران بعدم تدخل جهاز أمن الدولة، أوطلب أي مستند منه قبل الحصول على موافقة رئيس الجامعة.
وبحسب معلومات "المدن" فقد تبين أن عبدالله لوّح بالاستقالة ثم تراجع عقب تلاسن حصل بينه وبين أحد ضباط أمن الدولة على خلفية محاولة الأخير انتزاع مستند من الفرع. لم يقبل عبدالله هذا الأمر على اعتبار أنه محامي ولا يجوز أن يعامله الضابط بشدة (قضية ممارسة مهنة المحاماة وجمعها مع التفرغ في ملاك الجامعة مزمنة وغير قانونية وتنفي صفة التفرغ عن الأساتذة).
امتعض بدران وأجرى اتصالات سياسية أفضت إلى تحقيق مبتغاه بعدم حضور أمن الدولة لأخذ مستندات من دون طلب إذن مسبق. ليس هذا فحسب، بل نال أحد الأساتذة من الذين استدعوا لأخذ إفادتهم ضمانة مسؤول سياسي بأن يكون الأمر "مجرد شرب فنجان قهوة" والاستفسار عن صحة التواقيع على مسابقة، من دون تطرق أمن الدولة لأي ملفات تعود لنحو خمس سنوات إلى الوراء.
بين ممتعض ومرحب بالتحقيق
تلقى الأساتذة دخول أمن الدولة إلى الفرع إما بامتعاض بعضهم أو ترحيب بعضهم الآخر. الممتعضون يعتبرون دخول أمن الدولة تدخلاً بأمر أكاديمي يفترض أن تحله الجامعة عبر القضاء المختص. ويعطون مثلاً عن تلاعب وتزوير بالعلامات حصل في كلية العلوم الاجتماعية وجرى محاكمة المعنيين ومن دون أي شوشرة إعلامية. أما المدافعون عن دخول أمن الدولة فيعتبرون أنه في ظل عدم الثقة بالإدارة وبالتفتيش وانحلال الأجهزة الرقابية، التعويل على جدية الأجهزة الأمنية للضرب بيد من حديد والذهاب إلى فتح ملفات جديدة لإصلاح الجامعة. والسؤال المطروح اليوم هل يشكل الحد من تحرك أمن الدولة وتدخل السياسة مقتلاً للتحقيق، ويصار إلى لفلفة الموضوع كما كان يحصل في العهد السابق في قضايا مماثلة.
لا أحد يطمح أن تشمل تحقيقات أمن الدولة فترة ما بعد توقف الحرب الأهلية لتفضح مئات القياديين الحزبيين نالوا شهادات دكتوراه وماجستير بطرق ملتوية. بل عودة التحقيق إلى خمس سنوات إلى الوراء على أقل تقدير، والكشف عن كيفية استفادة طلاب أجانب ولبنانيين من خدمات VIP في الامتحانات ورفع علامات مواد من دون وجه حق، أو من خلال "لجان المداولات" الشكلية أو الكشف عن "الترغيب والترهيب" الذي يتعرض له الأساتذة لإنجاح هذا الطالب المحظي أو ذاك. وهذا الأمر لا يقتصر على الفرع الأول، بل يطال الكلية كلها، ولا سيما الفرع الثالث في الشمال.
مخاطبة البعثات للكليات
أما الموضوع الأخطر، الذي كشف بعد فضيحة الفرع الأول، فهو كيفية مخاطبة السفارات والبعثات الدبلوماسية ومسؤولين خارجيين الجامعة. فقد تبين أن مسؤولين في السفارات يخاطبون عميد الكلية أو حتى مدير الفرع مباشرة وخارج الأطر القانونية، حيث يفترض بالبعثات أن تراسل مكتب العلاقات الخارجية في الجامعة من خلال كتاب رسمي للحصول على أي معلومات، أو مراسلة وزارة التربية للتحقق من صحة صدور الشهادات مثلاً. وتكشف مصادر مطلعة أن ما حصل مع مدير الفرع الأول، الذي تلقى بريداً للتحقق من علامات طلاب أجانب أمر بسيط أمام تدخل البعثات الدبلوماسية عبر مدير الفرع مباشرة لنقل طلاب بعينهم من فرع إلى آخر، للحصول على امتيازات في الامتحانات.
تعاميم جديدة لرئيس الجامعة
وفي جديد قضية التزوير، عمم رئيس الجامعة على الكليات عودة الأساتذة إلى اتباع إجراء الامتحانات الجزئية (امتحانات مستمرة) وعدم الاكتفاء بالامتحان النهائي للمادة. وطلب التشديد على أساتذة المواد بضرورة حضورهم خلال تفتيح المسابقات وتسجيل العلامات. فقد كشفت تحقيقات الفرع الأول أن فوضى عارمة تحصل في كيفية تسليم الأساتذة المسابقات بعد التصحيح وتركها في عهدة أجراء مشرفين على غرفة المستودع، والذين كانوا يتولون تفتيح المسابقات من دون أي اشراف ثم تسجيل العلامات على النظام الإلكتروني من دون إشراف مسبق.
إلى ذلك صدر تعاميم دعا فيه بدران أمناء السر ورؤساء شؤون الطلاب والأساتذة وموظفي اللوازم والعاملين على البانر (النظام الالكتروني) للاجتماع غداً الأربعاء في مبنى الإدارة المركزية، إذ سيصار إلى تعميم يطلب منهم اتباع آلية إدارية واضحة في كيفية إجراء الامتحانات وكيفية إصدار النتائج وتسجيل العلامات. لكن هذا الإجراء، كما يصفه البعض، شكلي وأتى بعد الفضيحة للقول إن إدارة الجامعة تريد استعادة زمام الأمور، علماً أنه كان على عمداء الكليات إعادة التذكير بالأصول القانونية المتبعة مع بداية كل عام دراسي. وكان حري بالجامعة رفع بدلات المراقبة في الامتحانات ليعود أساتذة المواد إلى المشاركة في المراقبة، وعدم الاكتفاء بوضع مراقب واحد في قاعة الامتحان، ومنع ابتزاز أمناء السر أو مدراء الفروع لهم لإجراء تسهيلات لطلاب بعينهم.
باختصار، قضية التزوير في الفرع الأول نقطة في بحر فساد التدخل للتلاعب بالعلامات، بطرق شرعية عبر ما يعرف بلجان المداولات (تعيد النظر بعلامة طالب لإنجاحه في مادة رسب فيها) أو غير شرعية عبر الضغط على الأساتذة أو ترغيبهم بالحصول على مكتسبات وامتيازات.
