أطلقت وزارة التربية "التقييم الوطني الموحّد" في عدد من المدارس والثانويات الرسمية، اليوم الثلاثاء في 21 تشرين الأول، وذلك ضمن خطة تمتدّ لأيام عدة، تنفذها الوزارة بالتعاون مع المركز التربوي للبحوث والإنماء. يشمل التقييم تلامذة الصف التاسع الأساسي، والأول والثالث الثانوي، في نحو 950 مدرسة رسمية على امتداد الأراضي اللبنانية، أي ما يقارب 66 ألف تلميذ، في محاولة جديدة من الوزارة لقياس مستوى الطلاب في التعليم الرسمي بعد سنوات الإنهاك.
محاولة تعافٍ
منذ عام 2019، يسير التعليم الرسمي في لبنان على حافة الانهيار. بدأت الحكاية مع الانفجار المالي الذي أطاح رواتب المعلمين وأفقد المدارس قدرتها التشغيلية. تلاه زمن كورونا، الذي عمّق الفاقد التعليمي وأرسى الفوارق بين الرسمي والخاص. ثم جاءت الإضرابات، فالتعطيل، ففقدان الثقة المتبادلة بين الهيئة التعليمية والإدارة. ومع اشتداد الأزمة المعيشية وتراجع الدعم الدولي، دخل القطاع مرحلة الخطر الوجودي.
اليوم، وبعد تداعيات الحرب وتزايد النزوح وضبابية التمويل، تبدو محاولات الوزارة لإحياء القطاع عبر برامج "التقييم" و"التعافي" أشبه بإنعاش مريضٍ يتنفس بصعوبة. فالخطر لم يعد في ضعف الكفايات والمهارات وحدها، بل في اهتزاز فكرة المدرسة الرسمية نفسها، كمكان متاح ومجاني وفاعل في تكوين الأجيال.
تحسين وإعتراض
بحسب مصادر رسمية في الوزارة، يهدف التقييم إلى تشخيص مستوى الكفايات التعليمية، وتحديد الثغرات والفجوات في التحصيل، تمهيداً لوضع خطط دعم تعيد للطلاب مهاراتهم الأساسية.
وتؤكد المصادر أن نتائجه لن تدخل في سجلات التلامذة الأكاديمية، بل ستُستخدم حصراً لأغراض التخطيط التربوي وتحسين العملية التعليمية.
لكن الميدان لا يشاطر الوزارة الحماسة نفسها. الأساتذة يرون في هذا التقييم عبئاً إضافياً فوق كومة الأعباء الملقاة على عاتقهم. يقول أحدهم لـ"المدن": "ليس من الخطأ إجراء تقييم، لكن طريقة التنفيذ غير دقيقة، خصوصاً أن عملية التصحيح تتراكم، وكثيرٌ منّا لديه عدد كبير من الشعب". وتضيف معلمة أخرى: "هذه الامتحانات لا تُحتسب ضمن العلامات، ومع ذلك سنقوم بتصحيحها، ثم سنضطر لإعادة الاستعداد للامتحانات الشهرية، وهذا أمر مرهق ومتعب للغاية". فيما يخشى آخرون من ضعف المصداقية، ما دامت أن الامتحانات تُجرى داخل المدارس نفسها، والتلامذة غير مبالين بالموضوع ولا يرغبون في الكتابة.
تلامذة متوجسين
الطلاب منقسمون، منهم من يأخذ التقييم بجدية، ومنهم من يعيش مزيجاً من اللامبالاة والارتباك. يقول أحدهم لـ"المدن": "يمتحنونا في مواد لم تكن مطلوبة السنة الماضية ونعاني من صعوبة في التذكر". المشهد بالنسبة إليهم لا يبدو أكثر من تمرين بيروقراطي جديد.
هذا ليس التقييم الأول. ففي أيار الماضي، أجرت الوزارة تقييماً لتلامذة المرحلة الابتدائية، من الصف الأول حتى السادس، شمل نحو 135 ألف تلميذ. وأظهرت نتائجه فاقداً تعليمياً وُصف داخل الوزارة بـ"المأساوي"، ما دفع إلى إطلاق "برنامج التعافي" لردم الهوة في المستويات التعليمية.
محاولة اللحاق بالركب
مصادر تربوية مطّلعة توضح لـ"المدن" أن الهدف من التقييم الحالي "اللحاق بالركب، وقياس ما اكتسبه التلامذة في المراحل المفصلية: نهاية المتوسط، بداية الثانوي، ونهاية المرحلة الثانوية، خصوصاً أننا نعمل على تطوير مناهج جديدة". لكن بين مناهج تُحدَّث على الورق، وواقعٍ مدرسيٍّ يترنّح في الميدان، يبدو "التقييم الوطني" أقرب إلى مرآة تعكس أزمة أعمق بكثير من نتائج امتحان: أزمة ثقة، وتمويل، وإيمان بأن المدرسة الرسمية لا تزال قادرة على النهوض.
