فقمة الراهب هجرت عمشيت: تشييد فيلا يهدد مغارتها بالدمار

رنا البايعالسبت 2025/10/18
فقمة الراهب في مشيت (كارل سعد)
تدمير المغارة بمثابة دمار شامل للتنوع البيولوجي وموئل حيوان الفقمة المهدد بالانقراض (كارل سعد)
حجم الخط
مشاركة عبر

 

دقّ الناشطون والجمعيات البيئية ناقوس الخطر بعد دخول جرافة منذ أربعة أيام إلى محيط موقع مغارة الفقمة في عمشيت بغية إنشاء فيلا سكنية. وهي منطقة تُعدّ من أكثر المواقع الساحلية التي لها حساسيةً بيئية. وبدأت أعمال الحفر والجرف في ورشة تقع على عقار خاصّ. واعتبر الناشطون الأمر بمثابة اعتداء بيئي لا يمكن السكوت عنه.

الصورة لكارل سعد 

البناء وفق مغارة فقمة الراهب في عمشيت (كارل سعد)

بدء الأعمال أشعل موجة استنكار واسعة، وسط تحذيرات من أنّ استمرارها قد يؤدّي إلى تدمير كنز بيئي نادر، وأحد أهم المعالم الطبيعية في عمشيت، ذلك أن تدمير المغارة بمثابة دمار شامل للتنوّع البيولوجي وموئل حيوان الفقمة المهدّد بالانقراض. 

فمن يحمي المغارة من الاستثمارات الخاصة في غياب دراسة للأثر البيئي للموقع؟ ولماذا لم تتحرّك بلدية عمشيت على الرغم من تقدّم جمعية "لبنان الأرض" بشكوى لوقف أعمال البناء؟ ولماذا لم تُصنف المغارة كمحمية طبيعية لا يجب المساس بها؟

 

فقمة مهددة بالانقراض

وقّع لبنان اتفاقية برشلونة التي تُلزم الدول بحماية مساكن الكائنات البحرية المهددة بالانقراض، وتدخل حماية موائل فقمة الراهب فيها حكماً. لكن في بلد يعاني من غياب الرقابة الفعلية على الأملاك البحرية، لم تحترم هذه الاتفاقية، كما قال الناشط البيئي المهندس فريد أبي يونس لـ"المدن". 

وثّق أبي يونس انطلاق أعمال البناء والحفر في الموقع بالصوت والصورة. ودان سكوت الجميع عن الضرر اللاحق بالمغارة بسبب هذه الأعمال فوق المغارة الطبيعية فائقة الجمال. وأضاف أنه كان حرياً الوقوف يداً واحدة للدفاع عن هذه المغارة ملجأ فقمة الراهب المتوسطية المهددة بالانقراض عالمياً، بعدما بات عددها لا يتجاوز 500 فقمة. 

وشرح الناشط البيئي أن آخر صورة التقطت للفقمة في عمشيت كانت منذ عام تقريباً. لكنّها اضطرت للرحيل إلى قبرص هرباً من الضجيج لأنها كائن خجول يبحث عن الهدوء والسكينة.

الصورة لفريد أبي يونس

البناء وفق مغارة فقمة الراهب في عمشيت (كارل سعد)

بلدية عمشيت، تعاطت كالنعامة ودفنت رأسها بالرمل. بطبيعة الحال، يشدد رئيس بلدية عمشيت جوزيف الخوري على أهمية المغارة على الصعيدين البيئي والسياحي، لكنّه يعتبر الموضوع شائكاً وله وجهان: وجه بيئي محقّ وآخر قانوني "مبكّل"، بمعنى حق مالك العقار بالبناء. وقال لـ"المدن": "أنا أنفذّ القانون مهما بدا جائراً للبعض ولا أتخطّاه. رولا بهنام مالكة العقار، لديها رخص قانونية وقرار من مجلس الشورى ومن وزارة البيئة ووزارة الداخلية. لذا البلدية لا تستطيع إيقاف العمل إذا لم تحصل مخالفات".

ويكشف أنه تواصل مع محامين وقضاة لإيجاد حلّ مناسب، ونصحوه بعدم التّدخل قبل جلاء المعطيات كلّها، وإجراء الوزارة المعنية الكشف المناسب للتّأكد من وجود مخالفات. ولفت إلى أن البلدية أرسلت بدورها مهندساً للكشف الميداني ولم يجد أية مخالفات.

وانتقد الخوري الناشطين بالقول: "لماذا تلهّى هؤلاء بما فوق الأرض ولم يهتموا بما تحت الأرض؟ كان الأجدى منهم المطالبة بتصنيف المغارة محمية طبيعية منذ سنوات عوض انتظار وقوع المحظور".

البناء وفق مغارة فقمة الراهب في عمشيت (فريد أبي يونس)

 

التهرب من المسؤولية 

الناشطون البيئيون يتهمون وزارة البيئة بالتقصير وعدم الحزم في موضوع حساس كهذا. لكن مصدر رسمي في الوزارة أكد لـ"المدن" اهتمام الوزارة بالثروة البيولوجية وأهمية المحافظة عليها، خصوصاً الفقمة المهدّدة بالانقراض. 

وأضاف المصدر أن المسار الإداري السليم يستوجب من أصحاب مشروع البناء اتباع الخطوات القانونية اللازمة من خلال طلب تصنيف الموقع وإذا كان بحاجة لدراسة تقييم الأثر البيئي. أما وزارة البيئة في العهد السابق فقد اكتفت بوضع خطة إدارة بيئية، وليس دراسة تقييم الأثر البيئي.  

وبما يتعلق بمغارة الفقمة، لفت المصدر إلى أنه لا صلاحيات للوزارة لوقف الأعمال في محيطها. فهذا بحاجة لقرار قضائي. وأضاف أنّ الوزارة الحالية تهتمّ وتتابع الموضوع عن كثب وسترسل بداية الأسبوع المقبل فريقاً تقنياً لوضع تقريره حول مدى احترام شروط خطة الإدارة البيئية. علماً أنه على البلدية الكشف ميدانياً أيضاً.

بالمقابل يعتبر الناشطون أن وضع "خطة إدارة بيئة" مجرد هرطقة قانونية وبيئة، كما أكد رئيس "جمعية الأرض" الناشط البيئي بول أبي راشد لـ"المدن"، إذ سبق وتقدّمت هذه الجمعية بمراجعة لدى مجلس شورى الدولة منذ نحو عام لإبطال رخصة البناء. 

واعتبر أنّ فشل السدود، وتلوّث البحر بالمطامر، وتشوّه الجبال بالمقالع نتجت جميعها من عدم احترام قانون حماية البيئة ومرسوم أصول تقييم الأثر البيئي. وهذا تماماً ما يحصل في موقع فقمة الراهب في عمشيت، حيث لم يتمّ إعداد دراسة تقييم الأثر البيئي للبناء فوق المغارة التي تعتبر موئلاً مميزاً لتكاثر فقمة الراهب المهددة بالانقراض. بل جرى التحايل على القانون بطلب إعداد خطة إدارة بيئية خالية من دراسة تأثير المبنى على وجود الفقمة.

البناء وفق مغارة فقمة الراهب في عمشيت (فريد أبي يونس)

دعوى وتحقيقات

بعد مراجعة الجمعية لدى مجلس شورى الدولة، صدر القرار عن "الشورى" في أيار الفائت بردّ المراجعة بالشكل، نظراً لورودها خارج المهلة القانونية. واصلت الجمعية رفضها وتقدّمت بكتابٍ رسميٍ في حزيران إلى بلديّة عمشيت المنتخبة. وتضمن الكتاب توثيقاً مفصّلاً للمخالفات الواردة في الرخصة التي أعطاها رئيس البلدية السابق طوني عيسى. ويعلّق أبي راشد بالقول إن رفض المراجعة بالشكل كان فضيحة. فقد عنى الأمر أنّ شورى الدولة لم يبحث في جوهر القضية، أي في المخالفات القانونية والبيئية الناتجة عن مشروع البناء في موقع مغارة فقمة الراهب.

ويضع أبي راشد الكرة اليوم في ملعب رئيس البلدية. فالمادة الرابعة من قانون البناء تنصّ على إلزام البلدية قانوناً باتخاذ الإجراءات الفوريّة لوقف الأعمال في حال تبيّن (حتى بعد مرور أكثر من شهرين على تاريخ منح رخصة بناء) أي خطأ في إفادة التخطيط أو أي مخالفة لقانون البناء أو لأنظمة المناطق(Zoning). هذا فضلاً عن عدم إعداد دراسة للأثر البيئي.

وكشف أبي راشد أن "الجمعية" تقدّمت بإخبار إلى النيابة العامة البيئية، التي ستباشر التحقيقات، داعياً رئيس البلدية إلى وقف الأعمال المخالفة فوراً وتطبيق القانون لحمايةً المغارة والموقع الطبيعي الفريد، من دون الحاجة إلى انتظار أي قرار قضائي جديد أو موافقة أي إدارة رسميّة أو أيّ مرجع آخر.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث