تعنيف التلامذة مقبول في سوريا: "ضرب تأديبي"!

محمد كساحالأحد 2025/10/12
تلامذة سوريون (محمد كساح)
وصلت أساليب تأديب التلامذة في سوريا إلى استخدام الهروات المطاطية محمد كساح)
حجم الخط
مشاركة عبر

رغم التعاميم التي تحظّر الاعتداء الجسدي أو اللفظي على التلاميذ في المدارس السورية، تستمر ظاهرة الضرب والتنمر اللفظي من دون أي رادع حقيقي أو تحرك جاد وحاسم من وزارة التربية. وأثارت هذه القضية جدلاً واسعاً بين السوريين في الأيام القليلة الماضية، على خلفية انتشار تسجيل مصور لإحدى المعلمات وهي تنهال بالعصا على مجموعة من التلاميذ المصطفين في ساحة المدرسة السادسة في مدينة داريا في الريف الدمشقي.

 

التعنيف الجسدي

رصدت "المدن" العديد من حالات التعنيف، سواء من خلال شكاوى مباشرة من أولياء أمور التلامذة أو حتى على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يؤشر إلى انتشار ظاهرة التعنيف الجسدي بكثافة في المدارس. وبدت لافتة جداً حالة التلميذ (ح) الذي ضربته المعلمة بعصا سميكة على يده، في مدرسة في مدينة داريا. وكان سبب الضرب تافه، لأنه تأخر عن الدوام الدراسي. وتؤكد والدة التلميذ لـ"المدن" أن الطفل عاد باكياً إلى المنزل من شدة الألم ما دفعها للذهاب إلى المدرسة في اليوم التالي لمقابلة المعلمة. وكانت الأخيرة "غير مبالية بما حدث"، كما أكدت.

في إحدى مدارس إدلب وصلت أساليب تأديب التلامذة إلى استخدام الهروات المطاطية. وتقول والدة التلميذة (ف) إن المعلم قرر معاقبة الصف جماعياً، وانهال بالضرب على التلامذة بـ"قضيب مصنوع من مادة السيليكون"، وطالت طفلتها ضربات عدة تسببت لها بآلام شديدة في مختلف أنحاء الجسم. 

المستغرب في حالات التعنيف أن الأهل لا يبادرون إلى تقديم شكاوى رسمية ضد إدارة المدرسة. بل ترى الوالدتين أن "الضرب هو حالة اعتيادية في المدرسة منذ عقود طويلة، ولا فائدة من الشكوى". لا بل رأتا أن لـ"ضرب التلامذة مبررات كثيرة أحيان"، جراء غضب المعلم من التلميذ. لكن مع ذلك أعربت السيدتان عن أن ثقافة الضرب وخصوصاً ما يسمى بالعقاب الجماعي هي "أمر مستهجن والأفضل التخلي عنه". 

 

جدل واسع

أثار التسجيل المصور للتلميذ المعنّف في مدرسة داريا السادسة، جدلاً واسعاً بين السوريين. البعض طالب بإنزال عقوبات مشددة بحق المعلمة والبعض الآخر رأى أن الضرب ليس جرماً بحد ذاته في حال كان محدوداً وغير مؤذٍ لجسم الطالب! لكن الفيديو الذي لقي رواجاً كبيراً كشف أن التعنيف في المدارس في عموم سوريا بمثابة حالة طبيعية، بالرغم من التعاميم الواضحة التي تمنع الضرب.

 

الرد الحكومي على الواقعة كان بفصل المعلمة وإصدار تعميم يمنع كل أشكال الاعتداء الجسدي أو اللفظي على التلاميذ لأي سبب كان. لكن هذه الإجراءات لم تواكب بتسيير بعثات توجيهية وتفتيشية إلى المدارس للتأكد من تطبيق التعاميم لمنع ضرب التلاميذ، وتوفير مرشدين نفسيين للاهتمام بمشكلات التلاميذ النفسية.

 

"ضروب التأديب" الأطفال 

لا ينص قانون العقوبات السوري على تجريم ضرب الطفل في المدرسة، بل تجيز المادة 185 من القانون ما يسمى بـ "ضروب التأديب" للأطفال. لكن وزارة التربية أصدرت عام 2004  تعميماً بمنع الضرب، ومع ذلك، فإن الظاهرة لم تتوقف حتى الآن.  

الخبير التربوي محمد المحمد يؤكد أن القوانين السورية، تحظّر بشكل عام استخدام العقاب البدني ضد الأطفال في المدارس، عازياً عدم تطبيق هذه القوانين إلى "الموقف الذي يفرض على المدرس استعمال هذه الوسيلة نظراً لعدم استجابة بعض التلاميذ للتنبيه بالكلام".

ويلفت إلى أن "الجهة المخولة بمراقبة المؤسسات التعليمية تبدأ من مدير المدرسة بشكل مباشر ثم هناك المشرفون التربويون الذين يقومون بزيارات دورية للمدارس لمراقبة أداء المعلمين، وتقييم طرق التدريس، وتقديم التوجيه والدعم، وهم عبارة عن حلقة وصل مهمة بين الإدارة المركزية والمعلمين في الميدان".

 

ويؤكد المحمد أن الضرب في المدارس، حتى لو كان "غير مبرّح" أو "ضمن حدود معينة"، هو "ممارسة مرفوضة وغير مقبولة تربويًا ونفسيًاً، بسبب تأثيراتها النفسية السلبية على الطفل مثل الخوف، القلق، انخفاض تقدير الذات، العدوانية، إضافة لمشاكل سلوكية طويلة الأمد".

 

الضرب لا يجدي نفعاً مع الطالب

من جانبه، المدرس وليد الشيخ نايف أشار إلى أن استخدام الضرب باليد مباشرة أو العصا كوسيلة أو طريقة تربوية لا يجدي نفعاً مع الطالب ولا يحقق الغاية التربوية والتعليمية. ويلاحظ أن "لجوء المدرس إلى التعنيف قد يكون وراءه متاعب مادية تواجه الأستاذ"، لافتاً إلى أن "المعلم عندما يكون مرتاح مادياً واجتماعياً وصحياً تخف حالة الضرب في المدرسة، لأن أعصابه تبقى هادئة ويلجأ إلى استيعاب الطلاب ومشاغباتهم". 

وفضلاً عن الحالة المادية للمعلم، يعزو الشيخ نايف استمرار ظاهرة الضرب غير المبرح في سوريا إلى أسباب عديدة منها العدد الضخم أو الكبير للطلاب في الشعبة الواحدة، والمرحلة العمرية لدى التلاميذ المتواكبة مع تكوين الشخصية ومحاولات إثبات الذات، مشيراً إلى "وجود قناعة لدى الكثير من المعلمين والأهالي بجدوى وفائدة الضرب غير المبرح وأنه يؤدي إلى نتيجة إيجابية". 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث