مقاهي حلب تتحرر من عبء الأسد وتستعيد دورها الثقافي والسياسي

معرض كتاب في مقهى "حلب عاصمة الثقافة" (عمار الدروبي)
هو محاولة لاستعادة وجه حلب الثقافي الأصيل الذي لطالما تميزت به عبر التاريخ (عمار الدروبي)
حجم الخط
مشاركة عبر

تشهد مدينة حلب السورية في الآونة الأخيرة عودة لافتة لدور المقاهي الثقافية والسياسية، بعد عقود من الغياب والتراجع الذي فرضته سطوة الأجهزة الأمنية لنظام الأسد، التي كانت تراقب السوريين، إضافة إلى ظروف الحرب الأخيرة، وتبدّل الحياة الاجتماعية في سوريا.

 

أمسيات شعرية وندوات سياسية

وتحوّلت بعض المقاهي، لا سيما وسط المدينة، القريبة من ساحة سعد الله الجابري الشهيرة، إلى ما يشبه المنابر الفكرية المصغّرة، تستضيف أمسيات شعرية، وندوات سياسية، وأحاديث عن الذاكرة الحلبية، ودور المدينة في الحياة الفكرية السورية.

واستغل رواد الفكر والسياسة في حلب هامش الحرية، الذي ظهر بعد سقوط نظام الأسد، لتقديم أفكارهم ومعتقداتهم على الملأ، بعد أن كان طرح هذه النقاشات من المحرمات، وقد تودي بصاحبها إلى المعتقل، جراء تقرير أمني قد يخطه أحد مخبري النظام المنتشرين في المقاهي.

ويؤكد رواد هذه المقاهي أن عودة هذا الحراك السياسي والثقافي، تعبر عن تعطّش المجتمع الحلبي للحوار والانفتاح بعد سنوات من الانقطاع، في حين يرى أصحاب المقاهي أن إحياء هذا الدور يساهم في استعادة وجه حلب الثقافي الأصيل، الذي لطالما تميزت به عبر التاريخ.

 

معرض كتاب في مقهى "حلب عاصمة الثقافة" (عمار الدروبي)

المقهى معرض للكتاب

وفي سياق عودة الحراك الثقافي إلى المقاهي السورية، استضاف مقهى "حلب عاصمة الثقافة" معرضاً للكتاب، هو الأول من نوعه منذ سقوط نظام الأسد. وما ميزه عن المعارض السابقة دخول كتب كانت ممنوعة سابقاً، فضلاً عن المشاركة الواسعة من مختلف الشرائح العمرية للسوريين.

 

ولاقى المعرض مشاركة وحضوراً من مثقفي المدينة وكُتابها، الذين عبّروا عن أفكارهم وأفصحوا عن انطباعهم في مختلف القضايا التي كانت لا تخرج إلى العلن، خوفاً من الاعتقال والتصفية على يد المخابرات السورية.

الباحث والمنظم للمعرض علاء السيد، أكد أن حلب انقطعت عن معارض الكتب لمدة طويلة جداً تزيد عن عشرين عاماً، مشيراً إلى أن المكتبات ودور النشر كانت تعاني من رقابة أمنية قاسية على الكتب عموماً والمعارض خصوصاً.

وقال السيد في حديث لـِ "المدن": "فكرة إقامة المعرض في المقهى جاءت لأنه نشاط أهلي بعيد عن الصالات الرسمية"، مشيراً إلى أن الفكرة لاقت استحساناً من صاحب المقهى وصديقه الحقوقي محمود حمام الذي عاد حديثاً إلى مدينته حلب، وأعاد افتتاح المقهى.

وأضاف السيد: "فوجئنا بالإقبال الكبير، وتعطش الجمهور لمعارض الكتاب، لا سيما بعد المنع والتقييد الطويل. وبالرغم من محدودية الكتب المعروضة، وعدم وجود كتب ذات إصدارات حديثة بسبب المنع الطويل، فقد تهافت المهتمون لاقتناء الكتب، لا سيما أن أسعارها منخفضة عموماً".

وعن دور المقهى الفكري، رأى السيد أن المقاهي الأدبية في سوريا، وحلب على وجه الخصوص، عادت لتستقطب الأدباء والمفكرين والمثقفين الذين رحل معظمهم زمن اضطهاد الديكتاتور، مرجحاً أن تلعب المقاهي دوراً أوسع في المستقبل القريب.

 

استشراف مستقبل المدينة

قبل انتخابات مجلس الشعب، انشغل المرشحون بطرح أفكار وبرامج انتخابية، بالرغم من الاختلاف في طريقة الانتخابات وحصرها في لجان انتخابية، حيث نشط المشاركون في العملية الانتخابية بجلسات حوارية واسعة ضمن المقاهي الحلبية.

وقال المحامي ومستثمر مقهى حلب عاصمة الثقافة محمود الحمام، إن المقهى شهد حراكاً فكرياً وسياسياً منذ إعادة افتتاحه قبل عدة أشهر، مشيراً إلى عقد العديد من اللقاءات لأدباء ومفكري مدينة حلب المقيمين والعائدين أخيراً إلى سوريا، تمثلت في استشراف مستقبل مدينة حلب.

وأضاف الحمام في حديث لـِ "المدن"، أن نقاشات سياسية طرحت في مرحلة ما قبل انتخابات مجلس الشعب في سوريا، حول دور البرلمان الجديد، وأهمية أن يمثل طموحات السوريين وآمالهم، بعيداً عن شكله التقليدي القديم الذي عرف به تحت مسمى "مجلس التصفيق".

 

لمّ شمل الأصدقاء

ولا يبدو أن المقهى بات يلعب دوراً ثقافياً وسياسياً في المشهد السوري الجديد فحسب؛ بل باتت المقاهي تجمع أصحاب الفكر المغتربين بأصدقائهم، الذين فرضت عليهم ظروف الحرب البقاء في مناطق سيطرة النظام السابق.

ويقول المدرس السابق عمر يوسف، إنه اجتمع برفاق المهنة وسنوات الدراسة الجامعية، بعد غياب طويل، مشيراً إلى أنهم كانوا يخشون التواصل معه، أو حتى وضع إعجاب على منشوراته التي كانت تخالف فكر النظام السابق.

ويؤكد يوسف لـِ "المدن" أن المقهى كان يجمع الأصدقاء قبل بدء الحراك الشعبي في سوريا، واليوم يجمعهم مجدداً مع فارق العمر والخبرة، في عهد جديد وآمال بغد أفضل بعد رحيل النظام.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث