توسعة مطمر الجديدة: حلول مؤقتة للنفايات وانتاج الطاقة وهم

مصطفى رعدالسبت 2025/10/11
مطمر الجديدة (مصطفى جمال الدين)
قرار الحكومة مثال جديد على سياسة الترقيع التي تؤجل المشكلة بدل معالجتها (مصطفى جمال الدين)
حجم الخط
مشاركة عبر

كما كان متوقعاً، قرر مجلس الوزراء توسعة مطمر الجديدة، وبناء الخلية رقم 8 في المساحة الأخيرة المتبقية في المطمر، وهي بمساحة 40 ألف متر مربع (راجع المدن). واتخذ القرار رغم اعتراض بلدية الجديدة البوشرية السد، واعتراض وزراء القوات اللبنانية وتحفظ نواب المتن الشمالي. أزمة لم تكن طارئة يوماً ما بل تراكمت منذ أكثر من 30 عاماً، بل تراكمت أسبابها بسبب غياب التخطيط المستدام والإرادة السياسية.

" قرار الدولة هو مثال جديد على سياسة الترقيع التي تؤجل المشكلة بدل معالجتها"، يقول جوليان جريصاتي، مدير البرامج في "غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا". ويضيف في حديث لـ"المدن" أن هذا الأمر "يُجنّبنا فقط تكدّس النفايات في الشوارع مؤقتًا بينما تنقل الأزمة إلى موقع آخر، من دون معالجة مستدامة".

 

من يبتز اللبنانيين؟

"بعد 8 أشهر من عمر الحكومة، لم تطلع وزيرة البيئة د. تمارا الزين مجلس الوزراء على ملف تعيين الهيئة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة، والتي كان من مهامها أن تضع المخطط العام لنقول للناس إنه أصبح هناك سياسة عامة واضحة بموضوع النفايات الصلبة"، يقول عضو تكتل الجمهورية القوية النائب رازي الحاج لـ "المدن"، مضيفاً أنه "لا يمكن أن تبقى هذه الأزمة كقنبلة موقوتة تنفجر كل عامين في وجه اللبنانيين الذين يسكنون على ساحل المتن الشمالي". 

يعلّق الحاج بالقول إن وزراء القوات اللبنانية ونواب المتن الشمالي اعترضوا على قرار مجلس الوزراء القاضي بتوسعة المطمر، ويضيف أن "ما حصل قبل يومين، بعدما توقفت شركة رامكو عن جمع النفايات، يشير إلى أن هناك ابتزاز واضح، لأنه عندما اتخذ القرار بالتوسعة المؤقتة حتى العام 2026 في مجلس الوزراء، لم يحصل أي تراكم للنفايات في الشوارع، على الرغم من أن مجلس الإنماء والإعمار يحتاج إلى شهرين كي يتمكن من تشييد الخلية رقم 8، وهنا وضعوا الناس أمام خيارين، إما القبول بالتوسعة، أو تراكم النفايات في الشوارع".

ويضيف الحاج "لأننا رفعنا الصوت، اضطر الجميع على مستوى وزارة البيئة واتحاد البلديات في الذهاب إلى تحمل المسؤولية المشتركة، التي تبدأ من البلديات واتحاداتها، ووزارة البيئة، وانطلاقاً من قانون إدارة النفايات الصلبة رقم 80"، مشدداً على أن "وزارة البيئة لديها صلاحيات واضحة، ولا يمكن أن تتملص منها بالتذرع بأنها وسيط فقط، بين الإنماء والإعمار والحكومة والبلديات".

 

حلقة مفرغة

يدور لبنان في حلقة مفرغة لا يستطيع الخروج منها، وهي قائمة على "تمديد الوضع الراهن والاستمرار باتخاذ قرارات مرحلية انتقالية وبأنصاف الحلول"، يقول د. أندريه سليمان، مدير إدارة النفايات والاقتصاد الدائري في شركة "رولاند بيرجير للاستشارات الاستراتيجية"، مضيفاً أن "الوضع الحالي ليس مستداماً، لا على الصعيد البيئي ولا الصحي، ولكننا مستمرون بمنطق ردم النفايات والتخلص منها بالمرادم الهندسية التي لا تستوفي الشروط الهندسية المعتمدة دولياً".

وفقاً له "لا يمكن القول إن هناك مطامر صحية في لبنان، إنما هناك مرادم هندسية غير مستدامة، وستبقى النفايات تتكدس فيها وبالتالي ستصبح كل أراضي البلد عبارة عن نفايات". هذا ما يؤكد عليه رازي الحاج معتبراً أن "مطمر الجديدة لم يُنفذ بشكل صحيح، والنفايات تُرمى بطريقة عشوائية، ووزراء البيئة المتعاقبين يضعون حلولاً مؤقتة، ونحن لا نستطيع الاستمرار بهذا النهج".

 

لا مركزية إدارة النفايات

يرى سليمان أن "إدارة النفايات هو نشاط محلي، بلدي، لا مركزي، ولا يوجد دولة في العالم تدير نفاياتها على الصعيد المركزي"، ويعود سليمان ليقول إن "انتقال لبنان من إدارة لا مركزية بلدية، كما كان قبل الحرب الأهلية في لبنان، إلى إدارة مركزية، يعود إلى أسباب سياسية، زبائنية، مخلفة نتائج كارثية على المدى الأعوام الماضية".

برأي سليمان، "يجب أن ننقل إدارة النفايات المنزلية الصلبة للإدارات المحلية التي لا بديل عنها، كما يجب أن نعزز مشاركة القطاع الخاص"، نظراً لأن "إدارة النفايات المبنية على المال العام والمال الحكومي، هي غير مستدامة، مالياً وتشغيلياً، وجميع الدول النامية تقوم بإشراك القطاع الخاص، كونه يعمل على جمع النفايات ومعالجتها وإدارة المرادم".

 

مكاسب نواب المتن الشمالي

ما حصل في جلسة الحكومة الأخيرة برأي النائب القواتي، هو عبارة عن التخفيف من وقع القرار و"انتزاع بعض المكاسب من مجلس الوزراء، وهو تخفيض مهلة التوسعة وعمر المطمر سنة واحدة من نهاية العام 2027 إلى نهاية العام "2026، كما "حصلنا على مكاسب لبلدية الجديدة البوشرية السد ولأهالي برج حمود، عبر  قرارات تلزم الإنماء والإعمار بدراسة وتنفيذ محطة لإنتاج الطاقة الكهربائية من الغاز الذي يصدر عن المطمر، بالإضافة إلى إنشاء مزرعة طاقة شمسية في منطقة خالية ليست مستخدمة ضمن المطمر، وسيكون لها أثرإيجابي على أهالي المنطقة للتعويض عن الضرر الذي حصل في هذا الملف". بالإضافة إلى ذلك، يقول الحاج إنه من "حق بلدية الجديدة البوشرية السد تملك عقار المطمر بعد إغلاقه نهائياً، ناهيك عن إلزام وزارة المالية بدفع جميع مستحقات لبلديات برج حمود والجديدة البوشرية السد المتراكمة على الدولة".

الحل الأخير الذي اقترحه الحاج، لا يتوافق مع ما تراه منظمة "غرينبيس" و"ائتلاف إدارة النفايات"، إذ حذروا في بيانهم "من الترويج للوقود المشتق من النفايات Refuse Derived Fuel- RDF  كحل سريع لأزمة النفايات في لبنان، إذ إنه يُنتج من نفايات مختلطة ويقوّض إعادة التدوير، ويطلق ملوّثات خطرة عند احتراقه. كما يتعارض مع مبدأ تخفيف النفايات لأنه يشجّع على زيادتها لتوليد الطاقة، ما يضع البلاد أمام نظام حرق غير مستدام ويصرف الأنظار عن الحلول الدائرية الحقيقية."

 

خمس سنوات لتحويل النفايات إلى طاقة؟

هل فعلاً نستطيع تحويل النفايات إلى طاقة؟ قد يكون الجواب في الظاهر "نعم"، لكن هذا الأمر يحتاج إلى عدة سنوات، وهو خيار باهظ التكلفة مالياً وبيئياً وصحياً. يدحض د. سليمان هذه الفرضية ويعتقد أنها تحتاج إلى عدة سنوات لتحقيقها، فإذا "اتفقنا اليوم على تحويل النفايات لطاقة، فسيستغرق الأمر خمس سنوات، انطلاقاً من تحضير المناقصات وعقود الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، واختيار الشركات المشغلة والموافقات والتلزيمات، وبناء المعمل وتشغيله، عدا عن اتباع نظام صارم لجمع النفايات المفروزة، المخصصة للحرق، وأصغر محرقة تُكلّف الدولة 50 مليون دولار، كما أن الهندسة التعاقدية معقدة جداً، ولا أعرف ما إذا كانت بلدية الجديدة قادرة على تحمل هذا العبء".

يضيف سليمان أن "حق استثمار الطاقة يجب أن يكون مبنياً على خطة واضحة، تبدأ من خصائص النفايات كوننا ننتج نفايات عضوية أكثر وهي غير قابلة للحرق، ويجب أن تكون مبنية على الاستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات وعلى خطة تشغيلية وعلى دراسة جدوى اقتصادية وبيئية".

وبجسب ما يقول، يوجد "معالجة متكاملة للنفايات، أي لا يمكن أن تذهب كل النفايات إلى الحرق على الوقود المشتق للوقود المشتقRefuse Derived Fuel- RDF وهناك ما يذهب إلى مرافق استعادة الموادMaterials Recovery Facility MRF، ويجب أن يكون هناك معامل فرز ثانوية، وإعادة تدوير، وإعادة استعمال لمواد الألومينيوم والبلاستيك والورق في صناعات مختلفة، والأمر يتطلب تخطيطاً وطنياً ومحلياً لتكون الإدارة المتكاملة للنفايات إدارة مستدامة مالياً وبيئياً".

من جهته، يرى جريصاتي أن إعطاء بلدية الجديدة حق استثمار الطاقة ومنح تراخيص لإنشاء معامل معالجة، هي "خطوة يمكن أن تكون إيجابية إذا نُفّذت وفق رقابة صارمة وشفافة، والتزمت بمعايير بيئية واضحة، لأنها في غياب هذه الشروط قد تُفاقم التحديات البيئية بدل معالجتها".

ويضيف أن إقامة محطة لتوليد كهرباء من غاز المطمر، "ممكنة تقنياً وقد تم اختبارها سابقًا في مطمر الناعمة عام 2016، حيث جرى إنتاج الكهرباء من غاز الميثان الملتقط"، إلا أن "نجاح المشروع كان محدودًا، لأسباب مالية وإدارية، ولم يُسهِم بعدُ بشكل عميق في حل الأزمة على المدى الطويل. كما أن هذا النوع من المشاريع قد يُطلق ملوثات خطرة ما لم يتم الفرز والمعالجة بشكل شامل". 

الأمر لم يكن سهلاً لمن عايش ملف أزمة النفايات في الحكومات السابقة. يتساءل حبيب معلوف، الصحافي المتخصص في القضايا البيئية، في منشور على فايسبوك عن "متى ستبقى إدارة هذا الملف بيد مقاولين؟"، مشيراً إلى أنه "كان يفترض أن يبقى مطمر الناعمة مئة سنة، (وما وصلنا إلى هذه الصفقات) لو اتبعنا مبادئ التخفيف والفرز والتسبيخ، ولو وضعنا ضريبة مرتفعة على الطمر لتجنب استسهال طمر كل شيء". واعتبر معلوف "أنه حتى مطمر الجديدة ما كان ليفقد قدرته الاستيعابية بهذه السرعة لو طلبت بلدية الجديدة ضريبة مرتفعة على كُلّ طن نفايات يدخل إلى المطمر مما يجبر البلديات على الفرز وبيع المواد القابلة لإعادة التصنيع والاستخدام وتخمير المواد العضوية... بدل المطالبة بأمتار إضافية مردومة". 

 

ما الحل؟

"الحلول موجودة، واقعية، ومستدامة، لكنها تتطلب إرادة سياسية جدية، تطبيقًا صارمًا للمعايير البيئية، وتمكينًا حقيقيًا للسلطات المحلية والمجتمع المدني"، يقول جريصاتي، مضيفاً أن "المطلوب الخروج من دائرة المعالجات المؤقتة، ورفض المسكّنات، المحارق، أو الوقود المشتق من النفايات، والتركيز على الاقتصاد الدائري كخيار استراتيجي".

وكانت "غرينبيس" و"ائتلاف إدارة النفايات" قد نشرت بياناً عددت فيه عدداً من الحلول انطلاقاً من مبادئ الاقتصاد الدائري، تبدأ أهمها من:

-تطبيق الفرز من المصدر بشكل إلزامي وفعّال على المستوى الوطني، مع تأهيل وتشغيل البنية التحتية القائمة لدعم هذا الفرز.

-إعطاء الأولوية لمعالجة النفايات العضوية، التي تشكّل نحو 70% من مجمل النفايات، من خلال التسميد أو المعالجة البيولوجية، وتفعيل معامل المعالجة القائمة.

-تطبيق مبدأ المسؤولية الممتدة للمنتج وتحميل المستوردين والمنتجين مسؤولية منتجاتهم وتغليفها.

-اعتماد مطامر صحية مؤمّنة للنفايات غير القابلة للتدوير أو التسبيخ فقط أو إعادة الاستخدام مع فرض رسوم عالية* لضمان أن الطمر يبقى الخيار الأخير.

-تمكين البلديات والمجتمع المدني لتنفيذ حلول لامركزية قائمة على الإصلاح، وإعادة الاستخدام، والتدوير.

-وضع مؤشرات قياس ومتابعة شفافة (مثل معدلات الفرز، إعادة الاستخدام، التدوير، خفض الطمر والانبعاثات) ونشرها دورياً للرأي العام.

على الصعيد البيئي، استمرار سياسة الطمر العشوائي من دون تبني حلول مستدامة يهدد بتدهور شامل للمنطقة، زيادة التلوث، وانخفاض جودة الحياة. هذه المخاطر لا تقتصر على المنطقة المحيطة فقط، بل تمتد لتشمل المستوى الوطني.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث