لم تكن مراجعة علامات أحد الطلاب الكويتيين في كلية الحقوق والعلوم السياسية سوى جزء بسيط من قضية فساد مستشرٍ في الكلية، فهي بمنزلة رأس جبل الجليد فحسب. شاءت المصادفة أن تبدأ بمراجعة مسابقة أحد الطلاب، ليُكتشف عبرها التلاعب والتزوير في المسابقات، غير أن الغوص في ملفات الكلية قد يؤدي إلى الإطاحة برؤوس كبيرة.
بعد بدء تحقيقات أمن الدولة قبل أيام حول قضية تزوير العلامات، صدرت عدة قرارات عن رئيس الجامعة بسام بدران، منها القرار رقم 2031 القاضي بتشكيل لجنة للتحقيق في التلاعب بالعلامات، والقرار رقم 2029 الذي أعفى بموجبه مدير الفرع مجتبى مرتضى من مهامه، وكلّف سامر عبد الله بالقيام بمهامه. كما صدر قرار ثالث أعفى أمين السر طارق البكري وعيّن آسيا بكار خلفًا له، وقرار رابع أعفى الموظف علي شاهين، والأجير عون الله حيدر، والمدربين جهاد الأشمر ومنار الموسوي، والمدربة المتعاقدة هبة سرحان من مهامهم، ذلك في انتظار نتائج التحقيقات.
التحقق من علامات طالب
ثمة أكثر من رواية حول ما شهده الفرع الأول في الكلية الأسبوع الفائت، غير أن المشترك بينها أن «الفضيحة» تدور رحاها في البيت الداخلي لحركة «أمل»، بين مساعٍ لتنظيف الكلية من الفساد أو إبقاء الأمور على حالها. والسؤال المطروح: كيف دخل جهاز أمن الدولة على الخط، مما أدى إلى إرباك كبير داخل «أمل»؟
في الرواية الأولى، تشير المصادر إلى أنه ورد إلى عمادة كلية الحقوق طلب التحقق من علامات أحد الطلاب الكويتيين من سفارة الكويت في بيروت. وهو إجراء روتيني تقوم به السفارات عادة، سواء لناحية طلب إفادة صحة صدور الشهادة الصادرة من لبنان، أم لناحية التحقق من متابعة الطلاب الموظفين دروسهم في لبنان. وفي سياق تحقق مدير الفرع الأول، مجتبى مرتضى، من علامات طالب لكتابة رد للسفارة، تبين وجود تلاعب في إحدى المسابقات. تلا ذلك مراجعة نحو أربع مسابقات أخرى، بما فيها مادة القانون الخاص التي يدرسها. كما تبين أن تزويرًا طال نحو خمس مسابقات؛ إذ رُفعت العلامة من 15 إلى 65 في إحداها، وفي أخرى جرى تغيير المغلف الخارجي الذي يتضمن العلامات والاسم، وفي مسابقة ثالثة أرفقت ورقة عوضًا عن أخرى. لذا أبلغ مرتضى رئيس الجامعة، بسام بدران، بالأمر، واتخذ إجراءً سريعًا بتغيير قفل الغرفة التي توضع فيها المسابقات، لأن ثمة نحو أربعة أشخاص يدخلونها.
لفلفة الموضوع أم فتح ملفات الكلية؟
في الرواية الثانية، تلفت مصادر "المدن" إلى أن دخول أمن الدولة على الخط، أتى بعد وشاية عن محاولة لملمة الموضوع في الكلية عبر إعادة تعديل علامات الطالب وتخفيضها، وعدم فتح تحقيق تجنبًا لكشف المتورطين من جهة، ولإبعاد السمعة السيئة عن الجامعة.
أما في الرواية الثالثة فتلفت المصادر إلى أن بدران طلب من مرتضى إثبات جدارته في الإدارة، والبدء بتنظيف الفساد في الكلية بعد تراكم الفضائح. وسبق وتطرقت "المدن" إلى بعضها منها تسجيل الموظفة المتعاقدة ل.ج. المحظية في ماجستير بحثي في القانون العام من دون إجراء امتحان دخول، وتحصيل مبالغ مالية من الطلاب المشاركين في الدورة التحضيرية لمباراة معهد الدروس القضائية. وبالتالي طلب منه بدران اتخاذ إجراءات فورية، ووضع حد للفساد المستشري في صفوف الموظفين والأساتذة، من ناحية التلاعب في العلامات والامتحانات والشهادات. وتضيف المصادر أن مرتضى باشر فتح الملفات، وبدأ بقضية التلاعب في العلامات، وأبلغ بدران، لكن دخلَ أمن الدولة على الخط، وانفضحت القضية.
مرتضى أدى واجبه
يقول مصدر من الكلية إن مرتضى بدأ التحقيق، وأبلغ بدران بكل التفاصيل. وكان دخول أمن الدولة مستغرباً، كما لو أن البعض تعمد الإيحاء بأن مرتضى يريد لملمة الموضوع، وهذا أمر غير ممكن، لأن أمين السر طارق بكري كان برفقة مرتضى عندما فحص المسابقات، وتبين التزوير والتلاعب بالعلامات. ووجودهما معاً في حادثة من هذا النوع، يدفع كلاً منهما إلى الخوف من الآخر في حال قرر أحدهما عدم التبليغ عن الموضوع.
ويضيف المصدر أن مرتضى بعد اكتشاف التزوير أبلغ رئيس الجامعة بالوقائع، وطلب الأخير منه إجراء تحقيق، وهذا ما يعني أن أيّة محاولة لملمة في مثل هذه القضية ستطال رئيس الجامعة أيضاً.
ويلفت المصدر إلى أن يوم الاثنين الفائت حضر ضابط وأربعة جنود، وعرّفوا عن أنفسهم بأنهم من وحدة خاصة في أمن الدولة غير الوحدة المعتادة التي تحقق في الإيرادات العامة، وطلبوا المسابقات. أبلغ مرتضى رئيس الجامعة، وطلب منه التعاون معهم، ثم استُدعي إلى التحقيق لأخذ إفادته بناء على إشارة قضائية.
ضحية صراعات حركة أمل
ووفق المصادر، فإن مرتضى حديث العهد في إدارة الفرع الأول في الكلية، ولا يزال لا يعرف كل خباياه. والأهم أنه حركي، لكنه لا يوالي أي جناح من أجنحة حركة أمل المتصارعة؛ بل انتهى به الأمر إلى أن سحب الجميع أيديهم منه، كأن هناك نية بجعله كبش محرقة للموبقات التي تُرتكب في الفرع. فهناك أشخاص معروفون بالاسم، منهم من تقاعد، ومنهم من لا يزال موجوداً ولديه مكتب في الكلية، وقد كدسوا أموالاً طائلة من "تزبيط" علامات الطلاب الأجانب أو من الشهادات الممنوحة للبنانيين. وفي حال كان تدخل أمن الدولة جدياً، يفترض أن يغوص في مغارة الفرع، وهذا من شأنه الإطاحة برؤوس في حركة أمل. أما غير ذلك، فستنتهي القضية بالاقتصاص من الموظف الذي يملك مفتاح غرفة الامتحانات، أو من المدير الذي كشف عملية التزوير التي ضج بها البلد.
استدعاء موظفين وخبراء خطوط
على مستوى التحقيق، تفيد المصادر بأنه سيصار إلى الاستعانة بخبراء خط لمقارنة الخطوط في المسابقات؛ إذ تبين وجود فارق في الخط بين الصفحة الأولى، حيث جرى تغيير العلامات، وبقية صفحات المسابقة. كما أن هذا الإجراء من شأنه أيضاً معرفة ما إذا كانت قد أضيفت إجابات بعد تسليم الطالب المسابقة خلال الامتحان؛ إذ لوحظ وجود فروق في الخط داخل المسابقة الواحدة وبين مسابقة وأخرى. وتتم إحدى طرق التزوير في حال عدم ختم الأستاذ المشرف الصفحة الأخيرة التي يكتبها الطالب في الامتحان، وهو ما يتيح إمكانية إضافة أجوبة بعد تسليم الطالب المسابقة.
إلى ذلك، جرى استدعاء أربعة موظفين يعملون عادةً على فتح المغلف السري في الصفحة الأولى من المسابقة، الذي يتضمن اسم الطالب. فقد جرت العادة أن يسلم أستاذ المادة المسابقات للموظف المسؤول عن الغرفة التي تحفظ فيها، ويقوم الأخير باستدعاء موظفين آخرين لمساعدته في فتح المسابقات، ونقلها إلى الموظفة المسؤولة عن إدخال العلامات في النظام الإلكتروني. ومن شأن التحقيق معهم تحديد ما إذا كان التزوير قد حصل يوم الامتحان، أو بعد تسليم الأستاذ المسابقة المصححة، أو خلال إدخال العلامات في النظام الإلكتروني.
