بالفيديو: آثار سوريا الصامدة مهدَّدة بالألغام... والإهمال

إدلب - أحمد العقلةالخميس 2025/10/09
آثار في الشمال السوري عرضة للدمار والاهمال (أحمد العقلة)
الجهود لإزالة الألغام ما زالت محدودة بسبب نقص التمويل والخبرات (أحمد العقلة)
حجم الخط
مشاركة عبر

هذه المواقع عرضة للنهب وبيع القطع الأثرية في السوق السوداء

تزخر مناطق شمال سوريا بكنوز أثرية تعود إلى العصور الرومانية والبيزنطية، مثل قرى شنشراح وسرجيلا ومدينة إيبلا الأثرية، التي كانت وجهة سياحية بارزة قبل العام 2011. 

تضم محافظة إدلب خمسة مواقع من المدن السبع المنسية، إلى جانب إيبلا ومتحف معرة النعمان، بينما تحتضن حلب قلعتها الشهيرة ومعبد عين دارة. لكن الفقر والفراغ الأمني ساهما في تفاقم الوضع، حيث أصبحت هذه المواقع عرضة للنهب وبيع القطع الأثرية في السوق السوداء، مما يهدد بضياع إرث حضاري عالمي.

 

جارة القمر

وبحسب الخبير الأثري مصطفى اليحيى فإن قرية شنشراح، أو مدينة الإنشراح كما تُعرف بـ"جارة القمر"، تُعد إحدى القرى الأثرية الواقعة ضمن سلسلة قرى جبل الزاوية التي يصل عددها إلى حوالي 800 قرية. وتضم هذه المنطقة مواقع أثرية بارزة مثل آثار بعودة، ربيعة، جلة، أبشلة، والبارة، والتي تُعرف باسم "قرى الحجر الجيري" أو "الحجر الكلسي".

أوضح اليحيى في حديث لـ"المدن" أن قرية شنشراح والقرى المحيطة بها بُنيت بين القرن الأول والسابع الميلادي، وهي تمثل مدنًا بيزنطية ورومانية تحمل طابع العهدين. ومن أبرز معالمها ثلاث إلى أربع كنائس، أهمها الكنيسة الشمالية التي شُيدت على أنقاض معبد يهودي. كما تتميز القرية ببرج مراقبة يقع في الجهة الجنوبية الشرقية، يتكون من ثلاثة طوابق، لكنه تعرض للهدم جزئيًا، حيث لم يبقَ منه سوى طابقين.

ويُشار إلى أن القرية تضم قبر فيلسوف يوناني، إضافة إلى مسجد صغير يعود تاريخه إلى الفترة الأيوبية في المنطقة الوسطى الشمالية.

آثار في الشمال السوري عرضة للدمار والاهمال (أحمد العقلة)

حجم الدمار والأبنية الأثرية

في سياق حديثه عن الأبنية الأثرية في شنشراح، أشار اليحيى إلى أن عدد البيوت في القرية كان يتجاوز 800 منزل وفقاً لدراسته، لكن الواقع الحالي لا يتجاوز 150 منزلًا فقط. ويعود ذلك إلى تعرض القرية لغزوات وحروب متتالية، بالإضافة إلى الدمار الناتج عن القصف خلال الصراعات الأخيرة.

وأضاف أن السكان المحليين اتخذوا من هذه الأبنية ملاجئ للحماية من ويلات القصف، خصوصاً خلال فترة النزاع السوري، حيث استمر النظام في استهداف المنطقة بشكل مكثف.

 

تحديات الحفاظ على الإرث الأثري

يُسلط اليحيى الضوء على الحالة المأسوية للقرية، التي كانت في السابق مركزًا حضاريًا يعكس تنوعًا ثقافيًا وتاريخيًا، لكنها تعاني اليوم من الدمار والإهمال. ويشير إلى أن جهود الحفاظ على هذا الإرث الأثري تواجه تحديات كبيرة بسبب استمرار النزاعات وغياب الدعم الكافي لترميم هذه المواقع.

 

معبّدة بالألغام

تحولت هذه المواقع إلى ساحات قتال خلال الحرب، حيث زُرعت آلاف الألغام على خطوط التماس بين النظام السابق وقوات المعارضة، ما جعل الوصول إليها شبه مستحيل. وهذه الألغام لا تمنع زيارة السياح فحسب، بل تعيق جهود ترميم هذه المواقع التي تعرضت للتخريب والتنقيب العشوائي.

 

لكن جهود إزالة الألغام لا تزال محدودة بسبب نقص التمويل والخبرات، بينما تستمر الجماعات المحلية والمنظمات الدولية في المطالبة بحماية هذه المواقع. ويواجه الإرث الثقافي السوري خطر الاندثار، في ظل غياب استراتيجيات فعالة لإنقاذه، وسط مطالبات بدخول منظمة اليونسكو للاهتمام بهذه المواقع، خصوصاً بعد سقوط قتلى وجرحى مدنيين أثناء زيارتهم للقرى الأثرية.

ويروي أحمد الخالد اليحيى، أحد سكان القرى المجاورة للمنطقة الأثرية، كيف استهدف القصف حتى المواشي والمدنيين، وتحولت المنطقة إلى ساحة معارك، خصوصًا مع قصف الطيران في بداية النزاع. رغم الدمار، تظل المنطقة في ذاكرة أحمد رمزًا للتراث والتاريخ. فذكرياته عن المكان الذي كان وجهة مفضلة لأهالي المنطقة لا تزال غنية. ويصف أحمد المنطقة بأنها كانت "منفسًا" للقرى المجاورة، حيث كان الأهالي يتجمعون فيها خلال الربيع للتنزه والتواصل الاجتماعي. كما كانت تستقطب زوارًا أجانب من أوروبا ومناطق أخرى، يصلون إليها عبر طرق وعرة باستخدام الحمير والبغال.

 

إرث إنساني عالمي

ويستذكر أحمد لحظات مؤثرة، مثل امرأة أجنبية بكت أمام أحد القصور، معتبرةً أنها تعود إلى أجدادها. كانت المنطقة مركزًا للنشاطات الاجتماعية، حيث يتشارك الأهالي الطعام والشراب في أجواء مبهجة. لكن الحرب غيرت المشهد. تعرضت المنطقة لقصف النظام، مما أدى إلى دمار أجزاء منها، بما في ذلك بئر مياه كان مصدر رزق للأهالي. 

يُشار إلى أن المواقع الأثرية في شمال سوريا، مثل شنشراح وإيبلا، تمثل جزءًا لا يتجزأ من الإرث الإنساني العالمي، إلا أنها تواجه اليوم تحديات جسيمة تهدد بقاءها. فهي تتطلب جهودًا دولية منسقة تشمل إزالة الألغام، توفير التمويل اللازم للترميم، وتفعيل دور المنظمات الدولية مثل اليونسكو، للحفاظ على كنوزها الحضارية. وفي ظل الظروف الراهنة، يبقى الأمل معلقًا على تعاون الجهات المحلية والدولية لإنقاذ هذا التراث من الاندثار، وضمان نقله إلى الأجيال القادمة كشاهد على تنوع وغنى التاريخ.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث