مخيمات سوريا للجوء وطنٌ موقّت: طفولة مخنوقة ونساء بلا خصوصية

ادلب - محمد صبيحالثلاثاء 2025/10/07
المخيمات في شمال سوريا (محمد صبيح)
يفضلون البقاء في المخيمات لأن قراهم تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة من كهرباء ومياه ومراكز صحية (محمد صبيح)
حجم الخط
مشاركة عبر

بعد سقوط نظام الأسد، لم تُطوَ صفحة المخيمات في شمال سوريا كما كان يأمل كثيرون. وبدلاً من أن تكون هذه المخيمات محطة عابرة في طريق العودة تحولت "أوطاناً بديلة" لآلاف العائلات العاجزة عن الرجوع إلى قراها المدمرة والمفتقرة لأبسط الخدمات، والمليئة بالألغام. ومع مرور الوقت، غدت هذه الأوطان الموقّتة عبئاً ثقيلاً على ساكنيها، في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية وتراجع الدعم وانهيار الأمل بعودة قريبة.

مخيمات شمال سوريا (محمد صبيح)

 

عودة مستحيلة

يقول أبو علي، أحد قاطني مخيم مشهد روحين لـ"المدن": "أغلب من تبقوا في المخيمات لا يستطيعون العودة، ببساطة لأنهم لا يملكون المال لإعادة بناء منازلهم التي دمّرتها الحرب". 

ويضيف أن أسعار مواد البناء ارتفعت بشكل حاد خلال الأشهر الأخيرة، من الحجر إلى الإسمنت والحديد والرمل، ما جعل إعادة الإعمار حلماً بعيد المنال، مؤكداً أن "القرى في ريفي إدلب وحماة، التي خضعت لسيطرة قوات الأسد لسنوات طويلة، تفتقر لأبسط مقوّمات الحياة من كهرباء ومياه ومراكز صحية.  لذلك، لا تبدو العودة خياراً عقلانياً مهما كانت قسوة الحياة داخل المخيم".

 

تراجع الدعم... وخدمات غائبة

مع توقف الدعم الإنساني عن عدد كبير من مخيمات شمال غربي سوريا، بدأت الخدمات تختفي تدريجاً لا سيما تلك الأساسية كالمياه، والصرف الصحي، وترحيل النفايات، وحتى السلال الغذائية الشهرية. وضاعف انقطاع الدعم معاناة العائلات التي تعيش تحت خط الفقر ولا تمتلك أي مورد بديل، وفق عدد من سكان المخيمات تحدثوا إلى "المدن".

 

الألغام... رعب يزرع الأرض

لا تزال المناطق التي كانت خطوط تماس بين قوات النظام البائد وفصائل المعارضة في ريفي إدلب وحماة، مليئة بآلاف الألغام والقنابل العنقودية، الظاهر منها والمدفون تحت الركام وفي الأراضي الزراعية. ويثير هذا الخطر حال خوف وذعر شديدين لدى الأهالي الراغبين في العودة، كما أكد عشرات النازحين لـ"المدن".

ووفقاً لتوثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد قُتل 45 مدنياً جراء انفجار الألغام الأرضية منذ بدء معركة "ردع العدوان" في 27  تشرين الثاني/نوفمبر 2024 وحتى 31  كانون الأول من العام نفسه.

مخيمات شمال سوريا (محمد صبيح)

 

طفولة مخنوقة داخل الخيام

ويظهر الأثر الأعمق على الأطفال، الذين يشكّلون نسبة كبيرة من سكان المخيمات.  وقال أحمد، وهو طفل من مخيم شهداء الجنوب، لـ"المدن": "نعيش في مساحات ضيقة جداً، في خيام لا تسمح لنا باللعب بحرية ولا تمنحنا الخصوصية أو الراحة النفسية".

وتؤثر هذه البيئة، المغلقة والمحرومة، على نمو الأطفال العقلي والنفسي بشكل سلبي. ومن شأنها أن تشكل جيلاً لا يعرف من سوريا إلا مساحات الغبار وضيق العيش.

 

نساء بلا خصوصية وأعباء مضاعفة

وتقول فطوم، إحدى قاطنات المخيم، لـ"المدن" : "المعيشة في المخيمات لا تُرهق الأطفال فحسب، بل تضاعف معاناة النساء بشكل خاص. فلا خصوصية، ولا حرية في التنقّل، وحتى المهام المنزلية البسيطة تتحوّل إلى تحدٍ يومي".

وتضيف: "الطهي، الغسيل، وتنظيف الخيمة جميعها تتم في ظروف تفتقر لأدنى التجهيزات الأساسية من أدوات أو مياه أو مساحات مخصصة. وهذا الضغط النفسي والجسدي ينعكس سلباً على صحة النساء وأدوارهن داخل الأسرة والمجتمع".

أما فاطمة الحسن، وهي نازحة من ريف إدلب الجنوبي وتعيش في أحد مخيمات أطمة، فتقول: "منذ أن غادرت قريتي واستقررت في المخيم، نسيت شيئاً اسمه خصوصية، لا أستطيع حتى رفع الغطاء عن رأسي، طوال الوقت أشعر بالضيق، ولا أستطيع ترتيب أغراضي كما أريد".

 

اقتصاد بديل ومجتمع ناشئ

مدير مخيم الجيسات شمال إدلب أكد لـ"المدن" أن نحو 20 في المئة فقط من قاطني المخيم غادروه، لكن ليس إلى قراهم وبلداتهم، بل إلى مناطق أخرى استطاعوا تأمين عمل فيها، يوفّر لهم المعيشة.

وأوضح أن البقية فضلوا البقاء في المخيم لعدم قدرتهم على ترميم منازلهم المدمرة أو لغياب متطلبات العودة من كهرباء ومياه ومدارس، مشيراً إلى أن بعض العائلات تعود إلى المخيم مجدداً مع حلول الشتاء.

رغم الصعوبات، تشكّل داخل المخيمات نوع من "الاقتصاد البديل"، القائم على المهن البسيطة والتجارة المحدودة، ما ساعد بعض العائلات على الاستمرار.  لكنه اقتصاد هشّ لا يلبي الحاجات الأساسية، كذلك نشأ مجتمع جديد له قواعده وتقاليده، لكنه يواجه تحديات اجتماعية وثقافية طويلة الأمد. ولم تعد المخيمات في شمال سوريا مجرد محطة موقّتة في انتظار سقوط النظام، بل تحوّلت مجتمعاً بديلاً بذاكرته الخاصة واقتصاده الداخلي وجيله الجديد. وبينما تسعى الدولة الوليدة إلى إعادة بناء سوريا، يبقى السؤال معلقاً: هل يعود النازحون إلى بيوتهم، أم تبقى الخيمة العنوان الأول لوطن مفقود؟

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث