يعمل العلماء حول العالم جاهدين لإيجاد علاجاتٍ فعالة لمرض باركنسون، لإبطاء أو وقف الإضرابات العصبية التنكّسية الكامنة، التي تؤدي إلى تطور هذا المرض.
ويعدّ مرض باركنسون اضطراباً تنكّسياً يستفحل ببطء في مناطق محددة من الدماغ، ويؤثر على النظام الحركي ما يؤدي إلى حدوث رعاشٍ وتصلب للعضلات، وهو ثاني أكثر الاضطرابات العصبية شيوعاً. يتطور ببطء ويؤدي إلى الوفاة.
جهاز الموجات فوق الصوتية
في تطورٍ علمي لافت، طوّر باحثون من كلية "لندن" الجامعية وقسم "نوفيلد" لعلوم الأعصاب السريرية في جامعة "أكسفورد" جهازاً للموجات فوق الصوتية قادراًَ على تحفيز مناطق عميقة في الدماغ بدقة ومن دون جراحة، ما يفتح آفاقاً جديدة للبحوث العصبية وعلاج اضطرابات مثل مرض باركنسون والاكتئاب.
يستطيع الجهاز الجديد التأثير على مناطق الدماغ العميقة من دون جراحة، لأول مرة، مستهدفاً مناطق أصغر بحوالي ألف مرة مما تستطيع أجهزة الموجات فوق الصوتية التقليدية تحديده بدقة، وأصغر بحوالي 30 مرة من أجهزة الموجات فوق الصوتية السابقة للدماغ العميق.
تتكون التقنية الجديدة من خوذة خاصة لإرسال حزم مركَّزة من الموجات فوق الصوتية إلى أجزاء محددة من الدماغ لزيادة أو تقليل النشاط العصبي. كما تتضمن قناعاً بلاستيكياً ناعماً للوجه يساعد على استهداف الموجات فوق الصوتية بدقة أكبر من خلال إبقاء الرأس ثابتاً.
وأظهر فريق العلماء قدرات الجهاز على سبعة متطوعين بشريين من خلال استهداف جزء من المهاد، وهو بنية صغيرة في مركز الدماغ تساعد على نقل المعلومات الحسية والحركية، وتشارك في معالجة المعلومات البصرية. فيما أظهرت تجربة ثانية على البشر انخفاضاً مستمراً في نشاط القشرة البصرية لمدة 40 دقيقة على الأقل بعد التحفيز بالموجات فوق الصوتية، ما يبرز قدرة الجهاز على إحداث تغييرات دائمة في وظائف الدماغ.
وبحسب العلماء، يمكن لهذه التقنية الجديدة أن تُحدث نقلة نوعية في علاج الاضطرابات العصبية والنفسية، مثل مرض باركنسون، والاكتئاب، والرعشة الأساسية، موفرةً دقةً غير مسبوقة في استهداف دوائر دماغية محددة تؤدي أدواراً رئيسة في هذه الحالات.
التحفيز الدماغي العميق التكيفي
وقبل بضعة أشهر وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على تقنية جديدة رائدة، تعرف باسم "التحفيز الدماغي العميق التكيفي"، وهي عبارة عن جهاز مزروع يراقب الدماغ باستمرار بحثاً عن أي علامات تشير إلى تطور أعراض باركنسون. وعندما يكتشف الجهاز أنماطاً محددة من نشاط الدماغ، يرسل نبضات كهربائية دقيقة للسيطرة على الأعراض.
تمثل هذه التقنية الجديدة تقدماً ملحوظاً مقارنةً بالعلاج المسمى بـ"التحفيز العميق المستمر للدماغ". وعلى عكس العلاج القديم، تستطيع التقنية الجديدة استشعار تغيرات نشاط دماغ المريض وتعديلها، وهو ما يحدث غالباً عند تناول مرضى باركنسون لأدويتهم. كما تُمكِّن المراقبة المستمرة لـهذه التقنية من تخفيف تقلبات نشاط الدماغ، ما يساعد على منع ظهور أعراض مثل التصلب والحركات اللا-إرادية.
تجارب سريرية حول العالم
تُجرى حالياً في أوروبا المرحلة الثانية من تجربة سريرية على مثبط السعال "أمبروكسول" لتقويم فعاليته لدى مرضى باركنسون المبكر الذين يحملون طفرة في جين "GBA"، وهو عامل شائع يساهم في خطر الإصابة بمرض باركنسون.
ووجدت دراستان سريريتان عالميتان حديثتان متعددتا المراكز، تناولتا حالات مرضية مختلفة، أن "تافابادون"، وهو منشط جزئي انتقائي للدوبامين، يحسن التوازن لدى بعض المرضى المصابين بباركنسون عند تناولهم حبة منه يومياً، وينتظر العلماء المرحلة الثالثة من التجارب السريرية قبل طرحه في الأسواق.
وأعلن علماء في الولايات المتحدة أخيراً أن دواء "براسينيزوماب" سينتقل إلى المرحلة الثالثة من التجارب السريرية. في حال نجاحه، يمكن استخدام نتائج التجربة في نهاية المطاف لطلب موافقة الجهات التنظيمية، مثل إدارة الغذاء والدواء الأميركية، التي ستوافق على استخدام الدواء على نطاقٍ واسع، ما قد يجعل "براسينيزوماب" من أوائل الأدوية المعدلة لمرض باركنسون التي تتاح للجمهور.
يستهدف "براسينيزوماب" إحدى السمات المميزة لمرض باركنسون في الدماغ، وهي تراكم البروتينات التي تدمر خلايا الدوبامين العصبية. ويهدف الدواء، الذي تطوره شركة الأدوية السويسرية "روش"، إلى إيقاف هذه العملية، كما يأمل العلماء أن يرتبط ببروتينات "ألفا-ساينيوكلين" السامة، وهذا ما يحد من آثارها الضارة على الدماغ.
وقد يؤدي كسر هذه الدورة إلى إيقاف الضرر الذي يسبب تفاقم أعراض باركنسون تدريجاً مع مرور الوقت، بل وحتى إيقاف المرض تماماً، بحيث يمكن تقليل الأعراض إلى الحد الأدنى أو ربما عدم ظهورها بتاتاً.
والجدير بالذكر أن المرحلة الثالثة تمثل عقبةً كبيرة من حيث النطاق والوقت، ولذلك، في حال نجاحها، سيستغرق الأمر سنواتٍ عدة قبل أن يُطرح الدواء تجارياً. وتتضمن المرحلة الثالثة اختبار الدواء على عدد كبير من الأشخاص وهم عادةً بالآلاف. خلال هذه التجربة، يقيس العلماء فعالية الدواء وآثاره الجانبية وسلامته، وتعدّ بيانات هذه التجارب بالغة الأهمية للحصول على موافقة الهيئات التنظيمية.
