مع تصاعد وتيرة الاستهدافات الإسرائيلية في لبنان، يتزايد عدد النازحين داخلياً بشكل مستمر. ووفقاً لمحمد شمس الدين، الباحث في الدولية للمعلومات، أن عدد النازحين الإجمالي حوالي الـ 700 ألف نازح. ومع تفاقم التوترات الأمنية والضربات المتكررة في مناطق لم تُعرف سابقاً بانتمائها إلى الحزب، لم تعد المناطق التي كانت تُعتبر آمنة نسبياً بمأمن من الخطر، حيث بات النازحون يواجهون تهديداً جديداً حتى في تلك الأماكن، يتمثل في المخاوف التي تبديها الجماعات المضيفة. رغم أن قضية النزوح واجهها اللبنانيون بتضامن وطني كبير.
الاستهدافات الأخيرة لم تقتصر على مناطق محسوبة على طائفة معينة، بل شملت مناطق اعتُبرت محايدة نسبياً، لكن وجود قادة أو شخصيات سياسية فيها جعلها هدفاً. هذا التطور زاد من تعقيد الأوضاع الأمنية وفرض واقعاً جديداً من عدم الاستقرار على النازحين وسكان تلك المناطق على حد سواء. في ظل هذا الوضع، تحولت المناطق التي كانت تُعتبر ملاذاً آمناً إلى بيئات تعيش على وقع الخوف، حيث بات الجميع، سواء السكان أو النازحين، يعيشون تحت تهديد مستمر.
تجنبا للخطر...
نزحت نوال برو مع والدتها وأختها، من الضاحية الجنوبية، إلى إحدى قرى الشوف، حيث أقمن مؤقتاً عند خالها الذي استأجر شاليه في المنطقة لمدة عشرة أيام. وبعد استئذان صاحب المشروع لاستقبالهن، رحب بهن في البداية. لكن الوضع سرعان ما تغير بعد استهداف بلدة بعدران، ليصبح الجو أكثر توتراً. تقول نوال لـ"المدن": "طلب منا ترك المكان، لأن الجيران خافت منا. حاولنا نشرح له ونؤكد أننا لا علاقة لنا بما يحدث، وخالي ألماني، لكن بقي مصراً على طلبه بأن نغادر في أسرع وقت، وأكد أنه لا يريد منا مالاً، فقط المغادرة".
تتابع نوال حديثها: "مع طلوع الضوء، لملمنا أغراضنا وغادرنا". وتعبّر عن استيائها قائلة: "نحن ما طلع معنا لا مسؤولين بالحزب ولا عناصر ليعاملونا بهذه الطريقة. كنا ثلاث نساء وخالي الألماني. لو كان الوضع مختلفاً، كنت سأتفهم خوفه".
في حديث مع "المدن"، أوضح صاحب المشروع خلفية قراره قائلاً: "تمنّى عليّ أحد الجيران القيام بهذه الخطوة، ولم يكن بإمكاني تحمل مسؤولية المنطقة أو الجوار، لذلك استجبت لرغبته". وأضاف: "أخبرت العائلة بما حدث وشرحت لهم الظروف المحيطة بالقرار".
وأكد صاحب المشروع أنه لا تحفظات شخصية لديه، قائلا "لو كان لدي أي هاجس شخصي، لما وافقت على استضافتهم من الأساس".
في السياق نفسه، واجهت زينب، التي نزحت مع عائلتها إلى المتن، مشكلة مشابهة. فقد تعرض صاحب الشقة التي استأجروها لضغوط من بعض الجيران الذين تساءلوا عن سبب تأجيره لهم. حاول المالك تهدئة الموقف وشرح لهم قائلاً: "أعرف العائلة، ولو كان هناك خطر، لما أقدمت على تأجيرهم"، مؤكدًا لهم أنه يثق بالعائلة ولا يرى أي تهديد.
رغم محاولاته لتهدئة مخاوف الجيران وإقناعهم بأن العائلة لا تشكل خطراً، لم تفلح تلك المحاولات. انتهى الأمر بتقديم شكوى إلى البلدية، ما أجبر صاحب الشقة على نقل زينب وعائلتها إلى مسكن آخر في منطقة أخرى.
من جهة أخرى، يسعى العديد من السكان في مناطق مختلفة إلى التحري والتساؤل عن هوية النازحين المستأجرين. على سبيل المثال، تروي آية، التي تقيم خارج البلاد واستقبلت في منزلها نازحين من أقاربها القادمين من الجنوب إلى منطقة بشامون، تفاصيل حادثة مشابهة. فقد اتصل بها مسؤول لجنة البناية للتأكد من هوية النازحين، متسائلاً عما إذا كانوا ينتمون إلى أي حزب، نظراً للمخاوف من تعرض البناية للقصف.
تقول آية: "أوضحت له أنهم أقاربي، ولا ينتمون لأي حزب سياسي"، وأكملت أنه بعد توضيحها لهذه النقطة، رحب المسؤول بوجودهم في المبنى.
استقبال وترحيب
في المقابل، نجد أن الفئة الأكبر من اللبنانيين أظهرت تضامناً وتعاطفاً كبيراً مع النازحين، تماماً كما حدث بعد الكارثة التي وقعت في 4 آب. فبينما اجتمع الكثيرون لمساندة المتضررين، تبقى فئة قليلة جداً تفضل عدم الانخراط وتتبنى مبدأ "بعود عن الشر وغنيلو" (كما يقول المثل الشعبي).
في هذا الإطار، تؤكد رانيا، النازحة من منطقة الليلكي إلى صوفر، أن تجربتها كانت إيجابية للغاية، حيث تقول: "لا أحد يزعجنا أو يوجه لنا كلمة سلبية، بل على العكس، الجميع متعاونون جداً معنا، ونشعر كأننا في منطقتنا".
أما حسن، النازح من عربصاليم إلى بكاسين، والذي انتقل مع ابنه الذي لم يتجاوز الأسبوعين من عمره، فقد كشف في حديثه مع "المدن" عن تجربته وقال "الجيران هنا لطيفون جداً، وقد ساعدوني في تأمين جميع احتياجاتنا".
ولفت إلى أن إحدى الجارات قدمت مساعدة لزوجته من خلال ترتيب وتنظيف المنزل معها، مما أعطانا شعورًا بالراحة والأمان في بيئتنا الجديدة المؤقتة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها