فرزت خريطة المناطق البقاعية، التي تناقلها ناشطون عن موقع المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي افيخاي ادرعي عبر تطبيق إكس، قرى البقاع ومدنه بين مستهدفة وآمنة. فحصلت موجتا نزوح كبيرتين من المناطق الأولى إلى الثانية. وتبدلت خلالها سلوكيات الناس، وفقا لعقائدهم، ووضعهم الاجتماعي، وقدراتهم الاقتصادية.
استهزأوا بالتهديدات بداية
من على شرفات المنازل المنتشرة على المرتفعات كان يمكن معاينة مشاهد الحرب وهي تمر فوق رؤوس القاطنين في "المناطق الآمنة" حيث جهز هؤلاء مناظيرهم والهواتف. وراحوا يتناقلون صور سهل البقاع وقد غطته غيمة سوداء جراء كثافة الصواريخ التي استهدفت قرى السهل، بدءا من جلالا، والكرك، ورياق، وحي الفيكاني وقرى السلسلة الشرقية في البقاع الأوسط، وصولاً إلى تمنين وسرعين، وحوش الرافعة والنبي شيت في بعلبك. وسمع دوي الإنفجارات حتى في قرى أبعد من بعلبك، التي شهدت نزوحا كثيفا لسكانها.
رغم القلق الذي رافق موجة الغارات الإسرائيلية، التي شنت على البقاع الغربي منذ ساعات الصباح الأولى، لم يأخذ الكثير من السكان على محمل الجد رسالة التهديد المرفقة بخريطة الإستهدافات الإسرائيلية. وتروي سيدة إضطرت لافتراش بهو أحد فنادق مدينة زحلة، برفقة عائلتها: "لم نصدق الأمر بداية، اعتبرنا التهديدات جزءاً من الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل منذ بداية الحرب. ورأى زوجي أنه تهديد فارغ غير قابل للتطبيق، وعلى رغم نوبات الخوف التي تغلبت علي وإبنتي، رفض هو بالبداية أن نغادر. خاف من التعرض لتنمر الجيران والأصدقاء الذين لم يكن أحد منهم يخطط لمغادرة قريتنا تمنين. إلى أن وقع الصاروخ الأول في منزل خلف بيتنا تماما وإستشهد إبن جيراننا. حينها أصريت على المغادرة لنصل إلى زحلة في ساعة متأخرة من الليل ولم نجد لنا ولو غرفة واحدة في الفندق".
المبيت في بهو الفندق
تتحدث هذه السيدة عن ليلة صعبة عاشتها مع عائلتها، بعد أن سمح لهم أصحاب الفندق بالنوم في البهو. وتعتبر أنها أوفر حظاً من غيرها الذين باتوا في سياراتهم سواء على الأوتوسترادات أو في السهل. وأعربت عن قلقها من أن يطول الأمر من دون أن يتمكنوا من إيجاد مكان يأويهم، خصوصاً أن خيار سوريا لا يبدو هذه المرة جيدا كما كان في الحرب السابقة".
في الفندق عينه حضر رجل مع عائلته، بعد أن تنقل بين فنادق زحلة المتجاورة على بولفارها الرئيسي. بدا الرجل محرجاً عندما أخبرنا أنه لولا عائلته وخوفه عليها لما غادر بيته في الجاهلية بمنطقة بعلبك. لكن بعد إشتداد القصف بالصواريخ في منتصف ليل الإثنين الثلاثاء، لم يتحمل فكرة أن يصيب عائلته أي مكروه، فقرر المغادرة. لم يبادر الرجل إلى طلب غرفة، فقد رأي من أتى قبله وهم يفترشون الأرض، فهّم وحجز المساحة الوحيدة المتبقية في بهو الفندق، التي كان يمكن أن تأويه.
يقول موظفو الحجوزات في هذه الفنادق، أن من نجح بحجز غرف هم الذين قرروا المغادرة قبل بدء الغارات على منطقتي بعلبك والبقاع الغربي. إذ أنه على رغم استضافة الفنادق عدداً من النازحين الجنوبيين، بقيت هناك غرف متوفرة حتى الساعة الرابعة عصراً. لكن بعدها فوجئوا بأرتال الناس التي تطلب مكاناً للإقامة. فالغرف، كما يقولون، أجّرت بأدنى من سعرها الموسمي لعائلات، بعضها فاق عدد أفرادها خمسة أو ستة أشخاص، لم يُتح لهم سوى غرفة واحدة، سواء بسبب إمكانياتهم أو بسبب ارتفاع الطلب على الغرف. يلتفت أحد الموظفين إلى شاشة مراقبة ممر الغرف ليقول لنا أن إدارة الفندق أمّنت أسرة متحركة لبعضهم حتى يرتاحوا عليها، وبعضهم بات الليل على الشرفة لعدم قدرته على النوم في غرفة مكتظة بسبعة أو ثمانية أفراد.
افتراش الطرق
الذين نجحوا في حجز الفنادق بهذه الطريقة كانوا أوفر حظاً ممن وصلوا متأخرين لأنهم باتوا ليلتهم فعليا على الطرقات. وأمكن التعرف على هؤلاء من السيارات المركونة على جانبي الطريق، برفقة الذين يتناوبون على حراستها وهم يشعلون السجائر. هذا فضلاً عن انتشار صور عائلات إحتمت بمحيط الأماكن الدينية، ولا سيما في مقام سيدة زحلة والبقاع، التي التجأ الكثيرون إلى ساحتها إثر الغارات التي شنت على حزرتا، البلدة التي تطل على زحلة، ويلتقي أهلها بالسيدة كلما ترددوا إلى المدينة ومنها إلى مختلف مناطق البقاع.
المشهد في زحلة بدا مكرراً عن مشاهد ساعات النهار على طول الطريق التي تفصل بين زحلة وقضاء البقاع الغربي حيث كانت موجة النزوح كبيرة من بلدتي سحمر ويحمر. فقد شهدت هاتان البلدتان جولة من العنف أدت إلى إستشهاد عدد كبير من قاطنيها، وكانت لافتة أعداد العائلات التي حاولت أن تجد لها مأوى في الإستراحات القائمة على الشريط الملاصق لبلدة صغبين. إلا أن الأسوأ حظا هم من حالت أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية دون تأمين ولو غرفة لعائلاتهم. بعض هؤلاء شوهدوا وهم يفترشون الطريق محاولين العثور على ما يساعدهم في تأمين أماكن غير باهظة الثمن، يبيتون فيها ليلتهم.
مراكز إيواء رسمية
أما على المستوى الرسمي فقد أعلن محافظ البقاع كمال أبو جوده عن وضع خطين ساخنين لغرفة العمليات التابعة للجنة إدارة مخاطر الكوارث والأزمات لمن هم بحاجة إلى مركز إيواء ضمن محافظة البقاع. وأرفق البيان بأماكن الإيواء الجاهزة لإستقبال النازحين في المحافظة من ضمن القرى التي يعتقد أنها تقع خارج نطاق إستهدافات إسرائيل على الشكل التالي: إبتدائية قب الياس الرسمية، معهد التعليم والتدريب في زحلة، متوسطة غزة الرسمية، ثانوية المنارة الرسمية، متوسطة القرعون الرسمية، متوسطة كوكبا الرسمية، ومتوسطة ضهر الأحمر الرسمية. علماً أن لجنة الطوارئ كانت قد حددت هذه المواقع من ضمن 18 مركز إيواء في مختلف أنحاء المحافظة. هذا إلى جانب الإعلان عن إيواء النازحين في مركزين داخل محافظة بعلبك في كل من متوسطة دير الأحمر الرسمية، ومتوسطة سليم حيدر في بدنايل، اللتان أدرجتا من ضمن لائحة تضم سبع مراكز إيواء وفقا لخطة الطوارئ الحكومية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها