كان العام 2024 عام الترخيص للجامعات الخاصة وتسوية أوضاع الجامعات المخالفة، رغم كل الارتكابات التي كانت تقوم بها بحق الطلاب. فبعد توقف ملفات جامعات خاصة في مديرية التعليم العالي وفي اللجنة الفنية لأكثر من سبع سنوات، بسبب وجود تجاوزات كثيرة في الجامعات والاختصاصات، انشغلت حكومة تصريف الأعمال الحالية في تسوية أوضاع تلك الجامعات. ورغم أن صلاحيات الحكومة تقتصر على الأعمال الضرورية لتسيير المرفق العام، كانت قراراتها للجامعات أساسية وجوهرية وأكسبتها وضعية قانونية، يفترض عدم صدورها عن حكومة تصريف أعمال.
هدايا للجامعات من الحكومة والوزارة
كانت القرارات التي صدرت عن الحكومة، في أكثر من مناسبة، وتلك التي صدرت عن وزارة التربية بداية مرحلة جديدة. فقد وزع مجلس الوزراء
في شهر آذار هدايا كثيرة للجامعات الخاصة، ومنح العديد منها تراخيص غب الطلب، شملت غالبية الأحزاب. أقرت الحكومة في تلك الجلسة 30 مشروع مرسوم للترخيص للجامعات باستحداث فروع وكليات واختصاصات وبرامج وشهادات وتعديل تسميات. استفادت من هذه "الهدايا" جامعات عدة، منها المتورط في بيع الشهادات للعراقيين ومنها من لديه سجل حافل في المخالفات، وذلك على قاعدة إرضاء جميع الأحزاب والطوائف، إلى جانب استفادة جامعات مرموقة برخص لفروع جغرافية أو تعديل اختصاصات.
بعد هذه المراسيم استمرت مرحلة تقديم الهدايا وكان الدور هذه المرة لوزارة التربية. فبعد تمنع اللجنة الفنية في مديرية التعليم العالي عن منح جامعة الوزير السابق عبد الرحيم مراد وأولاده الترخيص اللازم للجامعة الدولية في بيروت (BIU)، التي لم يكن لها مبنى جامعي خاص، أصدر الوزير عباس الحلبي
خمسة قرارات تتعلق بالاعتراف باختصاصات الجامعة، تحت الأرقام 142، 143، 144، 145، 146، في نهاية شهر آذار. وحصلت الجامعة، القائمة في المبنى عينه للجامعة اللبنانية الدولية الاعتراف ببرنامج الإجازة الجامعية في اختصاصات الإعلان والتصميم الداخلي وفنون التواصل والراديو والتلفزيون والتصميم الداخلي. علماً أن هذه الجامعة كانت باشرت التدريس من دون الحصول على الاعتراف. وخرجت مئات الطلاب من دون تمكنهم من الحصول على شهادات معترف بها. ومن المفارقات والتجاوزات التي أقدمت عليها الجامعة تسجيل طلاب في "الدولية في بيروت" ثم تصدر لهم شهادات من "الجامعة الدولية". فأتت قرارات الحلبي لتصبح هذه الجامعة مرخصة من ناحية ويضاف إليها قرارات الاعتراف بالشهادات التي صدرت لطلاب بالاسم، وأنهت قضية عدم حصول هؤلاء الطلاب على شهادات.
تسوية وضع جامعات مخالفة
سياسة تقديم المكافآت للجامعات الخاصة، التي ارتكبت تجاوزات عدة، تستدعي إقفالها لا منحها الرخص، تواصلت هذا العام. ففي شهر آب كانت جلسة الحكومة مخصصة لبحث خطة الطوارئ وكيفية مواجهة تداعيات أي حرب إسرائيلية ضد لبنان. لكن تحولت إلى جلسة
لمنح التراخيص بالجملة للجامعات الخاصة. وكانت المراسيم التي صدرت عن الحكومة بمثابة تقديم خدمات واضحة للجامعات الخاصة التي تنمو على حساب الجامعة الوطنية، وأتت على قاعدة "ستة وستة مكرر"، لترضي كل الأحزاب والطوائف.
من ضمن المراسيم التي صدرت عن الجلسة كان مستغرباً حصول الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا AUST على مرسوم "تعديل تسمية برامج واختصاصات في بعض الكليات". مرسوم غب الطلب لم تحدد فيه الحكومة البرامج أو الاختصاصات أو الكليات بالاسم. بل أباحت للجامعة تعديل ما يحلو لها من تسميات. علماً أن الجامعة كانت مشمولة بفضيحة تتعلق بالتلاعب باسم الاختصاصات من دون الحصول على الرخص اللازمة. من ضمن
المخالفات الجسيمة التي تقوم بها الجامعة، أن لديها ثلاثة اختصاصات مرخصة تغطي من خلالها أربعة اختصاصات غير مرخصة. فتحت ستار اختصاص تصميم غرافيكي المرخص، تعلم الجامعة اختصاص تصميم وأزياء غير المرخص. وتمنح الجامعة شهادة بالاختصاص المرخص فيما العلامات والمواد تعود للاختصاص غير المرخص. بمعنى آخر، تمنح الجامعة الطلاب شهادة باختصاصات مرخص لها تدريسها، فيما الاختصاصات التي تعلمها للطلاب لا تمت بصلة للشهادة.
تحت وصاية وزارة التربية
إلى هذه التراخيص لجامعات كانت معاملاتها متوقفة طوال السنوات السابقة بسبب مخالفات عدة، حصلت سابقة في وضع جامعة خاصة تحت الوصاية بسبب المشاكل الداخلية الكثيرة التي لا يمكن الاستمرار في دفنها. بعد أقل من سنة على تبلغ مالكي الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم (AUCE) وقف المديرية العامة للتعليم العالي
المصادقة على أي شهادة تصدر عن الجامعة، وضعت الأخيرة تحت الوصاية.
وكانت إدارة الجامعة تواصل تخريج الطلاب وتسجيل طلاب جدد رغم وقف "المديرية" المصادقة على الشهادات. لكن وصلت الأمور إلى صدور القرار رقم 123/م/2024 عن وزير التربية بوضع الجامعة تحت
وصاية مجلس التعليم العالي في وزارة التربية، بتاريخ 15 شباط 2024. وعللت الوزارة السبب أن الأوضاع الداخلية للجامعة أدت إلى تعثر العمل الإداري والأكاديمي والعملية التعليمية. فكرت سبحة الفضائح في هذه الجامعة التي كانت تسجل الطلاب شكلياً وتمنحهم العلامات بالطريقة عينها. كان تحديد العلامات للطلاب بمثابة
هدايا سخية لهم. حتى مناقشات رسائل الماجستير كانت شكلية، كما تبين من
جداول المناقشات. فمدة المناقشة بحسب الجداول حددت بنصف ساعة، بيد أنه علمياً في الواقع، لم تتجاوز المناقشة الواحدة الخمسة دقائق. ليس هذا فحسب، بل أقدمت الجامعة على وضع القارئ أو المشرف الواحد على الرسالة في أكثر من لجنة وبغرف مختلفة، لكن في الوقت عينه. ما كشف أن المناقشات كانت صورية بغية إنجاح الطلاب.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها