منذ الاعلان عن وقف اطلاق النار حمل المئات من النازحين أمتعتهم وعادوا مسرعين الى قراهم، من دون التفكير بما ينتظرهم هناك. الجرافات تعمل ليل نهار لازالة الركام من الطرقات، ومتطوعون كثر يبحثون عن المفقودين أو الذين أعلن استشهادهم أثناء الحرب. حسرة ولوعة، بانتظار البدء بتشييع الشهداء، الحياة متوقفة في القرى والبلدات الحدودية والملاصقة لها. معظم البيوت، إن لم نقل جميعها، تعرّضت للخراب، رغم أن عدداً كبيراً منها، لا سيما في القرى الخلفية، قابل للسكن. لكن ليس في الوقت القريب، لأنها تحتاج الى الترميم والزجاج اضافة الى الكهرباء والمياه.
نزوح مستمر
العدد الأكبر من العائدين الى قراهم رجعوا من حيث أتوا، فيما فضّل الباقون البقاء وتحمّل صعوبة الحياة وأعباء السكن. حاول حسن بزي ( بنت جبيل) السكن مع عائلته في بنت جبيل، "نمنا ليلة واحدة في المنزل بدون نوافذ وأبواب، وكان الليل مخيف وأصوات المسيرات مزعج، الكهرباء مقطوعة وتحتاج الى وقت طويل لاصلاحها، وخزّان المياه تضرّر بسبب القصف، ولا يمكن شراء أي شيء كون المحلات مقفلة أو مهدمة، لذلك عدنا الى منزلنا المؤقت والمستأجر في عرمون". يوم وقف اطلاق النار ترك حسين عطوي منزله المستأجر في عكار، عائداً مع عائلته الصغيرة ( 4 أفراد) الى بلدته. لم يكن كغيره من مئات العائدين، على علم بأنه ممنوع عليهم الدخول الى المنطقة الحدودية. " قصدت البلدة وأنا على علم مسبق بأن منزلي يمكن السكن فيه رغم تضرّره، على أمل تحمّل مشقة الاقامة ريثما أنهينا ترميمه. لكن أن أعود من حيث أتيت فهذا أمر غير ممكن. أولاً لأنه يتوجّب عليّ دفع ايجار جديد. وثانياً لبعد المسافة، اضافة الى عدم القدرة المالية" يقول عطوي. ويلفت الى أن "الحلّ المفترض هو العودة الى مكان النزوح الأول في النبطية، كما فعل غيري من أبناء المنطقة الحدودية. ولكن المنزل الذي تركته قبل أكثر من شهرين أصبح مسكوناً، ويصعب استئجار البديل".
حال عطوي يشبه حال أمل، ابنة بلدة كفركلا، التي نزحت في بداية الحرب الى بلدة حبوش. وبعد توسع الحرب حملت عائلتها معها الى طرابلس وهي الأن تبحث عن منزل جديد في بلدة قريبة. وتشير الى أن " النازحين الذين عادوا الى منطقة النبطية يمكن لهم البقاء فترة طويلة، بعد أن بدأت البلديات بتأمين كهرباء الاشتراكات تباعاً الى المنازل". وتلفت الى أن "أبناء منطقة النبطية يحاولون تقديم المساعدة بما أمكن. لكن المشكلة تكمن في عدم توفر المنازل بعد أن تضرّر الكثير منها في القصف".
العودة الممنوعة
عدد كبير من أبناء المنطقة الحدودية كانوا قبل توسّع الحرب يقيمون في القرى الأمامية والبلدات المحاذية لقراهم، مثل بلدات شقرا، مجدل سلم، برعشيت وغيرها. ففي بلدة مجدل سلم وحدها كان يقيم أكثر من 187 أسرة نازحة من القرى الأمامية. لكن المشكلة اليوم في عدم تمكّن هذه القرى من استيعاب هذا العدد من العائلات، بسبب تهدّم عدد كبير من المنازل فيها. لذلك طلبت بلدية مجدل سلم من الأهالي تأمين المنازل أولاً لأبناء البلدة الذين فقدوا منازلهم. وفي هذه الحالة بات على عشرات العائلات من القرى الحدودية اما العودة الى المناطق البعيدة التي نزحوا اليها قبل نحو شهرين، أو البحث عن أماكن أخرى قد لا تتوفر بسهولة.
في بلدة شقرا لم تستطع زينب عاشور من العودة مع عائلتها، بعد أن نزحت الى بلدة زوجها في الهرمل. "لقد تهدّم منزلنا في شقراء، كما تهدّم منزل أهلي. والبقاء في الهرمل فيه مشقّة كبيرة، بسبب البرد القارس وندرة الامكانات المالية"، قالت.
تحاول بلديات القرى الخلفية للحدود الإسراع في تأمين سبل العيش للعائدين. ووضع "العمل البلدي" في حزب الله خطّة لإعادة الإعمار وبدأ بتنفيذها بالتعاون مع البلديات. وقد انطلقت الأخيرة منذ الساعات الأولى لوقف اطلاق النار بازالة الركام من الطرقات العامة والفرعية. وعملت على إصلاح أعطال كهرباء الاشتراكات، وكذلك التواصل مع مؤسسة كهرباء لبنان لإعادة التيار الكهربائي.
ويقول مسؤول العمل البلدي في حزب الله علي الزين: "الأولوية لاصلاح الكهرباء والمياه. ونقدّم الدعم لأجل اصلاح الأعطال البسيطة التي تؤمن الكهرباء، قبل أن نبدأ بورشة اعادة الاعمار التي سيعلن عنها لاحقاً". ويضيف: "على سبيل المثال، سيتم تأمين المازوت لتشغيل مولدات الاشتراك وتمديد الخطوط المقطوعة، واصلاح ما يمكن اصلاحه في أسرع وقت ممكن. وهناك خطة جاهزة للبدء باحصاء الأضرار".
عودة أبناء القرى الحدودية إلى قراهم ممنوعة عليهم في الوقت الحالي بسبب عدم التزام العدو بوقف إطلاق النار. لكن عودة السكان إلى القرى الخلفية ما زالت صعبة للغاية أيضاً. إذ يجب أن تسبقها عملية اصلاح التيار الكهربائي، التي قد تستغرق عدة ايام على أقل تقدير، اضافة الى ضرورة البدء بدفع التعويضات لأصحاب المنازل المتضرّرة، كي يتمكنوا من اصلاحها والسكن فيها، لا سيما في هذه الأيام الباردة. ويقول محمد فرحات، ابن بلدة برعشيت ( بنت جبيل): "جميع منازل البلدة غير المهدّمة بدون زجاج، ولا يمكن السكن فيها في أيام البرد قبل إصلاحها. اضافة الى أن الأهالي يحتاجون الى الدعم المالي لشراء الحاجات الأساسية لا سيما المازوت للتدفئة. وهذا لا يمكن تأجيله لأننا لن نعود الى المناطق البعيدة وغير قادرين على دفع بدلات ايجار مرتفعة".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها