لم تغمض جفون عبد جواد. ظل يتحين طلوع الفجر، لحزم أمتعته الشخصية، وبعض الحاجيات، وتحميلها بسيارته المتواضعة، عائداً من إحدى محطات النزوح الاخير"برجا" إلى الجنوب.
أكثر من سنة على النزوح
ابن عيتا الشعب جواد، لن يعود سريعاً إلى بلدته المدمرة، التي لا تزال تتواجد في أطرافها قوات محتلة، المقرر ان تنهي انسحابها في غضون ستين يوماً، وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار. فهو قرر العودة إلى بلدة طورا، القريبة من صور، التي كان يسكنها قبل الثالث والعشرين من أيلول.
ووسط عدد من النازحين، في باحة مدرسة الديماس، الذين تصادق معهم، وجمعهم النزوح في مكان واحد "يتنهد" عبد جواد، ويقول لـ"المدن" لقد "مضى على نزوحنا الأول، سنة وأكثر من شهرين، تنقلنا خلالها من عيتا الشعب، إلى عين بعال والسكسكية وطورا".
ويضيف جواد، الذي خسر منزله، مثل السواد الاعظم من أهالي بلدة "أم العز": "سأعود مع اوائل العائدين، حين تؤمن العودة الآمنة، لشم رائحة التراب، الذي تمرغنا به في سني الطفولة والرجولة". وأكد بأن "النصر ما كان يتحقق لولا سواعد رجال المقاومة ودماء شهداء عيتا الشعب وسواهم، من بينهم أقاربي وأحبتي وابناء بلدتي"، ومشيراً إلى "أن معاملة النازحين، كانت اخوية، ولم نشعر بغربتنا، لأننا ابناء بلد واحد مهما كانت توجهات كل منا".
لن يعود إلى كفركلا
على مقربة من جواد، كان إبن كفركلا حسين شيت وأفراد من عائلته "يهندسون" في سيارة البيك أب الخاصة بهم، أغراضهم التي رافقتهم طيلة فترة النزوح، التي دامت 64 يوماً، وهي عبارة عن فرش وأواني وملابس.
كان شيت، الذي ذاع اسم بلدته الحدودية، ومسحت بيوتها ومؤسساتها وارزاقها وزيتونها، بفعل همجية إسرائيل وجيشها، مزهواً بانقضاء فترة النزوح الثانية، والعودة إلى نزوحه الاول تول- الكفور، في قضاء النبطية.
لا يمكن لشيت وابناء بلدته، جارة فلسطين، الرجوع إلى كفركلا، إذ ينتظر كغيره استكمال الانسحاب الإسرائيلي لرؤية البلدة، مؤكداً لـ"المدن" أن كفركلا التي قدمت عشرات الشهداء، في مواجهة المحتل، ستعود كما كانت بإذن الله وإرادة ابنائها ومقاومتهم.
بين حشد من جموع العائدين، الذين اكتظ بهم أوتوستراد صيدا- بيروت، وصيدا - صور، وصل علي زيات، إلى بلدته، طيردبا، القريبة من مدينة صور، وكانت محطته الاولى تفقد منزله ورزقه "بستان حمضيات"، الذي لحق به اضرار وخسائر كبيرة.
يقول زيات، الذي أمضى غالبية فترة نزوحه مع عائلته، في بلدة كفرجرة، شرق مدينة صيدا، "إن سعادتي لا توصف بالعودة إلى بلدتنا الأم، حيث سنستعيد حياتنا الطبيعية"، مضيفاً "إن والدي، فضل البقاء في منطقة نزوحه، إلى نهار الغد، نتيجة تفادي زحمة السير من جهة وتأهيل الأضرار في المنزل، المتمثلة برفع زجاج النوافذ والابواب، التي تكسرت نتيجة العدوان الإسرائيلي، على أحد المنازل في حينا".
أرجأت فاطمة حرب وعائلتها العودة إلى النبطية، حتى نهار الغد او بعده، نتيجة ضغط السير باتجاه الجنوب، والخوف من تجربة يوم النزوح، الذي أمضى فيه النازحون 16 ساعة في سياراتهم، إضافة إلى مشكلة غياب التيار الكهربائي. فيما فضٌل جار النبطية، عباس جوني، ابن بلدة كفرمان، وعائلته، عدم تأجيل اي وقت إضافي للعودة إلى بلدته، التي شهدت دماراً كبيراً، وسقوط خيرة من شبابها شهداء، لافتاً إلى انه لا حضن دافئ، غير منزله الأصلي.
في انتظار انطلاق الإعمار
يستلزم قطع المسافة، من عاصمة الجنوب، صيدا، إلى مدينة صور، مروراً بالغازية والصرفند وعدلون وانصارية والبرغلية، أقل من 35 دقيقة، لكن أعداد السيارات المتوجهة جنوباً، التي لم يفصل بينها، نصف متر واحد، احتاج إلى أكثر من ساعتين.
ففي مدينة صور التاريخية والسياحية، التي شهدت دماراً هائلاً وسقوط العشرات من ابنائها شهداء، انهمكت البلدية، بإزالة الركام من عدد من شوارع المدينة، التي تغيرت معالمها، بعد اقتلاع ابنية يعود عمرها إلى اكثر من ستين عاماً. في وقت كانت فيه طلائع الجيش اللبناني المعزز تصل تباعاً إلى جنوب الليطاني.
فقد سعيد زعتر منزل عائلته، في احد شوارع صور المعروفة "أبو ديب"، أو ما يعرف حديثاً بشارع قرطاج، نسبة إلى ملكة صور. ظل زعتر يتردد إلى صور، في أوج الاعتداءات والغارات الإسرائيلية على مدينته، حتى نالت الطائرات من المبنى، الذي تمتلك فيه عائلته، شقة سكنية، أصبحت حجارة مكدسة على الارض. ويؤكد سعيد زعتر "أن عائلته، التي لا تمتلك منزلاً آخر للعودة إليه، بعد تضرر منزل شقيقته، عند الكورنيش البحري الجنوبي لمدينة صور، ستبقى في مكان نزوحها في بيروت، اقله خلال المرحلة الحالية، إلى حين تدبر أمرها، او إعادة بناء المبنى من جديد، بانتظار إطلاق ملف إعادة الإعمار".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها