الأربعاء 2024/11/27

آخر تحديث: 15:26 (بيروت)

العائدون إلى بعلبك والوجع المؤجل للبكاء على السيد

الأربعاء 2024/11/27
العائدون إلى بعلبك والوجع المؤجل للبكاء على السيد
لسان حال بعض السيدات: تعبنا، صبرنا وتحملنا ولكن المهم أننا خرجنا سالمين (لوسي بارسخيان)
increase حجم الخط decrease
على أطلال منزل مهدم في بلدة سرعين الفوقا في محافظة بعلبك، إنشغل ثلاثة شبان إثر عودتهم الى البلدة التي تعرضت لغارات متكررة طيلة الأسابيع الماضية، في تعليق لافتة حملت لأول مرة صورة وإسم شهيدة. هي سكينة عباس مظلوم، أم عباس كما جاء في اللافتة، وقد روى أحد أقاربها، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أنها الوحيدة التي قضت في غارة بالبلدة، بينما كان ابنها يلهو على الطريق مع أصدقائه. شهيدة سرعين دفنت تحت أنقاض منزلها الزوجي، فكان المنزل وجهة زوجها الأولى مع دخول لبنان في زمن وقف العدوان الاسرائيلي.

غصّة العائدين
لكن سكينة ليست الشهيدة الوحيدة في البلدة، فقد ظللت طرقاتها غابة من لافتات حملت صوراً وأسماء، إستشهدوا جميعاً في ساحة المعركة. وقد انسحبت هذه اللافتات من سرعين الى جارتها النبي شيت. البلدة التي قدمت أولى أبنائها في نسخة العام 2024 من العدوان الإسرائيلي، إثر إغتيال القيادي العسكري في حزب الله فؤاد شكر. طلب منا الشبان الثلاثة ألّا نحدِّث الزوج لأن وجعه كبير، فرضخنا. هي على العموم الغصة التي رافقت عدداً كبيراً من العائدين الى منازلهم، ومن بينهم سيدة من سحمر، التقيناها بينما كانت تحتسي اول فنجان قهوة مع ابنتها في منزلها منذ شهرين كما قالت. ذكرت السيدة أنها ذهبت لزيارة روضة الشهداء قبل التوجه للبيت، بعدما شعرت بغضة كبيرة في قلبها عند حاجز الجيش الذي اجتازته باتجاه قريتها. مضيفة "صحيح أننا فرحنا بالعودة، ولكن غصتنا كبيرة على الشهداء، والمفقودين الذين لا نعرف مصيرهم، وهذه حرقة بالقلب". عبّرت السيدة عن حال عدد كبير من العائدين الذين التقتهم "المدن". وبين هؤلاء كانت غدير من "الحلانية" التي أخبرتنا أن أول ما ستفعله لدى عودتها الى قريتها هو تعزية أقاربها وأهالي بلدتها بالشهداء. بينما قالت زهراء "ان أول ما ستفعله هو البكاء على السيد، بعدما أجّلنا وجعنا عليه مثلنا مثل كل العالم".

تعبنا وتحملنا وصبرنا
تضاربت المشاعر لدى العائدين الى بيوتهم بعد ستين يوماً من الإبعاد القسري عنها. هم فرحوا كما قال معظمهم، ولكنهم مجروحين. فتروي غدير أن بعضهم حمل أمتعته وغادر مركز الإيواء منذ السادسة صباحاً من دون أن ينظر الى ورائه. وآخرون بكوا على فراق أصدقاء جدد إكتسبوهم بمراكز الايواء وصاروا بالنسبة لهم بمثابة عائلة تشاركوا معها الأفراح والأحزان. وبعضهم الآخر وقف محتاراً لأنه كان يعلم أن لا بيت لديه يعود إليه. تقول إحدى السيدات "كلنا تعبنا، صبرنا وتحملنا ولكن المهم أننا خرجنا سالمين، كل شيء يعوض، الحجر يعوض، ولكن انشالله لا تتكرر هذه الحروب، نريد أن نعيش بسلام نحن وأولادنا".

انقلب المشهد على طول الطريق الممتدة من أوتوستراد مدينة زحلة باتجاه محافظة بعلبك. وعادت الحياة لتنبض الى ما وراء تقاطع طريق أبلح – بعلبك. فشهدت المنطة نزوحاً معاكساً، لذلك الذي تزامن خصوصاً مع الإنذارات الموجهة الى مدينة بعلبك. ومع أن عدداً كبيراً من العائدين علق بزحمة سير خانقة، ساد الإرتياح على الوجوه، حتى لو لم يكن بعضهم واثقاً بأن بيته سيكون صالحاً للسكن. "سنضع الخيم ونقيم فيها" كما قال أحدهم. لكن "لن نسمح لأحد بأن يخلي قرانا"، بينما عوّل البعض على جيران له أو أقرباء لاستضافة من فقدوا بيوتهم مؤقتاً ريثما يعاد بناء منازلهم كما قالوا.

إلا أن صدمة العودة كانت كبيرة، وخصوصا في القرى التي تضررت بشكل كبير، ومن بينها بلدة سحمر في البقاع الغربي. فالبلدة التي إستهدفت منذ أول يوم للغارات الإسرائيلية على البقاع، بقيت في مرمى العدوان حتى ما بعد استشهاد رئيس بلديتها. وبالتالي كان مشهد الدمار مؤلما للجميع، ومع ذلك بقي هؤلاء يرددون "المهم انتصرنا". واعتبرت إحدى السيدات "أن الدمار ليس مهماً، سنعيد بناء منازلنا. وكل شيء يجب أن يكون مقابله تضحية، والنصر أيضاً يريد التضحية، ولا يمكن أن نقول أننا نريد المقاومة والنصر ولا نقبل بهدم بيوتنا".

على طريق عام بلدة سحمر إنشغلت الجرافات التابعة للهيئات الحزبية بفتح الطرقات، تسهيلا لوصول الناس الى بيوتهم. فالبلدة بقيت معزولة لأسابيع، ومع أن عدداً كبيراً من منازلها لم يستهدف، فقد هجر بشكل كامل، وانقطعت التغذية الكهربائية عن جزء كبير منها. وهو ما سيصعب الحياة فيها للأيام المقبلة، ريثما تنطلق ورش إصلاح الأعطال التي شملت أيضاً شبكة الانترنت الأرضية.

ومع أن هذه الحال ستنسحب على عدد كبير من قرى البقاع التي شهدت غارات متكررة، إلا أن قرى أخرى، ترددت أسماؤها طيلة أسابيع العدوان بدت أفضل حالاً ، كبلدتي تمنين والنبي شيت، حيث تبادل الأهالي التهاني بالسلامة. جزء من الأهالي صمد ونجا داخل البلدة وجزء  عاد اليها بعد طول غياب.

لم يكن لعودة جميع النازحين الى بيوتهم أن تتحقق لولا إعادة ردم طريق ضهر البيدر. هذا الأمر الذي شكل أولوية بالنسبة لوزير الأشغال علي حمية، خصوصاً أن أعداداً من اللبنانيين نزحوا الى سوريا أو العراق، فإستعجل حمية عملية إغلاق الحفرتين الضخمتين من مخلفات الغارات الإسرائيلية، معلناً عودة الطريق سالكة بدءا من الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم الأربعاء. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها