الإثنين 2024/11/25

آخر تحديث: 17:51 (بيروت)

ساعات تحت الأنقاض: اتصال أمه ينقذ محمد من الموت

الإثنين 2024/11/25
increase حجم الخط decrease
"الرابعة من فجر يوم السبت 23 تشرين الثاني. الطائرات الحربيّة تُحلّق فوق سماء العاصمة بيروت، هدير قويّ يتبعه إطلاق مجموعة من الصواريخ الإسرائيليّة. انفجرت الصواريخ في المبنى المُلاصق للمبنى الذي أقطن فيه وعائلتي. اشتعلت النيران بقوّة وامتدت، أضيئت غرفتي بالكامل، وهج حارق، وحلّ الظلام فجأة. حاوطني الظلام، لم أعد قادرًا على تحريك جسدي المُستلقي على السرير. دقائق قليلة، حتى أدركت أن المبنى تدمّر بالكامل، وأنا عالق تحت الرُكام"، يروي الشاب محمد الصفح لـ"المدن"

نبضٌ تحت الردم
قبل ساعات قليلة، كان محمد (23 عامًا) يتجوّل في منطقة البسطة الفوقا في قلب بيروت، يُمازح جيرانه في شارع المأمون. عاد لمنزله في الطابق الأرضي، في مبنى "الصفح"، المؤلف من ثماني طبقات، استلقى في غرفته لينام. لم يكن يدرك أبدًا أنه في هذه الليلة تحديدًا، سيكون من بين الناجين من مجزرة ارتكبها العدو الإسرائيليّ في بيروت.

يوم الجمعة الفائت، تلقى أحد سكان المنطقة إنذارات هاتفية من أرقام مشبوهة، تطلب منهم إخلاء المنطقة حفاظًا على سلامتهم. لم تؤخذ هذه التحذيرات بالجديّة المطلوبة، فبيروت اعتادت منذ بداية الحرب الإسرائيليّة على تلقي اتصالات يومية من مجموعة أرقام تطلب منهم إخلاء بعض الاحياء والمباني التي يقطنون فيها، لكن السلطات الأمنية أكدت بعد ساعات أن هذه الإنذارات غير صحيحة ولا داعي للخوف، وهي محاولة لترهيب المواطنين. ومحمد أيضًا، قرر عدم تصديق هذه التحذيرات، وبقي داخل المنزل برفقة والده وجدته، أما والدته وشقيقته الصغرى قررتا المكوث لأيام عديدة لدى شقيقه الأكبر في منطقة برج حمود.

قضى محمد أكثر من ثلاث ساعات تحت الركام. عند السابعة والنصف صباحًا، تمكنت فرق الإنقاذ من مساعدته ونُقل للمشفى لتلقي العلاج المناسب. يروي لـ"المدن" هذه التجربة، قائلًا كان الموت أمامي. لامسته للحظات... وعُدت للحياة". ويشرح للـ"المدن": "فقدت القدرة على التحرّك، الأحجار تراكمت فوق جسدي، وكنت قادرًا على تحريك يدي اليمنى فقط، حاولت إزالة الركام عن يدي اليسرى، كانت مهمة صعبة، الأحجار ثقيلة جدًا، كما أن أحد الجدران وقع فوق صدري".

 بين الموت والحياة
"إنها اللحظات الأخيرة قبل الموت، نطقت الشهادة، وحاولت إغلاق عيوني، لكن والدتي اتصلت على هاتفي الخلوي، ارتفع صوت رنين الهاتف، لا زلت عاجزًا عن وصف ما حدث، وكأنني عُدت للحياة وهناك من يريد مساعدتي، أمسكت بهاتفي وصرخت مستنجدًا بوالدتي: "أنا تحت الركام..أنا حيّ..أنا حيّ..". واتصلت بصديقي أيضًا وحددت له مكان تواجدي طالبًا منه إبلاغ فرق الإنقاذ. كنت أشعر بضيق في التنفس، كنت خائفًا من فقدان القدرة على التنفس، فأنا أعاني من الربو، في هكذا لحظات صعبة، توجب عليّ المحافظة على هدوئي كي لا أفقد وعيي، وبدأت بالصراخ، حاولت أن أنادي والدي وجدتي..لم أحصل على أي إجابة منهما". ويتابع: "خلال هذه الساعات، تذكرت كل مراحل حياتي، وعُدت بالذاكرة لسنوات ماضية، حين كنت طفلًا، وحين أصبحت شابًا، اللحظات الجميلة والسيئة أيضًا حضرت في ذهني، والدي، والدتي، كل الذكريات التي جمعتها طيلة السنوات الماضية، دنا الموت منيّ، في هذه اللحظات، يتمسك المرء بالحياة، يريد النجاة، وكأنه يرغب بركل الموت؛ أو في لحظات أخرى يتمنى الموت بهدوءٍ، من دون أن يُحاصر بالردم لساعات طويلة وتعجز فرق الإغاثة عن مساعدته، فيموت مختنقًا بعد عذاب طويل، هذه أصعب السيناريوهات التي جالت في ذهني".

السابعة والنصف صباحًا، وصلت فرق الإنقاذ للشاب محمد، رُفع من تحت الأنقاض، ونُقل للمستشفى للمعالجة. تعافى وانتقل للبقاع للمكوث هناك. أعطت الحياة فرصة جديدة له، أخبرته أن الموت لن ينال منه هذه المرة، لكنها سلبت منه والده وجدته اللذين استشهدا تحت الرُكام. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها