السبت 2024/11/23

آخر تحديث: 16:41 (بيروت)

فجر بيروت الأسود: أرواح عالقة تحت الركام تحولت لأشلاءٍ

السبت 2024/11/23
فجر بيروت الأسود: أرواح عالقة تحت الركام تحولت لأشلاءٍ
سُوي مبنى بيضون أرضًا، وتصدعت أكثر من 6 مبانٍ وطلب من قاطنيها مغادرتها خوفًا من انهيارها فجأة. (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
على بعد أمتارٍ من مبنى بيضون، في منطقة البسطة الفوقا، المكتظّة بالسكّان والنازحين، يفترش بعض الرجال رصيف المشاة، يتأملون أعمال رفع الأنقاض التي لم تتوقف منذ أكثر من ثماني ساعات، يُقدّرون أعداد الضحايا، يحاولون تذكر أسماء هؤلاء وسيرهم ومهنهم، متحسرين على هذا المبنى الذي مُحيّ فجأة عن الخريطة، وعلى هذه المنطقة الّتي حافظت على ملامح بيروت العتيقة ورائحتها وروحها.

مفقودون وأشلاء
تقترب سيدة في العقد الخامس من الرجال، تحاول الاطمئنان على العائلات التي كانت تقطن في المبنى، فيخبرها أحدهم بأن فرق الدفاع المدنيّ انتشل الأشلاء منذ بعض الوقت، أما المتبقي من السكان الذين باغتتهم ستة صواريخ إسرائيليّة مضادّة للتحصينات، أثناء نومهم، لا يزالون مفقودين، عالقين تحت الركام وتحت رحمة مركبات الجرف. تمنع نفسها عن البكاء، برباطة جأشٍ بالغة تسأل فرق الإغاثة والمتجمهرين حول مكان الاستهداف. يُباغتها أحد السكان بالقول: "أطفال ناطور المبنى، قُتلوا بالصواريخ الإسرائيليّة". تصمت، وهي تتموضع أمام مشهد المبنى بانتظار الخبر اليقين. أمامها، يقف رجل في منتصف العقد السادس، يخبر المارة بأن المتجر الذي كان يملكه، لبيع المواد الغذائية، قد اختفى كليًا، ويشير إلى مركبة الجرف التي استقرت فوق ركام محله. وبجانبه، يقف أحد سكان المبنى، الذي يحاول أن يتناسى هول الانفجار القويّ، ويضحك قائلًا: "الصواريخ ذوّبت دراجتي النارية..". وحسب معلومات "المدن" فإن أعمال رفع الركام ستحتاج لأيام عدة، وهناك حوالى 30 مفقودًا تحت الردم، تعمل فرق الإنقاذ على مساعدتهم، وحسب بيان وزارة الصحة العامة فقد ارتفع عدد الضحايا إلى 11 شهيدًا، من بينهم أشلاء رفعت وسيتم تحديد هوية أصحابها بعد إجراء فحوص الحمض النووي، إضافة إلى إصابة 63 شخصًا.  

حركة نزوح
يتجمع عشرات السكّان أمام الركام، عناصر من الجيش اللبناني تمنعهم من الاقتراب، في المباني المُجاورة لمحيط الاستهداف، تشدّ سيدة على يد طفلها الصغير، وتجرّ بيدها الثانية حقيبة سفر صغيرة وضبتها على عجلٍ لدرجة أنّها لم تقم بإقفالها بشكل كامل، لم تحدد مكان إقامتها المؤقت للمرة الثانية، تمشي وهي تستنجد "يا الله..يا الله". في الشارع نفسه، تهرول النساء ويحاولن تخبئة وجوههن بالمنديل، هربًا من رائحة البارود التي خنقت العاصمة بيروت.  

في المبنى المقابل لمبنى بيضون المُستهدف، المشهد كان مختلفًا. شاب يقف على شرفته التي لم يبق منها سوى بعض الحديد، يشعل سيجارته، يسحب بقوة، وينفث الدخان للخارج. تنتهي السيجارة الأولى، يُشعل الثانية وهو يراقب بكل تؤدة أعمال الجرف. يتأمل آلية رفع الردم، التي تعطّلت وتوقفت عن العمل. تُرى هل ستصمد الأرواح العالقة تحت المبنى لحين إعادة تشغيلها؟

حلّت النكبة على شارع المأمون. جالت "المدن" في محيط المبنى المُستهدف بست صواريخ، والمؤلف من ستة طبقات، وفي كل طابق شقتين، وبحسب إفادات سكان المنطقة، فإن المباني المجاورة كلها تضمّ عشرات العائلات النازحة من جنوب لبنان والضاحية الجنوبيّة. سُوي المبنى أرضًا، وخلفه دُمر منزلان بشكل كامل، وتصدّعت أكثر من 6 مبانٍ مجاورة، وطُلب من سكان هذه المباني الإخلاء خوفًا من انهيارها، فخرجت العائلات فجرًا، من دون أن تحدد أي وجهة أخرى لها، وحسب إفادات سكان المنطقة، فإن الكثير من العائلات انتقلت للمكوث عند أقارب لها، وهناك بعض العائلات النازحة التي لا تملك أي مكان آخر.


وفي الوقت الذي تحاول فيه فرق الإغاثة انتشال جثث الضحايا، يسيطر الارباك على سكان العاصمة بيروت، إذ ترد اتصالاتٌ عدّة من جهاتٍ غير معروفة تُنذرهم بالإخلاء في مناطق عدّة في العاصمة بيروت وتخوم ضاحيتها الجنوبيّة كمنطقة الشويفات، فيما يواكب تلك شكاوى المواطنون الذين يحاولون التواصل مع القوى الأمنيّة، الّتي لحدّ اللحظة لم تعط الخبر اليقين، وحسب معلومات "المدن" فإن حوالى 7 مبان جرى إخلاؤهم في منطقة رأس النبع بعد ورود اتصالات مشبوهة، إلا أنه وحتى الساعة لم تؤكد صحة هذه الاتصالات. تكتظ الشوارع بالسكان، الذين يجهلون مصيرهم. وفي بيروت، ارباك وفوضى. مارد ناري حلّ على سماء العاصمة. وأدخل قاطنيها في كابوس حالك لم ينته بعد. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها