لم تدم ساعات الهدنة التي شهدتها بعلبك – الهرمل لفترة طويلة. فقد استأنفت إسرائيل غاراتها على مواقع عديدة في المحافظة يوم أمس وأدت إلى سقوط 11 شهيدا و19 جريحاً، بحسب أرقام وزارة الصحة. وبعد منتصف الليل شنّ الطيران الإسرائيلي غارات عنيفة على بلدة العين في الهرمل، تزامناً مع الغارات على منطقة ضاحية بيروت، علما أن البلدة نفسها شهدت غارات أدت إلى إستشهاد 11 شخصا من عائلة واحدة قبل يومين فقط، بحسب المعلومات المتوفرة.
توسع دائرة الاستهدافات
تراجع أعداد الشهداء والجرحى يوم الثلثاء لم يكن سوى نتيجة للهدنة القصيرة التي منحها العدو لهذه المنطقة في فترة قبل الظهر. فقد استأنف الطيران عدوانه على بلدة طليا. لتكر من بعدها سبحة الاعتداءات في عشر غارات متلاحقة شنّت على المنطقة وحصدت أرواح مدنيين. فنالت بلدة بريتال الحصة الأكبر من الشهداء الذين ذُكر أنهم نزحوا إلى البلدة لإعتقادهم أنها أكثر أماناً من بلداتهم.
ساعات الهدوء التي تشهدها محافظة بعلبك، بين الحين والآخر، لا تبعث الطمأنينة للسكان. معظم الاستهدافات، في الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي، كانت تتركز على بلدات سحمر وتمنين والنبي شيت، التي لا تزال تشهد غارات متواصلة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان، بالإضافة إلى ما شهدته البلدات المحاذية لحدود الهرمل مع الأراضي السورية. لكن توسعت دائرة الاستهدافات منذ أيام ووصلت إلى محيط بعلبك المدينة وبدنايل وشمسطار وعلي النهري ودورس ويونين. وطال القصف مبنى مجاوراً لمستشفى دار الأمل على الطريق العام.
لا مكان آمناً بالمحافطة
وعليه تعممت حالة الغدر التي يتعرض له مواطنون آمنون في بيوتهم وعلى الطرقات ولا سيما مع تطور الأحداث إلى مرحلة جديدة من الإستهدافات البعيدة عن خطوط المواجهة في الجنوب. وهذا ما تسبب برفع مستوى الخوف والتوتر لدى المواطنين، وأدى بالتالي إلى حالة نزوح شديدة من مختلف أنحاء المحافظة. وأفرغت بعض المناطق بشكل كامل من السكان. ولم تستثن مدينة بعلبك من هذه الأحداث، فقد كانت أطرافها عرضة لإعتداءات عديدة، بعدما كانت وجهة للإحتماء فيها بالأيام الماضية.
بعد نحو عشرة أيام على توسع العدوان الإسرائيلي على لبنان، لم يعد ممكناً الحديث عن بلدة آمنة في محافظة بعلبك الهرمل، وخصوصاً بظل مزاعم إسرائيل حول كون غاراتها تشن على أهداف لتطوير الأسلحة وتجمعات تابعة لحزب الله، حتى لو تبين أن معظم ضحاياها حتى الآن هم من المدنيين.
في ظل هذا الواقع يمكن القول أن الحرب التي شنتها إسرائيل رسمت بخطوط النار الحدود الفاصلة بين المحافظات والقرى البقاعية. فما إن يتم تجاوز حاجز الجيش اللبناني قرب مفرق رياق، حتى تصبح الطريق خالية من العابرين، ولا تسلكها سوى سيارات الإسعاف، وبعض آليات عسكرية وسيارات بزجاج داكن. يفاقم ذلك حالة الذعر التي ترافق مشهد المباني المدمرة، وأصوات الجرافات التي تحاول فتح الطرقات، وركام السيارات المحترقة، وروائح البارود، ووشاح الغبار الذي يغطي السهل مع أعمدة الدخان المتصاعدة جراء الاعتداءات المتكررة.
إقفال المؤسسات
فاقم رهبة السكون على الطرقات الرئيسية التي كانت تعج سابقاً بالسيارات، الحداد العام الذي دخلت فيه محافظة بعلبك الهرمل عموماً منذ إستشهاد الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله. فيما لم يخرق هذا الصمت، وحظر التجول التلقائي الذي فرضه العدوان المتكرر، سوى جولات إعلامية نظمت لصحافيين إلى البلدات الأكثر إستهدافا في الأيام الماضية، ومن بينها دورس ويونين حيث عملت البلديات على فتح الطرقات والمنافذ الداخلية التي سدت بركام المباني والمؤسسات المهدمة، بالإضافة إلى جولة نظمت إلى مستشفيات البقاع التي غصت بالجرحى والضحايا المدنيين.
وعليه بدا صعباً على طول الطريق العثور على مؤسسة واحدة فتحت أبوابها للعمل. فالإقفال شمل حتى الصيدليات، ومحطات وقود، ووكلاء مؤسسات تحويل الأموال. وهذا ما فاقم من ضيق الناس ودفع ببعضهم لمغادرة منازلهم بإتجاه البقاع الأوسط وقراه وحتى نحو بيروت وبعض قرى الشوف وجبل لبنان.
ازدياد أعداد النازحين
أحد المؤشرات لتغيّر المعادلات التي فرضها هذا النزوح من المناطق التي تستهدف بالعدوان الإسرائيلي، يتمثل بالحوالات المالية. يشير أحد وكلاء مؤسسات تحويل الأموال إلى إرتفاع غير مسبوق في صرف التحويلات المالية لدى الوكلاء المنتشرين في أماكن النزوح، وهذا ما جعل الشركات الأم تحرص على تأمين السيولة بشكل فوري ومتواصل لهؤلاء الوكلاء. أما المؤشرات الفعلية لتزايد أعداد النازحين فظهرت بشكل أكبر من خلال العدد المتزايد لمراكز الإيواء، والحاجة المستمرة لإضافة مراكز جديدة كل يوم. وقد بلغ عددها في زحلة وقضائها حتى مساء يوم الإثنين، وفقا لمحافظ البقاع كمال أبو جودة، 45 مركزا، مع حاجة لإضافة مراكز جديدة. علماً أن العدد المقدر للنازحين في مراكز الإيواء الرسمية بمحافظ البقاع فاق العشرة آلاف نازح وفقاً لتأكيدات المصادر الرسمية. وقد أكد المحافظ تأمين كافة إحتياجات من جاؤوا إلى هذه المراكز بالتعاون مع الجهات والهيئات المانحة.
علماً أن مصادر محلية قدرت أعداد النازحين الذين استقروا، جماعات وأفراد، في بيوت سكنية، وغرف الفنادق والمنتجعات التي امتلأت جميعها، بما يوازي حجم النازحين إلى مراكز الإيواء. وهذا برأي المصادر بات يهدد بانفجار اجتماعي، خصوصاً إذا طال أمد الحرب ولم تتأمن الإحتياجات كافة للمواطنين.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها