السبت 2024/10/19

آخر تحديث: 14:44 (بيروت)

ضياع موسم الزيتون جنوباً: أصحاب الأرض عمال بمناطق أخرى

السبت 2024/10/19
ضياع موسم الزيتون جنوباً: أصحاب الأرض عمال بمناطق أخرى
أدت الاعتداءات الإسرائيلية إلى احتراق حوالي 65 ألف شجرة زيتون في الجنوب اللبناني (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
"خسرت كل رزقي، وحاليا أعمل في قطف الزيتون كي أؤمن لقمة العيش لعائلتي." بهذه الكلمات المؤثرة، عبّر عماد، أحد سكان بلدة جباع، النازح إلى منطقة جزين، عن واقعه الصعب. فقد أدت الاعتداءات الإسرائيلية على المنطقة إلى نزوح عماد وسكان المنطقة، وخسروا موسم قطاف الزيتون. واضطر إلى العمل في مجال يتقنه، أي القطاف، لتدبر أمره، متحسراً على خسارة موسمه في منطقة غير بعيدة عن مكان نزوحه.

من صاحب أرض إلى مياوم
في حديثه لـ"المدن"، أوضح عماد أهمية هذا الوقت من العام بالنسبة له: "هذا الموسم يمثل لي الكثير، فهو ثمرة جهدي طوال العام في العناية بأشجار الزيتون. أحصد الموسم وأبيعه".

بمرارة يروي تفاصيل وضعه الحالي: "اليوم أعمل كعامل مؤقت في قطف الزيتون مقابل أجر يومي قدره 25 دولارًا، بعد أن خسرت الموسم في جباع. ولكنني وجدت هنا في جزين فرصة لجني بعض المال الذي يساعدني على مواجهة الظروف الصعبة".

الخسارة لا تكون مادية فقط، بل تمتد لتشمل خسارة الوقت والرمزية المرتبطة بالمكان. في هذا السياق، يروي محمد شامي، من بلدة جرجوع، معاناته منذ بداية الحرب في 8 تشرين، حيث لم يتمكن من زيارة قريته سوى خمس مرات. يقول لـ"المدن": "موسم الزيتون جزء أساسي من إنتاجنا الزراعي. كلفت أحدهم بالاعتناء بالموسم، لكننا الآن لا نستطيع جني المحصول. حتى المونة من الموسم الماضي، فقدناها. وهذه أول مرة منذ حوالي 50 عامًا سأضطر لشراء الزيت".

يضيف محمد بأسى: "الخسارة المعنوية كبيرة، فنحن قلقون على بساتيننا ونخشى فقدانها. لكن مقارنة بالناس الذين يخسرون أرواحهم، تبدو خسارتنا أصغر".

القطاف متواصل في جزين
يشير محمد إلى أن الخسارة المادية قد تُعوض، لكن شجر الزيتون الذي يبلغ عمره 30، 40، أو حتى 50 عامًا، لا يمكن تعويضه بسهولة. "الخسارة ليست فقط موسمًا، بل هي خسارة بساتين عمرها عشرات السنين، تحمل قيمة معنوية ومادية لا تُقدر بثمن، وتطال ذاكرتنا، وحياتنا، وقرانا وانتماءنا. وهي أكثر بكثير من خسارة مادية. فقد وصلنا إلى وضع يشبه التهجير. ويصعب علينا تخيّل عدم عودتنا إلى أرضنا. فنحن لا نعلم إلى متى ستطول هذه الإقامة. وهذا شيء مؤلم جدا".

من جهة أخرى، لا تزال بعض المناطق الجنوبية، مثل قرى قضاء جزين، مستمرة في قطف موسم الزيتون، رغم التحديات. ومع ذلك، يعترف العديد من أصحاب المزارع والعاملين في هذا المجال بأن الموسم هذا العام غير جيد. جورج، وهو أحد العاملين في معصرة في المنطقة، أوضح لـ"المدن" أن المعصرة التي كانت تستقبل محاصيل من قرى مثل الريحان، عرمتا، والعيشية، لن تتمكن هذا العام من عصر نصف الكمية التي عصرتها في العام الماضي.

وفيما يتعلق بالأسعار، أكد جورج أن سعر التنكة في المنطقة وصل إلى 150 دولارًا، وهو ارتفاع بسيط بنحو خمسين بالمئة عن العام الماضي. لكن بعض التجار يستغلون انخفاض الإنتاج لرفع الأسعار، حيث يبيعون التنكة في بيروت بسعر يصل إلى 200 دولار، مستفيدين من الطلب المرتفع وقلة العرض.

خسارة 8 ملايين دولار
تسببت الاعتداءات الإسرائيلية بتداعيات كارثية على مختلف القطاعات في لبنان، ولا سيما قطاع الزراعة وتحديداً موسم الزيتون، الذي بدأ قطافه. فشجرة الزيتون تعتبر شريان الحياة الاقتصادية في الجنوب اللبناني ورمزًا للصمود والتشبث بالأرض، تأثرت بشكل كبير نتيجة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والمزارع. وبحسب وزيز الزراعة عباس الحاج حسن تعرض قطاع الزيتون في الجنوب لخسائر فادحة منذ بداية العدوان الإسرائيلي في 8 تشرين الأول. احترقت في المنطقة حوالي 65 ألف شجرة زيتون. وهذه البساتين كانت تشكل نحو 22 بالمئة من مجمل المحصول الزراعي في الجنوب.
ووفقه، أنتج لبنان حوالي 20 ألف طن من الزيتون سنويًا، في السنوات الأخيرة، يصدر منها 5 آلاف طن إلى الخارج. وعلى المستوى الاقتصادي قيمة موسم الزيتون نحو 40 مليون دولار سنويًا، ومناطقياً يشكل موسوم الزيتون في القرى الجنوبية نحو 8 مليون دولار منها. ما يعني أن لبنان خسر هذه العائدات نتيجة غياب المحصول الحنوبي. وبيد أن المشكلة لا تكمن بخسارة موسم لا يستطيع أهالي الجنوب قطافه بسبب الحرب، بل أدى العدوان الإسرائيلي إلى إحراق مساحات شاسعة من بساتين الزيتون. وسيصبح جزء كبير من الأراضي غير صالح للزراعة مجددًا بسبب القصف بالقنابل الفسفورية وغيرها من القنابل التي تحتوي على مواد سامة.
وحتى الآن، لم تتمكن وزارة الزراعة من إجراء إحصاءات دقيقة عن الأضرار الناتجة عن استخدام الفوسفور الأبيض في الهجمات، ولم تتمكن من أخذ عينات لتحليل تأثير المواد الكيميائية على التربة والزراعة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها