يُذكر أنّ الطلاب الذين خضعوا للامتحانات في السنوات السابقة، من دون حيازتهم الوثائق المطلوبة، حصلوا على "إفادة نجاح" فقط وليس على الشهادة الرسمية. في العام 2021، وثّق مركز الدراسات اللبنانية وهيومن رايتس ووتش 18 حالة منع طلاب من التسجيل لامتحانات الصف التاسع، و10 طلّاب بعمر 18 أو أكثر لم يتمكّنوا من تأمين الوثائق اللازمة للخضوع لامتحانات "الترمينال". يؤكد هذا على الأعداد الكبيرة للطلاب اللاجئين الذين حرموا من حقهم في استكمال تعليمهم طوال السنوات الماضية، فقط لأن الوزارة مصرّة على الإبقاء، وربما التشدد، في العقبات والقيود التي تفتقد الحد الأدنى من حقوق الطفل وعيشه الكريم.
يتحدث بكري س.، وهو أب سوري لطالبين في المرحلة الثانوية، عن المعاناة السنوية التي يعيشونها. لا إقامة لدى ولديه، فالحصول على جواز سفر مستحيل في ظل الأوضاع الحالية. يدرسان في مدرسة رسمية منذ وصولهما إلى لبنان قبل 10 سنوات، وانتقلا لثانوية بعد إتمام الصف التاسع. "مع بداية كل عام، انشغل لمدة شهر في وزارة التربية للحصول على طلب استثناء لتسجيلهما. خلال التقديم الرسمي، سمحوا لولدي بالتقديم، لكن الإفادة لليوم غير مصدقة وحصلنا على إفادة من دون الشهادة"، يقول بكري لـ"المدن".
رغم خطورة الأمر، قرّر إرسال ابنه الأكبر إلى سوريا لتأمين الوثائق المناسبة. إلا أنه وجد الأمر أشبه برميه بالنار، خصوصاً وأنّ السوريين الذين لا يمتلكون إقامة ويغادرون لبنان عبر المعابر الحدودية الرسمية يُمنعون من العودة. ويردف بكري: "تواصلت مع مدارس سورية علّها تسمح لأولادي بإكمال تعليمهم فيها، لكنّهم طلبوا التسلسل التعليمي مع التصديق الرسمي، وهو ما يحتاج للوثائق نفسها".
الطلاب كورقة ضغط.. ولوم الجهات المانحة
"يعكس هذا الملف نظرة الدولة اللبنانية إلى الطلاب السوريين باعتبارهم ورقة ضغط على الجهات المانحة لتغطية العجز"، تقول مديرة مركز الدراسات اللبنانية، الدكتورة مها شعيب. تستغرب كيف أن منظمات الأمم المتحدة لم تشترط إلغاء شرط امتلاك الطلاب للإقامة، قبل تقديم أي دعم وتمويل لوزارة التربية. أبعد من ذلك، تلوم شعيب هذه المنظمات التي سمحت بتسجيل الطلاب السوريين في المدارس الرسمية قبل إلغاء مختلف القيود التي يواجهونها.
وتضيف لـ"المدن": "موضوع عدم إعطاء الشهادة الرسمية للطلاب الذين لا يملكون إقامة، تمّ من خلال اتفاق بين "اليونيسيف" ومنظمات الأمم المتحدة والوزارة. المستغرب، أن مركزنا راسلهم مراراً ولم نلقَ أي جواب". يُذكر أن "الجامعة اللبنانية الأميركية"، فسخت الشراكة مع المركز في شباط الماضي، بعدما انتقد الأخير عنصرية الوزارة، في مشهد يعكس عدم إيلاء "التربية" أي اهتمام للاستفادة من الدراسات والأبحاث الصادرة عن المركز البحثي (راجع المدن).
في المقابل، تشدّد منظمة "اليونيسف" في لبنان لـ"المدن" على أنه لا يمكن تحميل الأطفال عقبات فقدان إمكانية الوصول إلى التعلم، وهو ما يحدث اليوم مع الطلاب من دون إقامات. وأكدت المنظمة أنها "تواصل التزامها بدعم برامج التعليم غير الرسمية الهادفة إلى مساعدة جميع الأطفال اللبنانيين وغير اللبنانيين غير الملتحقين بالمدارس. ويشمل ذلك أولئك الذين لم تتح لهم مطلقًا فرصة الالتحاق بمدرسة رسمية أو أولئك الذين التحقوا لفترة معيّنة، ولكنهم توقفوا بعد ذلك عن تعليمهم وتركوا المدرسة".
حسب المنظمة، أكثر من 700 ألف طفل هم خارج المدرسة في لبنان. العدد الكارثي هذا، مرشح للارتفاع مع استمرار ممارسات وزارة التربية على حالها. أيام قليلة على انطلاق العام الدراسي الجديد، والذي لن يقل سوءاً عن سابقاته في المدارس الرسمية، مع دفع الطلاب السوريين الثمن الأكبر. سيبقى هؤلاء ورقة ضغط بيد "التربية"، يضاف إليها الخطاب العنصري المتصاعد من زملائهم والإدارات.. وهو أكثر ما يقلق طلاباً تواصلت "المدن" معهم لمعرفة تفاصيل إضافية عن معاناتهم في ظل افتقادهم للإقامات.
ملاحظة: حاولت "المدن" التواصل مراراً مع وزارة التربية، إلا أنها، وكعادتها، تتميّز في التنصّل من المسؤولية في قضية تضع مصير آلاف الطلاب أمام المجهول. فبعد ستة اتصالات حاولنا من خلالها الوصول لمدير عام الوزارة عماد الأشقر، أتى الرد "نحن بحاجة لإذن من الوزير الموجود في الخارج". يُذكر أن هذا الرد تلقّيناه بعد إصرار الموظفة على معرفة موضوع المقال لتنقله للأشقر. أما التواصل مع الوزير، فقد كان من خلال مستشاره الإعلامي ألبير شمعون، الذي لم يرسل جواباً رغم انتظاره ثلاثة أيام.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها