الأحد 2023/09/10

آخر تحديث: 11:06 (بيروت)

الألمان يهددون الهيمنة الأميركية بمجال الذكاء الاصطناعي

الأحد 2023/09/10
الألمان يهددون الهيمنة الأميركية بمجال الذكاء الاصطناعي
تنصب جهود الشركة الألمانية على بناء الذكاء الاصطناعي العام (Getty)
increase حجم الخط decrease

يسعى الأوروبيون بكل ما أوتوا من قوة لكسر الهيمنة الأميركية في مجال الذكاء الاصطناعي، ولا يدخرون جهداً لبناء الذكاء الاصطناعي التوليدي الخاص بهم. وتتضح تلك المساعي جلياً بدعم الاتحاد الأوروبي جهود شركة ناشئة تُدعى "ألف ألفا Aleph Alpha"، أسسها الألماني جوناس أندروليس، والتي تبيع أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي كخدمة للشركات والحكومات، وبات لديها بالفعل الآلاف من العملاء.

منافسة "غوغل" و"أوبن أي"
يتساءل المتشككون في قطاع التكنولوجيا عمّا إذا كانت شركة "ألف ألفا" قادرة حقاً على منافسة شركتيّ "غوغل" و"أوبن أي OpenAI" الأميركيتين، اللتين أطلقتا "بارد Bard" و"تشات جي بي تي ChatGPT"، باعتبارهما الطفرة الحالية في الذكاء الاصطناعي التوليدي. لكن الكثيرين في الاتحاد الأوروبي يأملون في أن تتمكن "ألف ألفا" من مواجهة الهيمنة الأميركية، خصوصاً أن للأوروبيين تاريخٌ طويل من الخلافات حول الخصوصية وأمن البيانات مع عمالقة التكنولوجيا الأميركيين.  

أسس جوناس أندروليس البالغ من العمر 41 عاماً شركة "ألف ألفا" عام 2019 في هايدلبرغ، وهي مدينة تقع جنوب غرب ألمانيا، بعد أن أمضى ثلاث سنوات في العمل على الذكاء الاصطناعي في شركة "أبل Apple" الأميركية. وقد شرعت شركته مذّاك في العمل على بناء نماذج لغوية كبيرة، وهي نوع من الذكاء الاصطناعي الذي يحدد أنماط اللغة البشرية من أجل إنشاء نص خاص بها أو تحليل أعداد هائلة من المستندات. وبعد ذلك بعامين، جمعت الشركة 27 مليون دولار، وهو مبلغ من المتوقع أن يزداد مع تلميحات أندروليس بإمكانية إطلاق جولة تمويل جديدة في الأسابيع المقبلة.

بناء الذكاء الاصطناعي العام
يستخدم عملاء الشركة في الوقت الحالي، بدءاً من البنوك إلى الوكالات الحكومية، برنامج "Aleph Alpha's LLM" لكتابة تقارير مالية جديدة، وتلخيص مئات الصفحات، وإنشاء روبوتات دردشة تكون ضليعة في كيفية عمل شركةٍ معينة. وتقول الشركة إياها أن التحدي يكمن في جعل الذكاء الاصطناعي قابلاً للتخصيص، حيث تشعر الشركات التي تستخدمه بالسيطرة ويكون لها رأي في كيفية عمله. 

وبذلك، تنصب جهود الشركة على بناء الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، الذي يُعرف على نطاقٍ واسع بأنه الهدف النهائي لشركات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهو ذكاء اصطناعي شبيه بالبشر يمكن تطبيقه على مجموعةٍ واسعةٍ من المهام. وللشركة حالياً عشرة آلاف عميل، ما يُظهر أنها قادرة على المنافسة، أو على الأقل التعايش، مع العمالقة الناشئين في هذا المجال.

أول مركز بيانات في برلين
افتتحت "ألف ألفا" العام الماضي أول مركز بيانات لها في برلين، حتى تتمكن من تلبية احتياجات الصناعات شديدة التنظيم بشكلٍ أفضل، كالعملاء الحكوميين أو عملاء الأمن، الذين يرغبون في ضمان استضافة بياناتهم الحساسة في ألمانيا. وحسب أندروليس، يعود قرار افتتاح هذا المركز إلى القلق بشأن إرسال البيانات الخاصة إلى الخارج، ما يجعل من المهم تطوير الذكاء الاصطناعي الأوروبي، إلى جانب التأكد من عدم استبعاد اللغات الأوروبية من تطورات الذكاء الاصطناعي.

ويمكن لنموذج "ألف ألفا" التواصل بالفعل باللغات الألمانية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والإنكليزية، وتشمل بيانات التدريب الخاصة به مستودعاً ضخماً من الوثائق العامة متعددة اللغات التي نشرها البرلمان الأوروبي. 

نموذج جديد مذهل
لكن المذهل بالفعل، هو عمل الشركة إياها على نموذج ذكاء اصطناعي قادر على الشرح بطريقةٍ مفصلة. فعندما طُلب من هذا النموذج في العرض التجريبي وصف بطل الرواية في قصص الكاتب الأميركي هوارد فيليبس لافكرافت القصيرة، أجاب نموذج الذكاء الاصطناعي: "يوصف الرجل العجوز الرهيب بأنه ضعيف للغاية، جسدياً وذهنياً".

أما إذا قام أيُ مستخدم بالنقر على كلمة "ذهنياً" لتتبع خلفية هذه الكلمة في روايات لافكرافت، فسيحيله نموذج الذكاء الاصطناعي حينها إلى مقاطعٍ من النص في القصص القصيرة توضح حالة الرجل العجور. كما تقول شركة "ألف ألفا" إنّ هذه الميزة تعمل أيضاً مع الصور، إذ يمكن لهذا النموذج على سبيل المثال لا الحصر، وصف صورة لغروب الشمس فوق هايدلبرغ، وعند النقر على كلمة "غروب الشمس"، سيعرض النموذج الشرح الدقيق والمفصل لحركة الشمس وتوقيت الغروب في المدينة الألمانية.

وقد أصاب هذا النموذج بعض الفاعلين الأوروبيين في عالم التكنولوجيا بالذهول، فذهب نيكولاس مويس، مدير إدارة الذكاء الاصطناعي الأوروبي في مؤسسة "فيوتشر سوسايتي Future Society" البحثية، إلى القول "لقد بدأوا في تجربة ميزات الذكاء الاصطناعي الجديرة بالثقة، مثل إمكانية الشرح، والتي لم أرها من قبل".

المنافسة مع العمالقة
على أيّ حال، يعتقد الخبراء أن هذه الأنواع من الميزات التي بدأت بتقديمها الشركة الألمانية يمكن أن تصبح أكثر انتشاراً بمجرد إقرار الاتحاد الأوروبي لقانون الذكاء الاصطناعي، وهو تشريع شامل من المتوقع أن يتضمن متطلبات الشفافية. خصوصاً أن الهيئات التجارية، بما في ذلك جمعية الذكاء الاصطناعي الألمانية، تشكو في الوقت الحالي من أن تؤدي القواعد الفضفاضة والمرهقة إلى إبطاء جهود أوروبا لإنشاء عملاق محلي في مجال الذكاء الاصطناعي، ما يجبر الشركات الناشئة على التركيز على الامتثال للقواعد الجديدة بدلاً من التركيز على الابتكار. لكن بعضهم يجادلون بعكس ذلك، قائلين إنّ القواعد الأكثر صرامة يمكن أن تساعد شركات الذكاء الاصطناعي الأوروبية على بناء منتجات أفضل وإنشاء نوع من معايير الجودة، ويستدلون على ذلك بنجاح الصناعات الأوروبية الأخرى الخاضعة للتنظيم الصارم، كالسيارات الألمانية التي تخضع لعملية اختبار كاملة.

وهناك على المقلب الآخر، من يشكك بإمكانيات هذه الشركة على منافسة الشركات العملاقة الأميركية. وأبرز هؤلاء المشككين هو ماتياس بلابيرت، الذي عمل لأربع سنوات كباحث في "أوبن أي" ويعمل الآن كمستشار للذكاء الاصطناعي في برلين. إذ يقول هذا الأخير أن الشركة الألمانية لم تحقق حتى الآن نتائج أفضل من منافسيها الأميركيين في الاختبارات القياسية التي تستخدمها الشركات لإثبات فعالية نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها