الأحد 2023/08/06

آخر تحديث: 16:50 (بيروت)

حملات ترحيل اللاجئين مستمرة.. و"تجارة" المخطوفين والمعتقلين أيضاً

الأحد 2023/08/06
حملات ترحيل اللاجئين مستمرة.. و"تجارة" المخطوفين والمعتقلين أيضاً
فشلت الدولة اللبنانية بضبط حدودها المفتوحة لاقتصاد التّهريب وجرائم الاتجار بالبشر (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

خلال الأيام الأخيرة، شهدت تركيا حملة أمنيّة واسعة استهدفت ما سُميّ بـ"المهاجرين غير النظاميين"، والتي نُفذت من قبل السّلطات التركيّة. وقد سُجِّلت العديد من حالات التّرحيل لمئات الأجانب من جنسيات مختلفة، بما في ذلك الأفغان والسّوريين. وفيما لا يبدو أن تركيا وحدها عازمة على استئناف حملتها على اللاجئين السّوريين تحديدًا تلبيةً للمطالب الشعبيّة المُتقاطعة مع انقسامٍ سياسيّ- اجتماعيّ حادّ، فلبنان بدوره يستأنف منذ نحو أربعة أشهر حتى اليوم حملاته الأمنيّة، الراميّة لاعتقال اللاجئين وترحيلهم باتجاه الداخل السّوري، بحجة عدم حيازتهم أوراق إقامة أو الدخول خلسةً (وقد أثبتت الوقائع أن عمليات التّرحيل كانت عشوائيّة: راجع "المدن"). هذا وسط تنامي المخاوف الحقوقيّة إزاء الحملات وما رافقها من تجييش شعبيّ عنصريّ، وتعتيم إعلامي.

استئناف الحملات
ولما كان الرأي العام اللبنانيّ منهمكًا بآخر التّطورات السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، فضلاً عن واقع الشغور الرئاسي وما أفرزه من تشتت بالسّياسات العامة، لم يتمّ للآن أخذ قرارات رسميّة مُعممة بشأن ملف اللاجئين السّوريين، والذي وصل ذروته بين شهري نيسان وأيار -بداية حملات التّرحيل- وإزاء التشرذم السّياسيّ هذا، خصوصاً بعدما بات واضحًا أن لبنان يسعى لترميم علاقاته بدمشق باستغلال هذا الملف كمدماك أوليّ لهذه الغايّة، ومع فشل المفاوضات، واستبعاد إمكانيّة تشكيل لجنة ثلاثية لبنانيّة-سوريّة-أمميّة (المفوضيّة السّامية لشؤون اللاجئين). تستمر حملات منفلتةً من قالبها السّياسيّ "العفويّ" إن جاز القول، لتأخذ طابعًا أمنيًّا، رافقه تضاؤل التغطيّة الإعلاميّة والحقوقيّة.

وقد أعربت عدّة منظمات حقوقيّة مؤخرًا ومن جملتها مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) عن تخوفها من استكمال هذا المنهاج الضبابيّ، أكان سياسيًّا أو أمنيًّا، حيث "تستمر علميات الترحيل القسريّ من لبنان إلى سوريا، وذلك على الرغم من التوصيات الحقوقية بإيقاف هذه العمليات الممنهجة فورًا. ويواجه اللاجئون المرحلّون مصيرًا مجهولًا، حيث يُنتظر وصولهم إلى سوريا. وفي هذا السياق، تعتقد بيروت أن دمشق مستعدة لاستقبال اللاجئين". خصوصاً بعد تواتر معلومات تُفيد بإقدام الجيش اللبنانيّ وذلك في 27 من شهر تموز الماضي، على إعادة 73 لاجئًا سوريًا قسرًا إلى الجانب الحدودي السّوري، بعد أن تمت إعادتهم من قبل السلطات القبرصيّة إلى لبنان. وحتى الآن، يبقى مصير هؤلاء اللاجئين مجهولًا بعدما سلموا إلى عناصر من الجيش السوري.

ومسلسل التّرحيلات يواكبه بالتوازي واقع عودة قضيّة "الهجرة غير الشرعيّة" واستفحالها. إذ قامت السّلطات القبرصية في 3 من شهر آب الجاري بإعادة 36 لاجئًا آخر قسرًا إلى لبنان على متن مركب، والذي كان قد انطلق من شواطئ لبنان قبل يومين. وحاليًا، يتم الاحتجاز هؤلاء اللاجئين لدى الأمن العام اللبناني في بيروت. وبالتّالي يُمكن فهم التّقاطع الحاصل بين حملات التّرحيل التعسفيّة والزجريّة بتلك الحالات المُتعلقة بمطاردة قوارب "الموت" وما يكتنفها من خطورة شديدة على حياة اللاجئين أكان في السّواحل اللبنانيّة (على يدّ قوات الجيش كما حدث أول العام الجاري) أو أكان في السّواحل الأوروبيّة، كقضية قارب المهاجرين "أدريانا" الذي غرق قبالة السّواحل اليونانيّة الشهر الماضي، فيما أشار تحقيق لصحيفة The New York Times الأميركيّة، أنه كان بالإمكان تفادي تراكم عدد الوفيات الناجمة عن غرقه، ملمحةً لتورط خفر السّواحل اليونانيّ بغرق القارب. (راجع "المدن")

المُرحلين في الداخل السّوري
وقد تحدثت تقارير مركز وصول لحقوق الإنسان في نشرتها الأسبوعيّة، أنّه في 31 من شهر تموز الماضي، قام الأمن العام اللبناني بترحيل أربعة لاجئين سوريين من لبنان إلى سوريا. من بين هؤلاء اللاجئين، كان اثنان محتجزين في سجن رومية، وتم تسليمهم إلى الجانب السّوري عبر المركز الحدودي في "جديدة يابوس". وفور وصولهم إلى الجانب السوري، تم نقل اثنين منهم مباشرةً إلى فرع "فلسطين" الأمنيّ. الذي يُعرف أيضًا باسم فرع "235"، وهو من السّجون التّي تُديرها المخابرات السّوريّة. يقع هذا السّجن في العاصمة دمشق ويحظى بسمعة سيئة للغاية بسبب ما تسرب من تقارير حول تعرض معارضي النظام ونشطاء حقوق الإنسان للتعذيب فيه. كما تسربت أيضًا تقارير عن قيام عناصر من المخابرات السورية باستجواب المعارضين والمدنيين في ظروف أقلّ ما يُقال عنها باللاإنسانيّة. وبالتّالي، هذه نقطة سوداء إضافيّة في مرمى لبنان الحقوقيّ، الذي يستأنف عصيانه للاتفاقيات الدوليّة المُصادق عليها ومن جملتها "الاتفاقيّة الدوليّة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة".

هذا فيما أشار عدد من ذوي المُرحلين لـ"المدن" أن أبناءهم تمكنوا من العودة إلى لبنان تهريبًا، بعد إطلاق سراحهم بغرامات ماليّة ضخمة وصلت حدّ 10 آلاف دولار أميركي، في مراكز الاحتجاز. ومن ثمّ، كان تهريبهم إلى لبنان عبر مهربي بشر عبر الحدود البريّة بما يوازي مجموع تكاليف الشخص الواحد الألفي دولار تقريبًا.

عصابات الخطف
كما وأشار تقرير "ACHR" وحسب المعلومات التّي وصلت للمركز، فإن العصابات المسيطرة على نشاط جرائم الاختطاف تابعة لحزب سياسيّ لبناني وعصابات تجارة المخدرات المقربة منه و/أو تحت حمايته، مسؤولة عن عمليات اختطاف اللاجئين السّوريين مقابل فديّة في عدة مناطق لبنانية، وتشمل هذه المناطق البقاع الأوسط والشمالي وعكّار في الشمال اللبناني، وعلى جانبي الحدود السّوريّة - اللبنانيّة، وتحديدًا في منطقة وادي خالد، ومنطقة الهرمل حوش السّيد، ومنطقة عرسال، ومنطقة المصنع. وتقابل تلك المناطق على الجانب السّوري بلدات القصير وريفي حمص ودمشق المُتاخم للحدود السّورية اللبنانيّة. وتتراوح مدّة الاختطاف بين أسبوع وثلاثة أشهر، يتعرض خلالها المخطوف للضرب والاستغلال وإساءة المعاملة تحت ظروف غير إنسانيّة، وتتضمن مطالبات الخاطفين فديّة ماليّة تتراوح قيمتها بين 2000 و15000 دولار أميركي في بعض الاحيان. وبعد دفع الفديّة يتم تحديد أماكن إطلاق سراح المخطوفين استنادًا إلى قربها من المناطق الحدوديّة مع سوريا.

على هذا المنوال، تتزايد تعقيدات ملف اللاجئين السّوريين في لبنان من دون أن تُولي السلطات اللبنانية الانتباه الكافي والجدية اللازمة للتعامل معه. أكان بدايةً بضبط حدودها المتفلتة والمفتوحة لاقتصاد التّهريب وجرائم الاتجار بالبشر. فبدل أن تتخذ السلطات اللبنانية إجراءات حاسمة للتصدي لهذه المشكلة، لا تزال متمسكة باعتمادها المحاولات الزائفة لابتزاز اللبنانيين والمجتمع الدولي في هذا الصدّد، من دون أي حلّ براغماتيّ يخفف وطأة الأزمة على الطرفين اللبناني والسّوري (اللاجئين طبعًا).

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها